“ما هكذا يا حكومتنا ونوابنا وشعبنا تورد الإبل ”.
نايف المصاروه.
جاء في أمثال العرب “ما هكذا تورد يا سعد الإبل”، وقصة المثل فيما يُحكى أن مالك بن مناة ، كان قد اشتهر في زمانه بأنه أفضل من رعى الإبل والأكثر رفقاً بها.
وذات فترة من الزمن إنشغل مالك بزواجه، فأوكل إلى أخيه سعد أمر رعاية الإبل والقيام على شؤونها.
لكن سعد لم يُحسن رعايتها ولا الرفق بها،حتى قيل بأنه لم يعرف كيف يوردها على الماء، فقال فيه أخوه مالك بيتاً من الشعر أصبح مثلاً يُضرب به حتى يومنا هذا.
“أوردها سعد وسعد مشتمل،،،
ما هكذا يا سعد تورد الإبل”.
ويضرب هذا المثل بكل من أوكل إلية #أمانة ع#مل عام أو خاص ، ولم يتقنه أو يؤده على الوجه المطلوب.
وفي المعنى ولتصحيح حالة سعد ، وذلك بحسن إختيار من توكل إليه أمانة القيام بعمل ما، قيل أيضاً أعطي الخبز لخبازه ولو أكل نصفه.
وفي شأن رعاية الإبل، مر النبي القائد والمعلم والمشرع عليه الصلاة والسلام، ببعير كاد ان يلتصق ظهره ببطنه من شدة الجوع والتعب، فقال عليه والسلام موجها ومعلما “اتَّقُوا الله في هذه البَهائِمِ المُعْجَمَةِ”. رواه ابو داوود.
هذا في حالة التقصير في رعاية شأن الإبل ، أما في شان عامة الناس ، فالتوجيه والتكليف مختلف تماما، واكثر دقة وحزما.
فأمر رعاية #الإنسان والقيام على سائر شؤونه، أمر واجب بل فرض عين على مؤتمن تولى تلك الأمانة.
أنطروا وتمعنوا في قول النبي عليه الصلاة والسلام “
ومن الأمانة ان يتولى شأن العامة ، الأمناء والأتقياء والأنقياء، ولا يتولاها الصبيان والسفهاء وإهل الهوى.
والحالة الأمنية في بلادنا تتطور منذ أيام، إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه بكل أسى وأسف، ولم اسمع عن بوادر لحلول ناجعة تشفي الغليل والعليل معا.
بل إن ما تم طرحه من حلول آنية على شكل مسكنات، ووصفات سبق وصفها مرارا، ولم تعد تنطلي على الجياع.
اخاطب #الحكومة الحالية، بصفتها صاحبة الولاية في إدارة ورعاية شؤون البلاد العباد،وقد أقسمت على ذلك أيمانا، تجددت مع كل تعديل أجوف، ولأكثر من خمس مرات.
ولا أريد أن أعود إلى الوراء كثيرا، في السرد والبيان، بل سأقص القصص على بعض ما وقع من التقصير في الأداء والرقابة خلال الأعوام القليلة الماضية فقط !
سمعنا كثيرا عن خطط وبرامج وأقوال عن التصحيح الإقتصادي،ولكن النتائج كانت مزيدا من سياسة رفع الدعم ، ومسلسل تكرار رفع الأسعار ،والذي بات يتجدد كل أسبوع أو شهر، فإذا رفع أقوام اسعارهم سارعنا إلى الرفع، وإذا خفضوا بقينا على الرفع، وأحيانا نجامل بخفض السعر فلسات معدوده.
فبحجة حماية الاقتصاد الوطني، أعلنت حكومتين سابقتين عن قرارين جائرين برفع الدعم عن المحروقات والخبز ، رافق ذلك إعلان ماكر بتقديم دعم نقدي لبعض الأسر، وتهافت الناس على التسجيل، دون التوقف للحظات للتأمل او التساؤل عن التبعات.
وبعد أن استقر رفع الدعم الذي تلاه رفع الأسعار وأصبح واقعا لا مفر منه، أوقفت الحكومة ذلك الدعم، وتسارعت وتيرة الرفع، إلى أن إشتعل واشعلنا.
رأيت في بعض المخابز سجلا للدين.. يدون فيه أسماء من يشترون الخبز بالدين.
واقسم… أن بعض أرباب الأسر أصبح همه ان يؤمن لاسرته الخبز فقط، وبعضهم ما تيسر معه من بعض الخضروات، التي طالها سعار رفع الأسعار، مع أننا نزرعها في بلادنا ولا نستوردها .
تصور يا رعاك الله، أن يتكرر رفع اسعار المحروقات،لأكثر من عشر مرات، في اقل من عامين، رافقه أيضا إرتفاع متكرر في معظم أسعار السلع الضرورية والمواد التموينية،وئشكل ذلك والحكومة صاحبة الولاية، تدعي انها تراقب الأسواق وتتابع إرتفاع الأسعار.
وعلى أرض الواقع فإن الحكومة هي من تستفز مواطنها، وبالتعاون مع أهل التجارة والمال، واشير فقط إلى ما يتكرر من رفع لأسعار بعض السلع، عند بداية كل رمضان.
أينما أممت وجهك فلا تجد إلا لهيب الرفع، التي تجاوزت حدود القدرة على الشراء، ومع ذلك لا نوايا لزيادة على الرواتب والأجور.
وقامت حكومتنا الحالية وبنفس حجة من سبقها، برفع اسعار الكهرباء، وثمة قرار لها لتكون فاتورة المياه بشكل شهري، بدلا مما كانت عليه سابقا ، وهي محاولة ماكرة لزيادة الاعباء على المستهلكين، بدلا من قرار رفع اسعار المياه.
أعجب عندما أرى بعض سادتنا وصناع قرارنا يتسابقون، في حل أزمات غيرنا ويعمّقون من أزماتنا.
وأعجب وأزداد تعجبا ، عندما أرى الحكومات المتعاقبة تتفنن في( حلب) المواطن ، واستنزاف قدراته وإختبارات صبره ، بدلا من التنفيس عليه جراء صبره وقهره، على كثرة الكذب والدجل والخيبات التي لا تعد ولا تحصى.
كم مرة أعلنا بأننا سنخرج من عنق الزجاجة إياها؟
وهل حلت بنا ايام الفرح،التي أعلن عنها رئيس الحكومة الحالية؟
تكرار التخبط، وعدم الجدية، في مواجهة الواقع المتهالك،والهدر المريب في المال العام من بعض المسؤولين، وصل في بعض القضايا إلى اكثر من نصف مليار دينار، وما تكشفه تقارير ديوان المحاسبة بعض من كل وما خفي كان أعظم.
كل ذلك وغيره.. والى كل حكم وعادل.. من الذي تسبب في خنق الناس مرارا، وأخرجهم عن أطوارهم، أليس هو تكرار الرفع المجنون، والذي ولد واقع الجوع والفقر والبطالة؟
حالة التأفف والسخط والغضب، التي تجتاح اغلب الأردنيين، هي ردا عملي على واقع الدجل والخنق، ورفضا لكل قرارات الرفع، وإن كان بعضهم أعلن عن ذلك من خلال الإحتجاج، فإن بعضهم لا يزال يستحي أن يعلن.. أقول يستحي ولا يخاف.
الأدهى والأمر من العلقم، وحالة الإحتجاج الشعبي تستمر وتنتشر ، وبدلا من الوضوح والمكاشفة الحقيقية، والإعتراف بالتقصير والإعتذار عنه.
قامت الحكومة قبل أيام ومعها بعض النواب والاعيان، بعقد بعض الجلسات للتدارس والوصول إلى الحلول، ولوقف الإحتجاج.
والسؤال للحكومة والنواب وغيرهم .. هل يواجه واقع رفع الأسعار المتكرر، وما وصلت إليه كل نتائجها ، بقرار تأجيل السلف والقروض لمدة شهر؟
وما هو الرابط بين واقع رفع الأسعار والتأجيل؟
أي إرادة وعقلية إدارة تلك التي تطرح مثل هذه الحلول؟
ألا يكفي من وصفات السلق والمسكنات؟
ألم يكن من العقل والحكمة، إلغاء كل قرارات الرفع التي نفذت، او تلك التي هي في طريقها للتنفيذ، وتحديدا ما يخص قطاع الطاقة والمحروقات والمواد التموينية.
لله نشكو حالنا وقد ابتلينا بضعف وترهل في الإدارة ، وضعف في البصيرة وعمى الألوان، يتجلى واقعه في كل مفاصل حياتنا المهترئة كشوارعنا.
اما السادة النواب والاعيان، نعم ندين معكم وقبلكم كل سلوك مشين يستهدف أمن وطننا،ونرفض بكل ما يعني الرفض ان تمس شعرة في قدم أي رجل أمن بأي أذى.
ونرفض قبلكم التعرص لمركبات الامن او الجيش،فهم أبناءنا وأشقاءنا، كما نرفض كل أشكال العنف ، لأن كل تلك السلوكيات، ليست من عادتنا أو شيمنا.
ولكني أسألكم..وانتم سلطة الرأي والرقابة والتشريع،أين كنتم..عندما كانت الحكومة تتفرعن وتقرر وتكرر رفع الاسعار؟
وماذا قدمتم للمواطن الذي يبيت طاويا، يئن تحت وطأة الجوع والفقر؟
وهل تعلمون شيئا عن واقع الفقراء والجوعى، وأعدادهم التي تزداد ؟
نعم نطالب بالضرب بيد من حديد، على كل من ساهم بإيصالنا إلى هذه الحالة، وعلى يد كل جائر.
ولكن ليس على البقرة الحلوب، من دافعي الضرائب والرسوم وغيرها من مسميات الحلب.
كنت اتمنى عليكم، أو على بعضكم ان يتقدموا بإستقالاتهم ، ويعتذروا من الأردنيين،بسبب ما وصلوا أو ساهموا بوصولهم اليه.
ولشعبنا الأردني الحر الشهم الأشم، نعم نقر بإن كل ما جرى ويجري هو ردة فعل طبيعية ،على جنون القرارات التي تسلق على غير دراية؟
وأقول إن الرفض والتعبير السلمي والمشروع ، يجب أن يبقى في مساره الصحيح والمتحضر،الذي كفله الدستور، ولكن بعيدا عن العنف والفوضى.
وفي ظل إرتفاع وتيرة الإحتجاج ، وما وصلت اليه من سلوكيات مرفوضة ومحرمة، من قتل وجرح وتدمير وتخريب، أسأل كل محتج او من سيحتج هل هذا سلوك وتعبير سوي وحضاري؟
واقول وأعيد التوجيه والبيان، الذي لطالما كتبته واتبناه وأنادي به ولن أحيد عنه.
وأعيده وأكرره بأن الإعتداء على أي أردني أنى كان موقعه او مسماه، حرام شرعا ومرفوض عقلا وعرفا وقانونا.
والتحذير الأهم هو بعدم التعرض لرجال الأمن والجيش، والحذر الحذر من الجرح أو إراقة قطرة من الدم ، ثم الحذر من الإضرار بالمؤسسات العامة او الخاصة.
أعيد وأجدد وأوكد.. نعم لكل سلوك حضاري برفض او تعبير او إحتجاج، وبالطرق السلمية المؤثرة وما أكثرها،أوقف سيارتك او شاحنتك، وقاطع كل ما تم رفع سعره وغيرها، وانظروا إلى كيفية الإحتجاج في بعض الدول، وانظروا إلى آثارها وثمارها.
ولكن… لا وكلا… لسفك الدماء أو إزهاق الأنفس، أو التخريب والدمار ، الذي يغلف في ثوب الإحتجاج ولتحقيق المطالب .
كيف لي أو لغيري أن أسير او أويد مطالب المحتجين، مع انها مطالب حق، ولكن كيف يكون طلب الحق بارتكاب المحرم والباطل؟
كيف تجرأنا على هذا الكم من الإعتداء على أبناءنا وأشقاءنا من رجال الأمن!
وكيف لذاك الآثم الأشر، أن يهدأ او ينام او تستقر نفسه، بعد أن قتل العقيد الدلابيح رحمه الله!
ما أعدل وأجمل ، لو تصور كل منا، ان من قتل هو إبنه أو شقيقه، فكيف ستكون ردة فعله؟
وهل سيقبل بسلوك العنف، ليكون سبيلا لتحقيق المطالب؟
ختاما.. وحفظا لما تبقى من ماء الوجه، همسة للحكومة ان كانت تحرص على أمن البلاد، الرحيل أقوى وأسلم، فقد كثر شاكوها وقل شاكروها.
ثم يجب على كل غيور في مجلس النواب، محاسبتها على كل ما رفعت وجوعت وقصرت في واجبها.
اللهم رحمتك ومغفرتك لأخي الشهيد العقيد الدكتور عبدالرزاق الدلابيح، واجبر قلوب اهله وذويه، وقلب كل مكلوم، اللهم آآمين يا رب العالمين.
كاتب وباحث أردني.