ما لم يرد في لقاء الملك عبد الله الثاني مع الشباب
عبد الفتاح طوقان
وجه الملك عبد الله الثاني اثناء لقائه بشباب الجامعات الي دور الشباب في صناعة السياسات العامة و اهمية دورهم ، ولكن من جهة اخري غاب عن اللقاء دور الدولة في اشراك الشباب في صياغة السياسات العامة وتقصير الحكومة في ذلك و هي نقطة جدلية في العلاقة منذ اول ندوة عن “دور الشباب في الاردن” و التي اقيمت منذ اكثر من اربعين عاما وكنت احد حضورها و المشاركين بورقة عمل حول دور الشباب ، تلك الندوة التي شملت انذاك دور الاحزاب الممولة من الخارج و غياب احزاب اردنية وطنية قوية ذات قواعد شعبية لاتعتمد او تنتهج البعد الطائفي والعقائدي و العشائري للمشاركة.
و للتذكير و اجترار التاريخ للاستفادة ممما حدث، و بعد ان انتهت الندوة، و عوضا عن وضع محاورها و نتائجها و تبني افكارها من قبل صنّاع القرار والشركاء الاجتماعيين الذين يهتمون بتنفيذ السياسات والبرامج المتعلقة بالشباب علاها التراب في ارفف وزارات الشباب التي كان الوزير و الوزارة فيها نوعا من الترضية مثلما هي وزارة الثقافة و التي لا تزال تلك الوزارات هي وزارات ترضية لمن لم يحالفه مقعد وزاري في اي من الوزارات السيادية.
اربعين عاما مرت و الحديث نفس الحديث، ما اختلف هو ان الملك قال :” نريد ان نحدد ثلاث سنوات للتغيير وتحويل الكتل البرلمانية الي احزاب مبنية علي برامج بهدف تشكيل حكومات برلمانية ، و انه لا بد من رحيل كل من “غير الاكفاء” و تقليل عدد مجلس النواب الي ثمانيين.
الملك يعي المشكلة جيدا و يعلم انه تحدي ليس بالسهل في مواجهة موجات متلاصقة من تغييب الوعي و محاولات طمس هوية الشباب ضمن مخطط طمس الهوية الاردنية ذاتها. ليس ذلك فقط بل يعلم الملك تماما، حسب حديثه، كيف يتم اختيار وزراء غير اكفاء وفاشليين و منحهم فرص و ملاحق مثل ملاحق راسبي المواد في المدارس موضحا ان ذلك يخضع لمعايير الخوف من الاقارب و العشائر و هر الامر نفسه الذي يحدث عن سيادة القانون.
لذا ما لم يرد في الحديث الحل لتلك المشكل و التي من ضمنها مثلا ان يتم المنع من المنبع بعدم اختيار روؤساء حكومات ووزراء الا من الاكفاء و تعريف معني الكفاءة و كيف يمكن قياسها و تحديدها، و فتح الابواب امام كل من هو قادر علي العطاء و التغيير و التميز، و عدم الموافقة علي كل ما يطرح من رئيس الحكومة من اسماء.
لقد سبق و رفض الملك الحسين رحمه الله عديد من اسماء اقترحت عليه لتولي منصب رئيس الحكومة لقناعته انهم غير قادرين علي تنفيذ السياسات و تنقصهم الرؤية . الوطن ليس مختبر تجارب ، و لا وقت لاضاعته.
و رغم بعض من التحسنات التي طرأت واتت عبر مشاركات شبابية ، سابقا ، في انتخابات نيابية ، بناءا علي طلب مباشر من الراحل الملك الحسين تحت شعار رفع في اول انتخابات نيابية يعد سنوات من غياب العمل الديمقراطي كان “ الشباب يصنع التغيير “، الا ان التغيير لم يحدث و لم يسمح لاحد بالمطالبة بالتغيير .
واقصد طبعا كانت نتيجة العمل لوصول الشباب الي مقاعد النيابة الفشل في مواجهة الرجعية المحلية التي تقف عائقا امام مسيرة الشباب الاصلاحية و و دوره في صناعة المستقبل . و النتيجة كانت “ لم ينجح احد “ مما ادي الي رسوب “ الوطن” .
وبالطبع كان عدم وصول اي شاب الي مقاعد البرلمان يعزو الي صعوبة المنافسة بسبب الزخم المالي بالملايين من الدنانير و شراء الاصوات و المال الساخن في الانتخابات و السيطرة الامنية و الحكومية علي توجيه الروح الانتخابية و التي سادت العمليات الانتخابية و التي هي ايضا سائدة الي يومنا هذا، ويمتد ذلك الي اختيار من يجلس سواء في الدوار الرابع ( مجلس الوزراء) او في العبدلي ( مجلس النواب و الاعيان) ضمن مخطط اقصائي حكومي بالغ التعقيد، و لم يخضع يوما ما يحدث الي تحقيق ضمن مفاهيم من النزاهة او الشفافية.
و اقصد انه لا يزال بعد كل تلك السنوات الامور علي علتها تدور بين جدلية دور الدولة وكافة مكوناتها ومنظومتها التشريعية والقانونية وبرامجها وآليات صنع القرار لديها لاجل الشباب و التي عوضا عن الاهتمام بهم تسخر لخدمة اعضاء حكومات منتفعة و ابنائهم و اقاربهم و يحدث التصادم بين منظومة الحريات و الفكر و الابداع و تيارات اغلاق و تكميم الافواه.
إن اي مشاركة رمزية للشباب قد حدثت كانت ضمن اخضاع الشباب تحت “بنديرة الحكومة” و “ الامن”. و تلك ثغرة تحتاج الي معالجة .
هذا الفكر الحكومي الاقصائي للشباب ادي الي عدم الاستثمار الايجابي للطاقة الكامنة في مختلف عمليات الدولة وخاصة التنموية منها، والتي كان من المفترض قيامها على أساس استراتيجي لإستثمار دور الشباب في التنمية المنشودة، ونتج عنها الفشل الذي انعكس علي الشباب و اللذين اصبحوا بمرور الايام “ اباءآ و امهات” مسؤولين عن ابنائهم و بناتهم الشباب اللذين في دوره ثانية و ثالثة من لقاءآت ملكية يستمعون الي نفس الحديث في غياب تام من الدولة و الحكومة.
و التاريخ يثبت انه لم يكن يوما جهدا من حكومة ما لتوفير فرص تدريب لتطوير مهارات الشباب في مجالات القيادة المدنية وتحليل السياسات العامة ، علي سبيل الذكر لا الحصر. و كانت الحكومات دوما حاجز منيعا في إيصال أفكار وأراء الشباب لساحات صياغة السياسات العامة في الاردن ولم تدعم المشاريع الشبابية ذات التأثير على المستويين الوطني والدولي.
لقد كانت الاصوات التي يسمح بها فقط هي ممن يطبل و يزمر و ينافق الحكومة. و لقد وضع الملك يده علي الجرح عندما تحدث عن وساذط التواصل الاجتماعي و التي اصبحت طريقا ممهدا للتواصل المباشر مع الملك الذي لا يألوا جهدا في متابعته لتشخيص القضايا التي تهم المجتمع الشبابي، و بالطبع هذا يقلق الحكومات و الامن معا .
المشكلة الحقيقية هي ان كلام الملك متزن ، يمس الواقع ، يحفز الشباب و لكنه غير مطبق علي ارض الواقع لجدلية تلك العلاقة بين الدولة و الشباب، و التي لا تزال تبحث عن رؤية حقيقية تحول طموح الملك في اردن الغد الذي يشمل واقع تشاركي باستثمار جهد الشباب.
لقد طالب الملك الشباب ، ان يكونوا مثل الدول المتقدمة ، خصوصا و ان مساحة الاردن في العالم تتجاوز حدوده علي الخارطة ، وأن يشاركوا في صناعة وصياغة السياسات العامة والانخراط في الحياة السياسية و الاحزاب لاجل الوطن العام و الخروج من الدائرة الصغيرة ،و ناشد الملك و استغاث بالشباب قائلا : اريد مشاركتكم بالضغط من طرفكم ( قاعدة الهرم في العمل السياسي) لتساعدوني ( قمة الهرم في العمل السياسي) لنصل الي نتيجة من خلال الضغط الشعبي عل النائب و الوزير ليقوم بدوره و تطبيق مبدأ سيادة القانون و تطوير اعمالهما . و هذا المفهوم السياسي الذي يؤدي من خلال الضغط الي قرارات تضفي بالضرورة الاعتبارات السياسية في عملية صنع القرار في الدولة باستخدام نظرية “ السندوتش السياسي “ Political Panel Sandwicth.
و لعل اهم ما تطرق له الملك عبد الله الثاني هو “اوراقه النقاشية “ و التي هي بحاجة الي حلقات نقاشية قد تتفق و قد تختلف مع الملك ، و هي عبقرية دعت الي عصف ذهني شبابي لمستقبل الاردن و ليست كما يحلوا للبعض ان يراها مجرد اوامر ملكية اتت في صورة من أوراق نقاشية. و اجبة التطبيق كما هي و كأنها من منتجات شركة ايكيا التي تباع بعض العرض كما هي (As is ).
هنا لا بد ان نفتخر بهذا الفكر الداعي الي حوار سقفه السماء يناقش السياسات و يعترض عليها و يحذف منها و يضيف اليها، و هي خطوة في منتهي ديمقراطية الفكر و الحكم الراقي.و لكنها تقع ايضا ضمن جدلية دور الدولة و اقصائاتها المتعددة للشباب و لاي صوت او فكر مخالف لها.
ما لم يرد في اللقاء هو دور حكومات اسست و تؤسس لمملكة الخوف ، حكومات تحد من إمكانية التحرك و إثبات الوجود للشباب، في مواجهة افكار ملك يجتهد يؤسس لمملكة الانفتاح و الفكر و استثمار جهد الشباب اللذين يشكلون ثروة وطاقة بشرية للاردن، كما و غاب عن اللقاء كيف الحكومة عليها ان تطور الحياة المدنية للشباب ، وتعاظم دور السلطة والسياسة في الحياة الاجتماعية والفردية للشباب ، و كيف زيادة ارتباط المصير الفردي والاجتماعي للشباب بالسلطة والدولة.
لا بد من استنهاض كافة الطاقات والقدرات الشبابية وإعادة صياغة المعادلة على أسس جديدة والتي يجب أن تبدأ باعتماد الثقافة الوطنية الاردنية والديمقراطية وتلبية الاحتياجات على أساس الحاجة ومبدأ المواطنة المتساوية والمتكافئة وليس على أساس الانتماء العشائري او العقائدي، وذلك باتجاه إعادة بناء المجتمع على أسس جديدة تعتمد معايير الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير كأحد معايير التنمية الإنسانية المباشرة .
و حيث ان الحديث عن ضرورة تغيير كل من هو غير كفؤ قد ورد في اللقاء ، لعل تلك مناسبة حديث و البحث عن وزير شباب قادر علي إعادة صياغة المعادلة عبر تعزيز مكانة الشباب في صناعة القرار السياسي و الاقتصادي و الرياضي و التي تكتسب أهمية خاصة بالمجتمع الاردني الذي يتميز بكونه شاباً، الأمر الذي سيساعد الملك عبر قيادة الشباب المساهمة في معالجة العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة و التي فشلت فيها الحكومات المتعالقة بما فيها الحكومة الحالية التي ان آوان تعديلها او رحيلها.
aftoukan@hotmail.com