#مبتدأ_وخبر
د. #هاشم_غرايبه
المبتدأ: عندما توفي أبوصابر تاركا زوجة ثكلى وأيتاما صغارا، ضاقت الدنيا بأم صابر خوفا على ابنائها العنت، خاصة وأن العائلة ظلت تعيش على الكفاف، حيث يتدبرون أمور معيشتهم بصعوبة من ناتج ارضهم، والتي وإن كانت مديدة فسيحة، أن الانتاج كان شحيحا، بسبب ضعف إدارة أبي صابر وتكاسله.
لذا فقد رحبت الأرملة الحزينة بأول طالب ليدها وكان المختار أبو فيصل، والذي ما أراد الزواج بها لجمالها أو حسبها، بل طمعا في الأراضي الكثيرة التي ورثتها عن زوجها.
لم تكتشف المسكينة حقيقة الزوج إلا بعد فوات الأوان، فقد كان مدمنا على القمار زيادة على أنه مدخن شره، ورغم أنه وعدها بداية أنه سيخلصها وأولادها من معيشة الفقر، وهي صبرت عليه طويلا ولم تستعجلهلإنجاز وعده، إلا أن ظروفهم كانت تزداد سوءا يوما بعد يوم.
وكانت حسرتها تزداد وخيبة أملها تتضاعف كلما وجدته يبيع قطعة من الأرض ليسدد ديونه المتفاقمة، وفي كل مرة كانت ترضخ لطلبه بيع قطعة جديدة، وحجته التحرر من قبضة الدائنين، لكي يتفرغ لإطعام أولادها وكسوتهم،
لكن مرت السنون والأولاد كانوا يزدادون هزالا وعريا، عندها يئست وأدركت أنها لوبقيت أرملة لكان الحال أفضل، فطلبت الطلاق، لكن هيهات، لأن المختار رفض مدعيا أنه متمسك بها حبا لها، لكنها تعلم الحقيقة المرة، وهي أنه لن يفرج عنها الا بعد أن يستنزف كل ما عندها.
الخبر: بعد إسقاطه الدولة العثمانية التي كانت تحكم الأمة الإسلامية، لم يحتل الغرب أراضيها عسكريا، كما كان يفعل سابقا في حروبه، لأنه يعلم طبيعة هذه الأمة الصعبة المراس، فسوف يكلفه ذلك كثيرا، وفضل أن يحكمها بالوكالة، أي أن يولي عليها حكاما متعاونين معه، يؤمنون له مصالحه بلا كلف، بل ينال خدماتهم وإخلاصهم مقابل بقائهم على كرسي الحكم، واختار من بينها فلسطين، كونها تقع في قلب ديار الأمة، فما جلا عنها إلا بعد أن أمّن تشكيل كيان لقيط جمع فيه شذاذ الآفاق وأوهمهم أنه وطن جامع لهم، فيما هو في حقيقته لا يعدو كونه كلب حراسة القطيع، يراقب ويرصد التزام الأنظمة العربية بما فرضه عليها من تبعية، وإدامة إضعافها وتفرقها درءا لأية محاولة وحدة تستعيد فيها قوتها.
لكي تتقبل الشعوب ذلك ويستتب الأمن للحاكمين، كان من الضروري تأميلهم بالرخاء والتقدم، لذلك شنت حملة ثقافية متعددة العناصر، لإقناع الشعوب بأن يأملوا الخير العميم من منهاج الحكم الجديد (العلماني) النقيض (للإسلامي) الذي جربوه طوال القرون السابقة، وحققوا فيه السيادة والتفوق الحضاري، رغم أن تطبيق الحكام له كان متفاوتا من خلال الحقب الماضية، بين من طبقه بنسبة 100 % في أوله، ومن طبق نصفه أو ربعه أو عُشره، ورغم ذلك وحتى في أدنى الحدود، فرغم انحسار حالة التفوق، إلا أن الحكم الإسلامي كان في أسوأ حالاته محققا للعزة والكرامة، لكونه حمى أراضي الأمة ومياهها من الطامعين.
الحملة الثقافية كانت مستهدفة منهج الأمة (الدين)، كونه الممانع الأعظم لانهزامها، وللصد عنه أسبغوا على نقيضه (العلمانية) القدسية والتبجيل، وسوقوه تزويرا على أنه الوصفة السحرية للتقدم، فيما كان السبب الحقيقي المخفي للصعود الأوروبي هو الاستيلاء على خيرات الشعوب الفقيرة خلال المرحلة الامبريالية الاحتكارية التي رافقت الثورة الصناعية.
وفيما كانت الأنظمة تقوم بما أوكل لها، ومتيقظة صارمة في ممانعة العودة الى الحكم الإسلامي من جديد، كانت خطة الغرب مستهدفة المتعلمين في تبشيريات الغرب، الذين تشربوا ثقافته، فكافأهم بأن اطلق عليهم مسمى المثقفين التنويريين، مقابل تسمية متبعي منهج الله بالظلاميين، فكون هؤلاء طابورا آخر للغرب، عملوا من جانب كمخوفين للأقليات غير المسلمة من قيام الدولة الاسلامية، ومبشرين بأن العلمانية هي ما يحقق مساواة المواطنين، ومن جانب آخر أسسوا أحزابا سياسية قائمة على مبادئ علمانية رافضة لاتباع منهج الله، فبات نشاطها معززا لمهام الأنظمة، وهذا تفسير لماذا حظرت الأنظمة تشكيل الحزب ان كان اسلاميا، كما يفسر تأييد الأحزاب اليسارية للأنظمة القمعية، رغم علمها بفسادها وفشلها.
هكذا ضاعت الأمة طوال القرن الماضي كالأيتام في موائد اللئام، فزوج الأم لن يكون كالأب الحقيقي، وعندما يكون طمعه في ما لدى الأم، لن يطلقها بالحسنى الا بعد استنزافه لكل مقدراتها.