ماض بديع ومستقبل مأمول / رقية القضاة

ماض بديع ومستقبل مأمول

سلسلة لا تنفصل فيها حلقة عن الأخرى ،ومنظومة لا تنفرط فيها حبة دون ان تنفلت الأخريات
خلفها تباعا ،تلك هي مقومات الأمة وميزات حضارتها ،ودعائم وجودها ومستقبلها،
وإنه لجميل رائع أن نتغنى بماضينا العريق المبهر ،وان نصوغ منه عقدا ثمينا نجمل به مفرق حاضرنا ،ثم نورثه لمستقبلنا الآتي ،وفق منظومة بديعة من الحوافز التاريخية والاحداث البطولية والعلوم المفيدة، كل ذلك ضمن إطار عقيدتنا السمحة ،وشريعتنا الشاملة ،وأحكامها المتوازنة الحكيمة ،التي صاغت كل ذلك الإبداع الإنساني ،وسمت بعالم العقل والتفكير ،ووجهته إلى اكتشاف بديع صنع الله في كونه المحكم ،منكرة على أولئك الذين أهملوا ،واجبهم الإنساني الحضاري مقصرين في نشر منهجهم الإسلامي ا لمتميز مكتفين بحقبة مرت من الزمان الألق، المليء بالفتح والعلم والعدل ،والسبق إلى كل ما هو حضاري وإنساني.
تلك الحقبة التي الغيت فيها القيود التي كبلت العقل الإنساني عقودا طويلة ،فاشرقت خلالها ودون غيوم ،شمس الحضارة والتقدم العلمي ،المتآلف مع الدين ،ذلك انه دين قائم على احترام العقل ،متفهم للمشاعر والإنفعالات ،دافع إلى الإبداع ،بل إنه أعطى لمن اجتهد فأخطأ اجر، ولمن اصاب أجران ،لئلا يكون الخطا الطبيعي المتاصل في الشخصية البشرية عائقا أمام
محاولات الإبداع والإكتشاف والتجريب ،فيتوقف العطاء الإنساني باسم الدين.
ولعلي وكثيرون غيري ،نتمنى أن يعاد النظر في مناهج وأساليب التدريس في مؤسساتنا التعليميه ،فنتوقف عن أسلوب التلقين، ونفتح المجال أمام إبداعات أبناءنا ،فنخرج بذلك عقولهم من تلك الإشكالية التي وقع العقل العربي اسيرا لها سنين طوال ،إشكالية تقييد العقل بقيود وهمية تنسب الى الدين والدين منها براء,.
فالتغيير في أساليب التعليم، صار واجبا حضاريا ،على ان يبقى الدين الإسلامي بكل حضوره العقدي والعلمي الذي شهد له به القاصي والداني ،مرجعا شرعيا وعلميا ،و دافعا قويا للإبداع
. إن الأمة التي تكتفي بماضيها الجميل ولا تجعل منه حافزا لتقدمها ،لا يمكنها ان تنهض
بمستقبلها ،كما لا يمكنها ان تدفع عدوها ،ولا أن تثبت وجودها كأمة علم وشامة بين الأمم
وكيف تدفع الأمة عدوها ،وهي لا تصنع سلاحها بيدها ،وكيف تقضي الأمة على الجهل
والمرض والفقر والتخلف ،وهي لا تملك إلا ترانيم وقصائد، تدور كلها حول ماضيها
الجميل العريق ، ولا تنبعث منها شوارد الالحان الباعثة للهمم الحاضرة البانية.
وكيف تشبع الأمة وهي لا تزرع قمحها بيدها ،ولا تصنع نتاج حقولها ،ولا تضرب الصخر سواعد أبناءها، فتحيل القاحلات جنانا ،ومقفرات البيد حقولا.
إن الأمة التي تكتفي بجمال الماضي، وعلم الماضي ،وحضارة الماضي، وبطولة الماضي
دون أن تستمر على ذلك في حاضرها ،هي امة مهزومة في أدق حاجاتها وادق
متطلباتها ،امة مستعمرة دون أن تدري ،مقتولة دون أن تحس،بحد السيف ،مريضة دون أن
تدرك مدى استشراء الداء في جسدها ،أمة كانت قويةثم ضعفت ثم لا قدر الله مصيرها الإضمحلال إلاّ أن يتداركها الله برحمته.
ياأمة الإسلام ،مكلفة أنت ببناء الحاضر القوي المنيع مستمدة قوتك من ما ضيك البديع،
لكي تقدمي لأبناءك مستقبلا مشرقا قويا ،عصيا على الزوال ،لاأن تكوني امة قابلة للإستعمار
ولا للإنهيار ،رتبي أوراقك، وباشري بناء مجدك، وانفضي عنك رداء ضعفك، وأشرقي
بكل تجلياتك وقدراتك ،التي أودعك الله إياها ،حين استودعك هذا الدين العظيم ،فرفع به شأنك وأعلى بعدله لواءك، وجمع شرذمتك ، وأعز جانبك فبغيره لن تصيري كما انك لولاه لم تكوني وبغيره لن تبقي إلا ظلا ماثلا لماض كان.
فلا بد لك إذن من العودة إلى رحابه ،والتماس العزة في شرعه ومنهاجه ،والمضي قدما
وفق حوافزه التي دفعتنا حتى قمة هرم الأمم ،فطاولنا به النجوم ، وتربعنا به على عرش
الحضارة والعلوم ،وليكن ماضينا نور حاضرنا، وحاضرنا نور مستقبلنا ،كي نتبوأ مكانة
خصنا بها ربنا تبارك وتعالى,.هي مكانة الشهادة على الأمم بعقائدها وشرائعها وحضاراتها وقيمها {{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونو شهداء على الناس} } فلنقم بمتطلبات هذه الشهادة المشرّفة الكريمة

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى