ما أطول حربنا مع هذا العدو!
د. فايز أبو شمالة
إعادة اعتقال #أسرى #نفق #الحرية مثل صدمة لكل الأمة، فلم يكن يتوقع أبناء الشعب الفلسطيني والعربي أن يلقى القبض على المحررين بهذه السرعة، ولا سيما أن خطة انتزاع الحرية كانت محكمة، وإبداعية، وكانت مربكة لكل #حسابات #الأجهزة #الأمنية الإسرائيلية، وقد ألفنا أن العمل الناجح المحكم بهذه الطريقة، سيفضي إلى نجاح لا يقل عنه دقة وإبداعاً، وقد أوحت كل الدلائل أن الذي خطط لعملية شق الأرض، والخروج من تحتها، لديه خطة متكاملة في كيفية التملص من المطاردة، ولديه الأماكن والأشخاص والأدوات التي ستمكنه من مواصلة مشوار الانتصار، ومواصلة الحضور الفاعل في مجرى الحدث السياسي.
وكانت المفاجأة المدهشة حين اكتشفنا أن أسرى نفق الحرية قد خاضوا معركة الحفر واختراق الجدار لوحدهم، وخرجوا لمواجهة أعتى قوى الملاحقة وقص الأثر لوحدهم، وأنهم كانوا يتهربون من أحدث أنظمة المراقبة والتجسس على مستوى العالم ـ لمدة خمسة أيام ـ لوحدهم، وأنهم خرجوا من ظلمة #السجن إلى نور #الحرية دون معرفة الاتجاهات، ودون معرفة الأماكن التي التجأوا إليها، في سعيهم للوصول إلى مكان آمن، لقد كانوا أسرى محررين بلا أي مقومات للبقاء سوى الإرادة، وبإرادة الحياة هذه واجهوا جيوش الأعداء المدججة بالتكنولوجيا، وبعشرات العيون التي ترصد كل نأمة في المنطقة كلها.
كان خبر إعادة اعتقال الأبطال مزعجاً ومربكاً ومؤلماً لشعب يعشق #البطولة، ويهتف للأبطال، وللحقيقة أقول: لم يكن الشعب الفلسطيني مهيأً لمثل هذه النتيجة، لذلك كان الحزن ممزوجاً بالفخر، وكان الغضب ممزوجاً بالتحدي، وكان الإحباط يتصارع مع الأمل، ولاسيما بعد أن تذوق الشعب الفلسطيني لذة الانتصار، وهو يشاهد ذلك الشاب الفلسطيني الذي رفع قبضته بالمسدس، وأطلق طلقتين من فتحة في الجدار، أصابت عين القناص الإسرائيلي، فأرداه قتيلاً، إن هذا المشهد الإبداعي البطولي لن يمحى من ذاكرة الشعب، الذي ما عاد يتوقع إلا المزيد من الانتصارات على جبروت العدو.
على الشعب الفلسطيني أن يدرك أن معركة أسرى نفق الحرية هي جزء من جملة معارك يخوضها هذا الشعب، وأن ساحة معركة أسرى نفق الحرية هي بعض ساحات المواجهة الكثيرة، وأن نتائج المعارك المتعددة بما فيها معركة المواجهات والمظاهرات والتصدي في الساحات ما زالت قائمة، ولن تحسم بأي حال من الأحوال لصالح العدو، الذي فرضت عليه الأحداث المتلاحقة على أرض فلسطين أن يعاود البحث عن وجوده وأمنه واستقراره، بعد أكثر من سبعين عاماً على إعلان دولته، وبعد عشرات الاتفاقيات والمعاهدات مع عدة أنظمة عربية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، وبعد هوجة التطبيع التي تفاخر بها، وعدها انتصاراً استثنائياً.
لقد نجح أسرى نفق الحرية في إعادة القضية الفلسطينية إلى مسارها التحرري الأول، وأيقظ هؤلاء المحررون قضية الأسرى من سبات، لقد أعاد نفق الحرية الفعل البطولي إلى الواجهة، وأعاد ثقة الشعب بنفسه وبقدراته، وأيقن أن المستحيل لغة الضعفاء، وأن الوطن لا يحتاج إلى الخطابات والبيانات، وأن الوطن لا يستمع إلى الهتافات الجوفاء، الوطن فلسطين يحتاج إلى رجال أشداء، وإلى قادة كفء، قادة يؤثرون مصالح الشعب على مصالحهم الشخصية، قادة على استعداد للتضحية بأولادهم وأنفسهم وأموالهم من أجل فلسطين، وما دون ذلك، فالشعارات والتصريحات والتهديدات عبر الفضائيات لا تضر عدواً، ولا تنفع صديقاً.
ملاحظة: إذا كان بعض الأبطال الذين حفروا نفق الحرية لم ينجحوا في تحرير أنفسهم من السجن، إلا أنهم نجحوا في تحرير الأمة كلها من الخوف والعجز والتردد، ووضعوا التنسيق والتعاون الأمني في زنازين المذلة والعار!