ما هي طاقة السلام في العالم؟

ما هي #طاقة #السلام في #العالم؟

د. #أيوب_أبودية

لقد نسجتُ ثلاثة مفاهيم جديدة في حياتي المهنية وعبر اشتغالي بالطاقة و #القضايا_البيئية، هي: طاقة السلام، و #التلوث الناجم عن #الجهل، والطاقة المحفوظة كمصدر جديد للطاقة. في المقالة التالية، سأُعرّف مفهوم “طاقة السلام” وأُبرّر أهميتها للحفاظ على السلام العالمي.

يمكن وصف الطاقة المتجددة النظيفة بطاقة السلام، ليس لأنها تُنتج طاقة دون تلويث البيئة فحسب، بل لأنها تُسهم أيضًا في الحد من أسباب #الصراعات و #النزاعات بين الدول. فعلى عكس مصادر الطاقة التقليدية كالفحم والنفط والغاز و #الطاقة_النووية، التي تسببت في توترات وحروب عالمية وإقليمية نتيجةً للتنافس على السيطرة؛ فإن #الشمس والرياح والمياه متاحة للجميع، ولا يمكن احتكارها أو حجبها عن أي دولة. وهذا يُحقق درجة عالية من الاستقلال الوطني، ويُقلّل الاعتماد على التكنولوجيا المستوردة أو الوقود الأجنبي المخصّب.

مقالات ذات صلة

عندما تُولّد الدول طاقتها من موارد طبيعية محلية نظيفة ومتجددة، فإنها لا تحمي بيئتها فحسب، بل تُعزّز سيادتها الذاتية، وتُعزّز السلام العالمي. لذا، فإن الاستثمار في الطاقة النظيفة ليس خيارًا بيئيًا فحسب، بل خيارًا استراتيجيًا لأمن الشعوب واستقرار هذا الكوكب. إذ تكمن أهميتها في الحد من الحروب الناجمة عن الصراعات على الموارد الطبيعية ووقود الصواريخ النووية. وقد اخترنا بداية القرن العشرين لحصر أمثلة هذه المقالة حتى لا تتوسع كثيرا كالتالي:

1. الحرب العالمية الأولى (1914-1918): تنافست الإمبراطوريات الأوروبية على المستعمرات الخارجية الغنية بالمواد الخام (المطاط والنفط والمعادن). وكان طموح ألمانيا في تحدي سيطرة بريطانيا على الموارد العالمية عاملاً مهماً.

2. الحرب العالمية الثانية (1939-1945): سعت اليابان إلى الهيمنة على إمدادات النفط والمطاط في جنوب شرق آسيا. وغزت ألمانيا الاتحاد السوفيتي جزئياً للاستيلاء على حقول الحبوب الأوكرانية والنفط في القوقاز. وكانت السيطرة على الفحم والصلب في الألزاس واللورين ووادي الرور نقطة توتر طويلة الأمد في أوروبا.

3. حرب تشاكو (1932-1935) – بوليفيا ضد باراغواي: كان السبب نزاعاً على منطقة “غران تشاكو”، التي تحتوي على احتياطيات نفطية كبيرة.

 ٤. حرب بيافرا (الحرب الأهلية النيجيرية) (١٩٦٧-١٩٧٠): كان السبب هو السيطرة على دلتا النيجر الغنية بالنفط، والتي لعبت دورًا مهمّاً في محاولة بيافرا الانفصالية.

٥. حرب الأيام الستة (١٩٦٧) والصراع العربي الإسرائيلي الذي تلاه: في حين أن السيطرة على المياه كانت في المقام الأول إقليمية وسياسية، إلا أنها كانت عاملًا استراتيجيًا للحرب – وخاصة بهدف السطو على مياه نهر الأردن وفروعه، وطبقات المياه الجوفية في مرتفعات الجولان، ونهر الليطاني في لبنان لاحقًا.

٦. الحرب العراقية الإيرانية (١٩٨٠-١٩٨٨): على الرغم من دوافعها السياسية، إلا أنها شملت أيضًا السيطرة على مجرى “شط العرب” المائي والوصول إلى حقول النفط والغاز.

٧. حرب الخليج (١٩٩٠-١٩٩١): كان السبب هو غزو العراق للكويت، جزئيًا للسيطرة على احتياطيات النفط وتخفيف ديونه بعد الحرب.

٨. حرب الكونغو الثانية (١٩٩٨-٢٠٠٣): تُسمى أحيانًا “حرب أفريقيا العالمية”، وقد شاركت فيها تسع دول. كان السبب هو السيطرة على موارد الكونغو الهائلة: الماس والذهب والنحاس والأخشاب.

كذلك، فإن إحصاء بعض الاتفاقيات والتحالفات المتعلقة بالموارد التي وُقِّعت بعد هذه الحروب يُعزز حجتنا بأن الطاقات المتجددة النظيفة هي طاقات سلام، كالتالي:

1. الجماعة الأوروبية للفحم والصلب (ECSC – 1951). تأسست من قِبل فرنسا وألمانيا الغربية وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ. وهدفت إلى دمج السيطرة على إنتاج الفحم والصلب لمنع الحروب المستقبلية (لا سيّما بين فرنسا وألمانيا). كما كانت بمثابة مقدمة للاتحاد الأوروبي.

2. تأسيس منظمة أوبك (1960). تأسست منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لتنسيق سياسات النفط وتأكيد السيادة على الموارد الوطنية. واكتسبت قوة سياسية بعد حظر النفط عام 1973 الذي فرضه الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، بعد حرب أكتوبر مع إسرائيل، مما يُظهر كيف يمكن لتحالفات الموارد أن تؤثر على السياسة العالمية.

علاوة على ذلك، يمكن أن تكون النزاعات المحتملة على الموارد في المستقبل مؤشرًا جديدًا على أهمية مفهوم “طاقة السلام”، فمثلا:

1. حروب المياه: يُنظر إلى المياه بشكل متزايد على أنها السبب الأكثر ترجيحًا للحروب المستقبلية، لا سيما في المناطق التي تعاني بالفعل من ندرة المياه. ويمكن للطاقة المتجددة النظيفة والرخيصة أن تُخفف حدة التوتر من خلال تحلية المياه بطاقة السلام النظيفة.

حوض النيل –  مصر وإثيوبيا والسودان، بسبب سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) الذي زاد من حدة التوترات. إذ تخشى مصر من انخفاض تدفق المياه في نهر النيل، الذي يوفر أكثر من 90% من مياهها العذبة.

دجلة والفرات – تؤثر مشاريع السدود التركية على تدفق المياه باتجاه مجرى النهر إلى سوريا والعراق. وقد يؤدي ذلك إلى نزاعات أو حتى صراع مفتوح حول حقوق المياه والري.

نظام نهر السند – الهند وباكستان. يتعرض نظام النهر المشترك بموجب معاهدة مياه السند لضغوط بسبب تغير المناخ والخلافات السياسية. وقد تنشأ صراعات مستقبلية إذا قام أي من الجانبين بتقييد الوصول إلى المياه.

٢. التنافس على النفط والغاز: شرق البحر الأبيض المتوسط ​​- تركيا، اليونان، قبرص، إسرائيل، مصر، سوريا، لبنان، غزة. أدت اكتشافات الغاز الطبيعي الأخيرة إلى نزاعات حول المناطق الاقتصادية الخالصة. وتؤثر المواجهات البحرية وتحالفات الطاقة بالفعل على سياسات المنطقة برمتها.

– منطقة القطب الشمالي – روسيا، الولايات المتحدة، كندا، النرويج، الدنمارك. إذ يفتح ذوبان الجليد بفعل الاحتباس الحراري طرق شحن جديدة فيتيح الوصول إلى أماكن النفط والغاز والمعادن. وقد يتصاعد التنافس على المطالبات الإقليمية والسيطرة على الموارد.

– بحر الصين الجنوبي – غني بالنفط والغاز، وتطالب الصين بمعظم البحر في تحدٍّ للأحكام الدولية. وتزيد التوترات مع الدول المجاورة والوجود البحري الأمريكي من خطر نشوب صراعات.

٣. العناصر الأرضية النادرة والمعادن الاستراتيجية: أدى ارتفاع الطلب العالمي على الكوبالت والليثيوم على البطاريات والمركبات الكهربائية والتكنولوجيا الحديثة إلى جعل جمهورية الكونغو الديمقراطية موردًا رئيسيًا. ويتزايد تعرضها لخطر الاستغلال الأجنبي، وعدم الاستقرار الداخلي، والصراعات بالوكالة.

جرينلاند – المعادن النادرة واليورانيوم. يكشف ذوبان الأنهار الجليدية عن موارد غير مستغلة هناك. وتُبدي الولايات المتحدة والصين وأوروبا اهتمامًا، مع احتمال حدوث خلافات جيوسياسية.

4. الأراضي الزراعية والأمن الغذائي: منطقة الساحل (أفريقيا) – التصحر وندرة الأراضي. يُؤدي تغير المناخ إلى تقلص مساحة الأراضي الصالحة للزراعة وإشعال صراعات عرقية وصراعات على الموارد (مثل الصراعات بين الرعاة والمزارعين). ويُمكن أن تكون تحلية المياه بالطاقة النظيفة المتجددة حلاً.

ففي ضوء ما سبق، يتبيّن أن الطاقة المتجددة النظيفة ليست مجرد خيار بيئي، بل أداة استراتيجية لصناعة عالم أكثر استقرارًا وسلامًا. فحين تكون مصادر الطاقة متاحة للجميع، يقل دافع الهيمنة والصراع، وتزداد فرص التعاون.

إن طاقة السلام هي طاقة لا تُلوّث، ولا تُحتكر، وهي سبيل آمن للسيادة الوطنية، والتكافؤ الدولي والانصاف والعدالة، وتخفيف التوترات بين الشعوب. فكل استثمار في الطاقة النظيفة، هو استثمار في مستقبلٍ يخلو من الحروب والصراعات المفتعلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى