مبتدأ وخبر

#مبتدأ_وخبر

د. #هاشم_غرايبه

المبتدأ: تقول القصة المعروفة أن اثنين كانا ينظران الى قمة جبل، فقال أحدهم أنظر الى تلك العنزات كيف تسلقت الجبل، فقال له الآخر: هذه غربان وليست عنزات، وبينما هما يتجادلان طارت وحلقت في الفضاء، كان من المنطقي أن يرضخ صاحب فكرة العنزات للمنطق، لكنه بدلا من ذلك أصر على رأيه قائلا: لا بل هي عنزات ولو طاروا.
الخبر: أصبح يقينا أن مرحلة ما بعد الطوفان ليست كما قبله، فارتداداتها هزت العالم كله وليست منطقتنا العربية فقط، وتغيرت مفاهيم كانت تعتبر من المسلمات، مما أجبر كثيرا من قوى العالم التي كانت مصطفة بشكل سافر الى جانب الكيان اللقيط على مراجعة مواقفها.
على صعيد الأمة كان التخاذل الذي وصلته أنظمتها الرسمية، قد أوصلها الى حالة الموات، فقد سادها صمت القبور، فلم تصلها رياح التغيير التي عمت العالم بأسره، وهذا يفسر لماذا هب العالم كله قريبه وبعيده، فيما لم يحرك أحدها ساكنا، بل لم يجرؤ أي منها على المطالبة بوقف العدوان، فاقتصرت مطالب أشجعها على استجداء (هدنة) لأجل توصيل المساعدات الإنسانية، وليس وقفا دائما، خوفا من أن تستطيع المقاومة لملمة صفوفها واعادة التجهز بالعدد والعدة.
لقد كان من المفترض أن يهرع العدو الى حلفائه العرب المتصهينين (كما في كل المرات السابقة)، طالبا منهم التوسط لوقف القتال، بعد إذ كانت تبلغ به الخسائر العسكرية والإنهاك الإقتصادي، حدا لا يحتمله، كون الكيان اللقيط ليس دولة بالمفهوم المعروف، بل هو ثكنة عسكرية منخرطة في قتال دائم مع أصحاب الأرض، كل أفرادها إما منتظمون في العسكرية أو جنود احتياط يؤدون المهام المدنية مؤقتا الى حين استدعائهم للإلتحاق بكتائبهم، لذلك فهم مختلفون عن باقي أقطار الدنيا، إذ لا راحة فيه لمقاتليه ولا سلام لمدنييه، وعندما يلتحق المدنيون بوحداتهم المقاتلة تتعطل حركة الانتاج، لذلك لا يمكنه البقاء في حالة التعبئة لأكثر من شهر.
لكن هذه المرة كان الأمر مختلفا، إذ أحس تحالف صهاينة الغرب والعرب بالقلق الحقيقي على وجود هذا الكيان، فهذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيه الى الهجوم، ومن قبل مجاهدين يتبنون منهج الله، مما ينذر بالعودة الى الدولة الإسلامية التي يخشاها معادو الأمة ومنافقوها.
فهذا التحالف ظل مطمئنا الى التزام الأنظمة العربية، بالحفاظ على بقاء هذا الكيان وحمايته، لكن جاء من هذه الأمة من يؤمن بالله واليوم الآخر، لا قدرة لها عليه، فلم تستطع القضاء عليه رغم جهودها المحمومة في الملاحقة والحصار ومنع المدد عنه، والتجسس عليه لصالح العدو (التنسيق الأمني).
واعتقدت الأنظمة العميلة أن الفرج جاءها بهذا العدوان، وظنت كما ظن كل معادي منهج الله والمنافقون عبر التاريخ، أن القوة العسكرية الهائلة سيمكنها تحقيق الهدف المشترك بالقضاء على هذه الفئة التي طالما انتصرت عليهم بنصر الله وليس بتفوقها العسكري، وسولت لهم نفوسهم أنهم هذه المرة سيتمكنون من اجتثاثها القضاء على منهجها المتمثل بالتمسك بإيمانها واتباعها لأمر ربها، لذلك كانت مطالبتهم لهذه القوة العاتية أن لا تأبه لما توقعه من جرائم بشعة بحق الأبرياء، فسوف تنجو من الملاحقة مهما فعلت شريطة أن تحقق لهم القضاء على هذه الفئة.
أنا شخصيا كنت أظن أن الإنسان وبدافع من الفطرة الإنسانيه السليمة، سواء أكان مؤمنا أم كافرا، وبغض النظر عن الميول والأهواء، لا يمكن إلا أن يحترم حق الإنسان في الحياة الكريمة، ويقدر جهد من يناضل للدفاع عن هذا الحق، بل ويتضامن معه ويؤيده.
لذلك صدمت عندما سألت أحد اليساريين: هل بعد ما تبين من تصدي إسلاميي القطاع، لأعتى قوة تحالف فيها الاستعمار الأوروبي علانية مع الكيان اللقيط، وحدهم بلا عون ولا مدد من أحد من الأمة، سواء الأنظمة أو القوى اليسارية والقومية، هل ما زلت عند موقفك القائل بأن الاسلاميين عملاء لأمريكا وأنتم الممانعون الوحيدون لها؟.
أجاب وفق نظرية (عنزات ولو طاروا): طبعا، فالإسلاميون صنيعة الغرب ونحن الوطنيون!.
عندها أدركت معنى قوله تعالى: “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ” [الجاثية:23]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى