مبتدأ وخبر

#مبتدأ_وخبر

د. #هاشم_غرايبه

المبتدأ: تقول حكاية شعبية أن رجلا ماتت زوجته تاركة أطفالا صغارا، ولما كان صعبا عليه رعايتهم فقد تزوج لتتولى زوجته الجديدة أمرهم، لكنها كانت قاسية القلب وتسيء معاملتهم، ولولا حماية أبيهم لهم لنالتهم بالأذى.
اغتنمت مرة سفر زوجها فلم تعد بحاجة للتظاهر بدور الأم الحنونة ولا إخفاء مشاعر الكراهية لهم، فوضعت لهم تعليمات تعجيزية، ينال مخالفها العقوبة ضربا مبرحا منها.
لكن اصعب قراراتها كان تجويعهم، وحرمانهم من الطعام، فكانت تخبز لهم في كل يوم بضعة أرغفة، لكنها أصدرت تعليمات لهم: ” كل حتى تشبع، لكن صامد لا تفلق، ومفلوق لا تاكل”.
بالطبع لتطبيق ذلك عمليا، لن يمكنهم تناول لقمة واحدة، لأنه يلزمه أن يفلق الرغيف ليقتطع منه اللقمة، وهذا محظور، كما لا يسمح له بأكل رغيف مفلوق، الحالة الوحيدة هي أن يتناول الرغيف كله بلقمة واحدة، وهذا يستحيل على أفواههم الصغيرة، لذلك ما عاد أبوهم حتى وجدهم جلدا على عظم بسبب الجوع.
فسأل زوجته عن السبب، فقالت: هم لم يأكلوا رغم أنني قلت لهم ليأكلوا حتى يشبعوا.
الخبر: منذ وجدت الدول القطرية العربية، كان من أهم الوسائل لإفشالها وجعل اقتصاداتها مرتهنة بالمساعدات والقروض، أن تم إضعاف وسائل الانتاج وتقليص دور القطاع الخاص فيها، وجعلت الوظيفة المدنية هي الخيار الأول للباحثين عن العمل، وجرى تضخيم الجهاز الخدماتي كالصحة والتعليم والماء والكهرباء والطرق ..الخ وتوسيع الجهاز الإداري المالي المتعلق بجباية الأموال من المواطنين بمسميات متعددة مثل الضرائب والرسوم والجمارك، لتسديد رواتب وكلف الأجهزة المدنية والأمنية، والتي تنعدم مساهمتها في الدخل القومي تماما، بل تحمّل الخزينة نفقات رواتب الموظفين من غير تحقيق عائد انتاجي، وليس كالمناجم والمصانع التي انتاجها والدخل المتحقق من بيعه أضعاف كلف العاملين فيه.
والإفقار والعجز لدوام الاقتراض وبالتالي الخضوع لإملاءات المقرضين الغربيين السياسية والاجتماعية، يهدف لمنع الاستقلال الاقتصادي وبالتالي حرية القرارالسياسي، المؤدي الى التحرر والنهضة.
في سبيل ذلك تم إلهاء المواطنين بإصدار دساتير ترى في ظاهرها بنودا ترسخ القيم الأساسية للديموقراطيات الحديثة في الحريات العامة وحقوق المواطن وحرية المعتقد والرأي، لكنها عمليا وعلى أرض الواقع في ديارنا ليست مطبقة الا بصورة انتخابات موجهة النتائج، والممارس عمليا والمسكوت عنه من قبل الغرب الذي يشيع أنه يتبعها وتحرص على نشرها في الدول الأخرى، لكن حرصه الحقيقي هو على بقاء تلك الأنظمة، والذي لن يتم بالممارسة الديموقراطية الحقيقية، بل بالاستبداد والاستفراد بالسلطة من قبل مؤسسة غير معلنة رسميا تسمى “الدولة العميقة” وهي تعني تلك الدائرة الضيقة المحيطة بالحاكم ومرتبطة مباشرة مع الدوائر الاستعمارية، وهي التي تحدد السياسات للدولة، وما على السلطات الثلاث الا التنفيذ فقط.
لو طالعنا الدستور لن نجد ذكرا ذلك، بل كله بنود جميلة توحي أن الدولة وجدت لخدمة المواطن وضمان حقوقه، لكنك تجد في كل بند مثل القول: ان حقوق المواطن مكفولة، أو تكفل الدولة حرية التعبير عن الرأي، أو للمواطن الحق في تشكيل الأحزاب والجمعيات ..الخ، تجد في نهاية النص تقييدا لذلك بعبارة (وفق القانون)، أو (وفق تعليمات تصدر لهذه الغاية)، وهذا القانون أو التعليمات يقيد ممارسة الحرية بموافقة السلطة الادارية أو الأمنية المختصة …أي بمعنى: كل حتى تشبع، لكن صامد لا تفلق، ومفلوق لا تاكل!.
كنا سابقا نصدق أن الدول الغربية ملتزمة بالمعايير الديموقراطية، وأنها تسمح على الأقل بحرية التعبير عن الرأي، لكن ما كشفه العدوان الأخير، أن ذلك ليس صحيحا، بل مثلما أن القيود في أقطارنا العربية تحددها الدولة العميقة وليس الدستور، وبالطبع هي كل ما يحافظ على بقاء الأنظمة، فالقيود لديهم تضعها أيضا الدولة العميقة لديهم، وهي القوة الخفية (المثلث الماسوني)، لذلك ومهما تم الادعاء بالفضاءات المفتوحة وحرية التعبير فهو وهم، فلا يمكن أن تسمح وسائل الاعلام أوالتواصل بنشر ما يمس الكيان اللقيط أو يعري جرائمه.
وشخصيا ورغم جهودي بالتحايل على الفيسبوك، ألا أنه حظر العديد من مقالاتي المتعلقة بالعدوان على القطاع، او بكشف زيف استقلالية أنظمتنا، أوباسقاط أقنعة المنافقين.
بعد ذهاب أمنا الحقيقية (الدولة الاسلامية)، بتنا أيتاما على موائد اللئام، فلن ننتظر الرحمة من زوجة الأب.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى