ما مصير ذوي الكفاءات العليا؟

ما مصير ذوي الكفاءات العليا؟
سناء جبر

في خضم المتغيرات الناتجة إثر جائحة كورونا وما أحدثته من انعكاسات على المستويين: العالمي والإقليمي ، تلفت الانتباه ظاهرة خطيرة تتمثل في تقليص أعداد العاملين ضمن المنشأة الواحدة، وبالتالي تضخم العمل في ذات المنشأة ، فالعمل الذي كان مطلوبا من أربعة أشخاص، وزع على اثنين. وإن لم يعجبك الأمر، فالباب مفتوح للمغادرين، وهناك الكثيرون ينتظرون كرسيك فارغا وشاغرًا . هذه مشكلة لا بل واقعة بحد ذاتها ، فهو إن خرج من عمله أين سيذهب ومن سيفتح له باب التوظيف؟ وجميع المؤسسات تنتهج ذات السياسة ؟ ولا ننسى أن من تم الاستغناء عنهم وعن خدماتهم هم من الخبراء وأصحاب الخدمة الطويلة والخبرة الممتدة عبرالسنوات؛ فهم ممن يُشهد بكفاءتهم، فقد كانت لهم اليد الطولى السابغة في رفعة المؤسسة أو تخريج أفواج مميزة من الطلاب الواثقين القادرين على امتلاك ناصية العلم ورفعها عاليا بفخر واعتزاز. هذا الموظف والمعلم والإداري صاحب الخبرة يجد نفسه فجأة مرميّا في الطريق ، لن يلقي بالًا لعبارة ثناء تلقى على مسامعه ولن يفهم مبررات مديره وهو يحاول أن يشرح له ما يحصل متلعثما بكلماته ، لن يفهم عبارة مواساة من أحد من أقرانه في ذات المؤسسة،، لن يستطيع أن يبرر لنفسه ولا لإدارته مدى عجزه في تلك اللحظة ، كيف يشرح خيبته فيهم ، كيف يجد الكلمات التي تسعفه ليصرخ في وجوههم رافضًا ما يحصل . والمشكلة الأكبر أنه يعرف سابقًا أن لا بديل للمكان ، وإن حاول كما فعل سابقا بالخفية فيكون الجواب واحدًا: مهاراتك عالية جدا وشهاداتك المضمنة في ملفك مما لا يسمح لنا ان نضعك بهذا الشاغر فرتبتك أعلى بكثير. يطرق عدة أبواب ويكون الجواب واحدا إن لم يكن رفضا مباشرا . هو يعرف في قرارة نفسه أنهم يريدون خبرات أقل ليدفعوا مقابلها أجرًا أقل. المشكلة تكمن في أن من يقابلك أدنى منك خبرة ومهارة ويخاف على نفسه ومكانه وكرسيه منك فيرفضك ، هذا ملخص الأمر كله . وهنا ، السؤال موجه إليك أيها القارئ : يطلقون عليه (over qualified) ما مصيره ؟ أمامه خيارات… نعم ، لكن هل هي منصفة بحقه وبحق علمه وخبرته ؟ فهو إما ان يرضى بالأقل مكانة راضيًا بأجر زهيد مقنعًا نفسه بان ذلك أفضل من لا شيء . وإما أن يضع يده على خده منتظرًا الفرصة لتأتيه على طبق من ذهب. وهذا من المحال. لذلك، أن يحصل وينعكس الأمر على وضعه النفسي سوءًا ليس بعده سوء . وقد نجد نموذجًا ثالثًا يهدأ قليلا ويعيد ترتيب أموره من جديد ويعمل على تطوير ذاته من نواحٍ أخرى ، يرفض الهزيمة وينطلق للمواجهة من أبواب أخرى. كانت الصدمة له بالمرصاد لكنه قاوم مقاومة عنيفة ورفض الهزيمة النكراء وفضل المواجهة أمام تعنت المدراء والمسؤولين . هي تجربة قاسية جدا، لن ينكر أحد ذلك لكن كانت ردود الفعل مختلفة متباينة ، وهنا لا أوجه لومًا لأحد ، فلسنا سواء وليست متطلباتنا والتزاماتنا سواء كما أن تربيتنا النفسية مختلفة من شخص لآخر. ومن الطبيعي أن تختلف طريقة التعاطي مع الخسارات والانكسارات حالها حال الانتصارات ، ومنا ومنهم من تحمل انهزامات عظيمة جدا حتى انحنى ظهره وما استطاع تحمل المزيد فسقط وذرف مرّ الدموع .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى