سواليف
نشرت صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” تقريرا للكاتب تيلور لاك من العاصمة العمانية مسقط، يتساءل فيه عمن سيخلف السلطان قابوس سلطان دولة عُمان، مشيرا إلى أن السلطان حدد لجنة سرية لإدارة شؤون البلاد وتأمين الاستقرار، وإن كان ذلك لفترة قصيرة.
ويقول الكاتب: “يعد السلطان قابوس المريض رئيس وزراء هذا البلد الصغير والثري، ووزير الخارجية والدفاع، ورئيس الدولة، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وفي هذا البلد الخليجي تلوح صورة قابوس بشكل كبير، وترحب صورته بالزوار في المطار، ويزين اسمه الشوارع والمدارس والمستشفيات والموانئ وملاعب الرياضة والجامعات، وعادة ما يحمل أكبر مسجد في البلدة اسم قابوس”.
ويضيف لاك: “لم يعرف العمانيون بعد فترة التحديث خلال العقود الماضية حاكما غير قابوس، ويحمل كل عماني تقريبا قصة عندما زار السلطان بلدتهم أو قريتهم، أو ساعد آباءهم، أو فتح مدرسة أو محطة مياه، فالولاء لعمان هو ولاء للسلطان قابوس”.
ويتابع الكاتب قائلا: “السؤال يدور اليوم حول من سيخلف السلطان البالغ من العمر 76 عاما، الذي لم ينجب وريثا أو أطفالا، وتعاني صحته من اعتلال، والمشكلة أن لا أحد يعلم من سيكون الخليفة”.
ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن استقرار سلطنة عمان مهم للمنطقة والعالم؛ لأنها تقع على مضيق هرمز الحيوي، الذي يمر منه 20% من النفط العالمي، وتشترك عمان في إدارته مع إيران، التي لا تبعد عنها سوى أميال، لافتا إلى أن الدبلوماسيين في العاصمة يعترفون بأن المضيق قد يكون “الجائزة الكبرى” في التنافس بين السعودية وإيران، وربما تحول إلى “مصدر للنزاع المقبل”، في حال خسرت سلطنة عمان التوازن الحساس الذي مارسته في علاقاتها مع المتنافستين الإقليميتين.
وتلفت الصحيفة إلى أنه “خلال العقود الخمسة التي قاد فيها قابوس البلاد بعد انقلاب أبيض، عقب عقود من الاضطرابات والانقلابات داخل القصر، فإن عُمان جعلت الاستقرار أولوية تتفوق على كل شيء، ومن أجل منع الخلافات الداخلية ومؤامرات القصر، أو الاقتتال بين القبائل العمانية، وكذلك التدخلات الإقليمية، فإن السلطان قابوس ترك خطة الوراثة غامضة”.
ويبين لاك أن “هناك متاهة سرية تحيط بمسألة الخلافة، وتضم انتخابات مجلس عائلة وجوائز في ظروف مختومة، وهي جزء من الترتيبات التي يقول المحللون والمراقبون إنها من أجل التأكد أن رحيل قابوس لن يؤثر في الاستقرار الذي سيكون جزءا من إرثه”.
ويقول الكاتب: “السؤال هو هل ستنجح الخطة؟ يتفق الجميع أن السلطان القادم سيواجه مهمة ضخمة من أجل الحصول على دعم الرأي العام الذي لم يعرف إلا قابوس ولم ينتفع إلا منه، والمهمة الأكبر ستكون كيفية إدارة الاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على النفط، ومنع الاضطرابات الاجتماعية، التي قد تنشأ بسبب تراجع الموارد النفطية”.
ويفيد التقرير بأن “السلطان قابوس وضع نفسه في الأوقات كلها في المقدمة والمركز، بصفته أبا وحاميا لعُمان، حيث عمل على تطوير بلاده من خلال الثروة النفطية التي اكتشفت حديثا، ونقلها من دولة فقيرة إلى دولة حديثة ولاعب مهم على المسرح العربي، وعندما وصل إلى السلطة في عام 1970 كانت عُمان واحدة من أفقر دول المنطقة، ولم يكن فيها سوى ثلاث مدارس، وكانت نسبة 66% من البالغين فيها أميين، بمن فيهم 88% من النساء، وكانت نسبة الوفيات بين الأطفال عالية (1-5)، وكانوا يموتون قبل بلوغ سن الخامسة، ولم يكن معدل الحياة يتجاوز نسبة 49.3%”.
وتذكر الصحيفة أن معدل الدخل القومي السنوي ارتفع في ظل قيادة السلطان قابوس من 256 مليون دولار في عام 1970 إلى أكثر من 80 مليار دولار، لافتة إلى أنه يوجد في عُمان اليوم 1230 مدرسة، ولا تتجاوز نسبة الأمية بين البالغين 5.2%، ويوجد فيها 59 مستشفى، وارتفع معدل الحياة إلى 76 عاما.
وينوه لاك إلى أن السلطان أضاف لمسته الشخصية خلال فترة التحولات التي مرت على عُمان، حيث كان مشاركا بطريقة مباشرة في الأمور التي تتراوح من الطريقة التي يجب على العمانيين تنظيف سياراتهم بها، إلى تشجيعهم على فتح الأعمال والشركات التجارية، مشيرا إلى أن هذه اللمسة الشخصية تركت بصمة على العمانيين الذين كان ولاؤهم له حقيقيا وواضحا.
ويورد التقرير أن جمعة بن حسوم، وهو صاحب محل بناء القوارب العمانية التقليدية، يتذكر في صور كيف نصحه السلطان بالعودة إلى بلاده من الكويت وبناء محل فيها، وقال: “جلس السلطان هنا، وقضى الليل كله، وفي نهايته وقبل أن يغادر أعطانا حقيبة مليئة بالمال، وطلب منا بناء المحل”.
وتنقل الصحيفة عن خبراء، قولهم إن التغطية والتعتيم على من سيخلف السلطان مقصودان، حيث يعاني السلطان من مصاعب صحية منذ عام 2014، وقضى أشهرا للعلاج في ألمانيا، ولم يظهر خلال السنوات الثلاث الماضية في المناسبات العامة إلا نادرا.
ويبين الكاتب أن هناك 86 شخصا يحق لهم وراثة السلطان، وهم من أبناء آل سعيد من ناحية الأب والأم، منوها إلى أنه في ظل الدستور الحالي فإن مجلس العائلة سيقوم باختيار خليفة للسلطان بعد ثلاثة أيام من وفاته، وفي حال عدم توافقهم على مرشح بينهم، فإن السلطان ترك ظرفين مختومين مخبئين في مكانين مختلفين في البلاد، ويحملان اسمي المرشحين اللذين يفضلهما السلطان قابوس، ويمكن اختيار واحد من بين الـ 86 شخصا سلطان بعد رحيل السلطان قابوس.
ويورد التقرير نقلا عن المحلل السياسي أحمد المخيني، قوله: “لدى العائلة الحاكمة تاريخ من الصراع على السلطة بين الأمراء والإخوة، وحتى أن بعضهم قتل البعض، وإذا كان هناك خليفة واضح أو معروف فإن الكثير من اللاعبين والأطراف قد يقومون بتحشيد طرف ضد آخر”، وأضاف المخيني أنه “في حال عدم وجود خليفة واضح فإن النظام بهذه الطريقة مستقر”، حيث كان السلطان خلال فترة حكمه حذرا في عدم إظهار خليفته المفضل من أقاربه؛ حتى لا يرجح كفته.
وتستدرك الصحيفة بأن المراقبين يقولون إن هناك أسماء مرشحة، مثل أسعد بن طارق، وهو ابن شقيق السلطان، الذي لم يتول حتى وقت قريب أي مناصب رسمية، وأصدر السلطان في 3 آذار/ مارس مرسوما سلطانيا يعين فيه بن طارق نائبا لرئيس الوزراء، لافتة إلى أنه قد تتم تسمية أسعد، وهو في الستينيات من عمره، خليفة للسلطان.
وينقل لاك عن محللين، قولهم إن سرية السلطان حول خليفته لا علاقة لها حصرا بالمشكلات المحلية ومخاوف الاقتتال، لكنها رد على الوضع المضطرب الذي يحيط بعُمان، فهي قريبة من السعودية والإمارات، ولا تبعد إيران عنها سوى 35 ميلا على الجانب الآخر من الخليج.
ويشير التقرير إلى أن السلطان لعب خلال فترة حكمه اللعبة الإقليمية ببراعة، وحافظ على علاقات اقتصادية مع الشركاء الخليجيين، فيما احتفظ بعلاقة دافئة مع إيران عدوة السعودية اللدودة، بالإضافة إلى أن عُمان استخدمت علاقاتها السياسية وجوارها الجغرافي لأداء دورالوسيط بين دول الخليج العربية والولايات المتحدة وإيران، الأمر الذي أدى إلى توقيع الاتفاقية النووية عام 2015، منوها إلى أنه بتسمية السلطان الوريث له فإن إيران والسعودية والإمارات قد تقوم بمحاولات التقرب من ولي عهده، وربما تستخدم ثرواتها والمخابرات للضغط عليه.
وتورد الصحيفة نقلا عن مدير “غلف ستيت أنلاتيكس”، وهي شركة استشارات مقرها واشنطن، جورجيو كافيرو، قوله: “ليس سرا وجود مفاهيم سلبية لدى بقية دول مجلس التعاون الخليجي تجاه عُمان وعلاقتها المتزايدة مع إيران”، وأضاف: “هناك فرصة جيدة لتقوم بقية الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، خاصة السعودية والإمارات العربية، بمحاولة الضغط على وريث السلطان لإدارة سياسة خارجية متناسبة مع سياسة الرياض وأبو ظبي، وأقل تقاربا مع إيران”.
ويجد الكاتب أن هناك عاملا آخر من عوامل السرية في خطة قابوس، وهو محاولة الحفاظ على التوازن بين القبائل والأقليات الدينية التي لها تمثيل في مؤسسات الدولة والجيش، وتضم الأباضيين، والقبائل الشيعية في الداخل، والتجار في الساحل، والعُمانيين الذين جاءوا من شرق أفريقيا، مبينا أن وجود مرشح للسلطان قد يهز هذا التوازن.
ويقول لاك: “مهما يكن، فإن السرية التي تحيط بخليفة السلطان قد لا تحضره للتحدي الأكبر وهو الاقتصاد، فبحسب الدراسات المتعددة، فإن عُمان ستتوقف عن إنتاج النفط خلال 15 عاما، وتحتاج عمان سعر 55 دولارا لبرميل النفط لتكون قادرة على دفع رواتب القطاع الحكومي، وفي الوقت الذي يرتفع فيه سعر النفط وينخفض تحت سعر 55 دولارا فإن عُمان تواجه مشكلات”.
وبحسب التقرير، فإن السلطان قابوس قام في عام 2011 بزيادة التوظيف والرواتب والعلاوات التي تدفعها الحكومة، بعد سلسلة من التظاهرات احتجاجا على نقص الوظائف والفساد، مبينا أن المحللين والعُمانيين يخشون في أحاديثهم الخاصة حول قدرة السلطان الجديد، الذي لا يملك الخبرة على مواجهة التحديات، خاصة أنه لم يتدرب على الحكم.
ويقول المخيني للصحيفة: “مع زيادة عدد الباحثين عن الوظائف، وعدم نمو الاقتصاد الذي لا يوفر مشاريع، فسينتهي الوضع بقنبلة اجتماعية”، مشيرا إلى أن العقد قد ينحل في حال عدم حصول السلطان الجديد على شرعية تشبه شرعية السلطان.
وتختم “كريستيان ساينس مونيتور” تقريرها بالإشارة إلى أن دبلوماسيين غربيين لاحظوا مستويات عالية من عسكرة المؤسسات الأمنية، وعبروا عن قلقهم من أي تحديات للسلطان الجديد، قد تكون اقتصادية، ومن الممكن مواجهتها بالقوة، خاصة إن كان السلطان القادم ضعيفا، فإنه من المتوقع أن يعتمد على الجيش، بحسب دبلوماسي غربي يقيم في مسقط، الذي يقول: “لن يحتاج الأمر سوى إلى رام واحد للحجارة، أو سوء فهم مع المتظاهرين لإشعال النار”.
ترجمة عربي 21