يبدو أن حالة انسداد الأفق السياسي بين الفريق أول عبد الفتاح #البرهان، قائد #الجيش_السوداني والحاكم الفعلي للبلاد، وبين نائبه، قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، الملقب بـ” #حميدتي “، قد وصلت لنقطة #اللاعودة، حيث اندلعت #اشتباكات مسلحة عنيفة بين الطرفين صباح السبت 15 أبريل/نيسان 2023، في عدة مناطق داخل العاصمة السودانية #الخرطوم وخارجها وصلت إلى القصر الجمهوري. فما الذي يحدث في #السودان، وما خلفية هذا الصراع الذي ظل يختمر منذ وقت طويل؟
وقع المحظور بين الجيش السوداني و”الدعم السريع”
اشتعلت المواجهة التي كانت مسألة وقت بين الطرفين، وذلك بعد يومين من تحذير الجيش السوداني من أن البلاد تمر بـ”منعطف خطير”، بعيد انتشار القوات التي يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو في العاصمة السودانية والمدن الرئيسية خلال الأيام الماضية.
وتبادَل #الجيش و #قوات_الدعم_السريع الاتهامات حول شنّ هجمات ضد قواعد تابعة لهما صباح السبت، فيما ذكرت تقارير لوكالات إخبارية، عن شهود عيان، سماع دوي انفجارات وإطلاق نار كثيف في مناطق متفرقة من الخرطوم ومدينة #مروي.
وقالت قوات الدعم السريع إن الجيش السوداني شنّ هجوماً على إحدى قواعدها في الخرطوم، فيما اتهم الجيش السوداني قوات حميدتي بمهاجمة الكثير من قواعده في الخرطوم ومناطق أخرى، بُعيد إعلان تلك القوات مهاجمة الجيش لمعسكراتها. وقال الناطق باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله: “هاجم مقاتلون من قوات الدعم السريع عدة معسكرات للجيش في الخرطوم ومناطق متفرقة في السودان”، مضيفاً: “الاشتباكات مستمرة والجيش يؤدي واجبه في حماية البلاد”.
في الوقت نفسه، أعلنت قوات الدعم في بيان السبت سيطرتها على #مطار_الخرطوم، رداً على هجمات للجيش على قواعد لها، على حد قولها. وجاء في بيان لها لاحقاً بعد اندلاع أولى الاشتباكات: “تم طرد المعتدين على مقر القوات بأرض المعسكرات في سوبا، والسيطرة على مطار الخرطوم”.
خلال تحذيره مما هو آت، قال الجيش السوداني في بيانه يوم الخميس إنه “يقع على عاتق القوات المسلحة دستوراً وقانوناً، حفظ وصون أمن وسلامة البلاد، يعاونها في ذلك أجهزة الدولة المختلفة”. مضيفاً: “القوانين نظمت كيفية تقديم هذا العون، وبناء على ذلك وجب علينا أن ندق ناقوس الخطر بأن بلادنا تمر بمنعطف تاريخي وخطير، وتزداد مخاطره بقيام قيادة قوات الدعم السريع بحشد القوات داخل العاصمة وبعض المدن”.
60 ألف مقاتل يتبعون لحميدتي زحفوا نحو الخرطوم
وكشفت مصادر عسكرية سودانية لـ”عربي بوست”، عن أن قوات الدعم السريع نقلت أكثر من 60 ألف مقاتل من دارفور إلى الخرطوم خلال الأيام الماضية، في تحشيد عسكري كبير لها، ما أشعل فتيل الأزمة مع الجيش السوداني، جنوب العاصمة.
أكدت كذلك أن تحركات كبيرة رُصدت خلال اليومين السابقين، تمثلت بتنقل آليات عسكرية من منطقة الزرق شمال دارفور إلى الخرطوم، الأمر ذاته جاء في تصريحات صحفية من قيادة الدعم السريع، قبيل بدء اشتباكات مع الجيش السوداني في العاصمة.
في المقابل، قام الجيش بحشد قواته في العاصمة الخرطوم، لا سيما في منطقة مروي، التي تشهد تحشيدات متبادلة بين الجانبين، تبعتها اشتباكات عنيفة صباح السبت.
وخلال الأسابيع الماضية، شوهدت عمليات إعادة انتشار مكثفة للقوات وإجراءات أمنية جديدة- بما في ذلك بناء أسوار عالية جديدة- حول مقر الجيش في الخرطوم. أُغلِقَت الجسور وفُتِحَت من قِبَلِ الجيش دون إبداء أي سبب واضح. وتعمل نقاط تفتيش أمنية مشددة في أنحاء العاصمة السودانية وتكثف عمليات تفتيش المسافرين الذين يصلون إلى مطار الخرطوم.
صراع يختمر منذ وقت.. ما سبب الخلاف بين البرهان وحميدتي؟
يقول محللون عسكريون ومدنيون، مؤشرات التصعيد بين البرهان وحميدتي كانت واضحة طوال الفترة الماضية، ورغم محاولات الوساطة بين الجانبين فإن هذا الصراع لا يمكن إيقافه.
وحافظ البرهان وحميدتي على تحالف غير مستقر، منذ انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، بقيادة البرهان، والذي شهد وضع الجيش محل الحكومة الانتقالية التي قادها المدنيون في السودان، لكن كلا الرجلين له مصادر مختلفة للسلطة والثروة، بالإضافة إلى رعاة دوليين مختلفين.
وعن أوراق الضغط التي يمتلكها كل منهما، يسيطر البرهان بصفته قائداً للقوات المسلحة السودانية، على مجمع صناعي عسكري كبير. كما يعد الرجل المُفضَّل في السودان لدى مصر، وهو من الشخصيات التي تولت السلطة في فترة الرئيس السابق عمر البشير، الذي أُطيحَ به من السلطة في عام 2019.
في المقابل، يسيطر حميدتي، الذي كان في السابق على رأس ميليشيات الجنجويد سيئة السمعة في دارفور، والمعروفة حالياً بـ”قوات الدعم السريع”، على مناجم الذهب في المنطقة المضطربة، ويحظى بدعم قوي من قِبل رئيس الإمارات محمد بن زايد.
طوال الفترة الماضية التقى كل من البرهان وحميدتي بأعضاء رفيعي المستوى من الحكومات الأمريكية والروسية والإسرائيلية، كما شوهد حميدتي في موسكو عندما غزت روسيا أوكرانيا.
وكثَّف كبار المسؤولين من كل من الجيش وقوات الدعم السريع خطابهم العلني، حيث يتسابق كل من حميدتي والبرهان للحصول على الدعم الإقليمي والدولي.
في يناير/كانون الثاني، زار البرهان دولة تشاد. وفي اليوم التالي، وصل حميدتي إلى نفس البلد، بعد ذلك بيومين وصل وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إلى الخرطوم، وقال حميدتي إنه لم يُبلَغ بالزيارة.
وفي فبراير/شباط 2023، في أعقاب الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا، أرسلت القوات المسلحة السودانية طائرة مساعدات إنسانية إلى تركيا. بعد أسبوع أرسلت قوات الدعم السريع طائرة منفصلة خاصة بها.
وفي مارس/آذار، تصاعد التنافس، حيث دعا البرهان إلى دمج قوات الدعم السريع في الجيش. رد حميدتي بتحدٍّ قائلاً إنه يأسف لانقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، الذي ساعد فيه مع البرهان.
في غضون ذلك، أصر الوسطاء الدوليون بين الممثلين المدنيين والعسكريين على توقيع الأطراف المعنية المختلفة على اتفاق نهائي بحلول أبريل/نيسان، بحيث يتضمن الاتفاق الإطاري دستوراً جديداً للسودان، وسيُشكل الأساس لحكومة مدنية جديدة.
لكن الخلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع أثرت على توقيع الاتفاق النهائي للعملية السياسية في السودان، الذي كان مقرراً في 5 أبريل/نيسان الجاري، قبل إرجائه “إلى أجل غير مسمى”، حيث اختُتِمَت ورشة عمل بين ممثلي المدنيين والعسكريين وقوات الدعم السريع، في 30 مارس/آذار، دون التوصل إلى أي توصيات نهائية، مع اشتداد الخلافات حول دمج القوات شبه العسكرية بالجيش.
كما لا تزال هناك قضايا خلافية أخرى بين البرهان وحميدتي، مثل وضعية قيادة القوات والتجنيد لقوات الدعم السريع، وأيضاً إصلاح الجيش وإبعاد أنصار النظام السابق عنه.
حميدتي كان يجهز نفسه لهذه اللحظة منذ وقت طويل
في أغسطس/آب 2022، نشر موقع African Intelligence الفرنسي، ذو المصادر الاستخباراتية، أن محمد حمدان دقلو أو “حميدتي” عمل منذ فترة طويلة على تجميل صورته على المسرح الدولي، تحضيراً لترشيح نفسه لرئاسة السودان، في ظل تنافس شديد مع الجنرال البرهان.
ويقول الموقع الفرنسي إن حتى بداية أغسطس/آب 2022، أقام حميدتي حوالي خمسين يوماً في “الجنينة”، عاصمة إقليم غرب دارفور. حيث استقبل هناك إمام ضاحية درانسي في باريس، المواطن الفرنسي التونسي حسن شلغومي. ويُعَد شلغومي، المنتقد العنيف للتطرف الديني، أيضاً مدافعاً قوياً عن اتفاقات أبراهام، التي سمحت في عام 2020 برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لإسرائيل بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
ومثل حميدتي، المقرب من رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، يعمل شلغومي في دائرة نفوذ أبوظبي. الإمام الفرنسي التونسي يحظى أيضاً بدعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يشاركه نفس الرؤية للإسلام. بهذا النشاط السياسي الخفي يرسل حميدتي إشارة إلى باريس وعواصم أوروبية أخرى، بأنه لا يؤيد عودة السودان إلى “الإسلاميين” و”الإسلاموية” التي سادت في عهد عمر البشير، الذي كان رئيساً من عام 1989 حتى عام 2019.
بالتوازي مع ذلك، استعان حميدتي بخدمات وكالة العلاقات العامة الفرنسية “آن تستوز”، لمحاولة تسهيل المقابلات مع وسائل الإعلام الفرنسية وتلميع صورته دولياً.
ولفترة وجيزة في عام 2019، استخدم حميدتي الشركة الكندية ديكينز آند مادسون، ومديرها الكندي الإسرائيلي آري بن ميناش، لكي يصل صوته إلى واشنطن.
ويعتبر بن ميناش أن من بين عملائه زعيم المجلس العسكري في بوركينافاسو، بول هنري سانداوغو داميبا، والرجل القوي في شرق ليبيا خليفة حفتر، المقرب أيضاً من الإمارات، والمرشح الرئاسي التونسي الفاشل نبيل القروي المقرب من شلغومي.
في الخرطوم، يتولى إدريس مدلل، مهندس من قوات الدعم السريع، أكبر قوة شبه عسكرية في البلاد، علاقات حميدتي الإعلامية. يمول حميدتي قوات الدعم السريع من خلال تعدين الذهب والتجارة، ويستخدمها لتأسيس وتعزيز سلطته كما يقول موقع “أفريكان إنتلجنس”.
حميدتي عمل على تقديم نفسه محلياً كمصلح بين القبائل وحامٍ للثورة على النظام السابق، وهو يحظى بعلاقة قوية مع الإمارات/ تويتر
ومنذ صعوده إلى منصب رفيع في عام 2019، سعى حميدتي إلى تعريف نفسه على أنه “رجل من الأطراف”، في مواجهة الجيش والجنرالات المهنيين من الوسط والشمال، وعلى رأسهم البرهان.
هذه هي الرسالة التي كان يأمل في تعزيزها بإقامته الطويلة في غرب دارفور. المنطقة الواقعة على الحدود مع تشاد، والتي تعاني من دوامة من العنف القاتل، ويسلط حميدتي الضوء على جهوده لإنهاء الاضطرابات. ويقال إنه كان يعمل على الوساطة بين المجتمعات البدوية والمستقرة خلال موسم الأمطار، وهي فترة ازدياد خطر حدوث اشتباكات دامية، وعاد بالفعل إلى الخرطوم بعدما توصل إلى أربع اتفاقيات مصالحة بين مختلف الجماعات المعارضة.
وبحسب موقع African Intelligence، كان زواج حميدتي الأخير من امرأة من جماعة العبابدة العرقية، التي تعيش على جانبي الحدود المصرية السودانية وفي سيناء، جزءاً من استراتيجيته لإظهار شرعيته المحلية مقارنة بالنخب العسكرية في الخرطوم.
ويقول الموقع إن حميدتي، كان ينتهج استراتيجية جديدة طول الفترة الماضية للتقرب من الشباب السوداني والمجتمع المحلي، حيث كان يظهر مرتدياً عمامة بيضاء على تيك توك، المنصة التي تستخدمها أعداد هائلة من الشباب في السودان والعالم، وهذا أحدث عنصر في استراتيجية اتصالات متعددة الجوانب لتقديم نفسه كزعيم جديد للسودان.
وطوال الفترة الماضية، شنّ حميدتي على خصومه في الجيش السوداني حملات إعلامية وانتقادات متكررة، وفي 1 أغسطس/آب 2022، اختار حميدتي شبكة BBC البريطانية، لانتقاد رئيسه عبد الفتاح البرهان علانية، ورغم أنها لم تكن المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك فإنه لم يكن قد تواصل مع مثل هذا الجمهور الواسع بهذا القدر في المرة السابقة.
وفي المقابلة، أعلن حميدتي أن انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول، “كان فاشلاً”، وادعى أنه “بدون دعمه” لم يكن البرهان قادراً على إزاحة المدنيين من السلطة بهذه السهولة، كان تصريحه حينها تأكيداً إضافياً على التنافس المتزايد بين الرجلين القويَّين في السودان، لكن ذلك في المقام الأول جزءٌ من مناورةٍ أوسع بدأها حميدتي منذ فترة طويلة لتجميل صورته على المسرح الدولي، تحضيراً لتقديم نفسه كزعيم للبلاد.