ماذا يريد كوشنير من المنطقة هذه المرة؟!
ماهر ابو طير
يعود كبير مستشاري الرئيس الأميركي، جاريد كوشنير إلى المنطقة مجددا، حيث سيزور عدة دول عربية، من أجل وضع اللمسات الأخيرة على الجزء الاقتصادي في صفقة القرن، وعلينا أن نستبصر منذ هذه الأيام، ماذا سيقول هنا، وماذا سيسمع، لنعرف سبب عودته، إذا كان يعرف مسبقا، أن لا خبز ولا زيت له في هذه البلاد؟
لا يمكن ابدا أن يفهم العالم، مغزى عودة كوشنير، مع وفد كبير إلى المنطقة، من أجل الملف الاقتصادي، الذي تصل قيمته إلى خمسين مليار دولار، هذا على الرغم من أن واشنطن لمست بشكل واضح، وجود اعتراض علني، على الأقل، بشأن الشق السياسي، لهذه الصفقة، وبما أن الاعتراض ما يزال قائما، فهذا يعني أن استمرار واشنطن في تجهيز الجانب الاقتصادي، ليس جهلا، أو تحديا، أو ضربا من ضروب الغباء، بل يعني أمرا من أمرين، لا ثالث لهما
اما أن مواقف الاعتراض على الجانب السياسي، لصفقة القرن، التي نسمعها من دول كثيرة، مجرد كلام في كلام، وهذه الدول موافقة سرا على الصفقة الأميركية، لكنها تتجنب الإعلان عن ذلك صراحة، خشية من ردود الفعل الشعبية، ولدى واشنطن معلومات مؤكدة حول توافق الجميع معها، بما يفسر عودة كوشنير لوضع اللمسات الأخيرة على الملف الاقتصادي من الصفقة، واما أن واشنطن تنوي تنفيذ الصفقة بالقوة، عبر تهيئة المنطقة لها، والتسبب ببعض التغييرات التي تجعل مرور الصفقة في شقها السياسي ممكنا، ودون أي ممانعات من أحد.
يأتي الإعلان الأميركي عن جولة كوشنير، في توقيت حساس، بشأن التوترات مع إيران، وهذا يفسر وجود مستشار مختص بالملف الإيراني، ضمن الوفد الأميركي، فيما يبدو لافتا للانتباه إعلان الرئاسة الفلسطينية في رام الله، وقف تفعيل كل الاتفاقيات الموقعة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل، فيما لم تعلن السلطة الغاء اتفاقية أوسلو، أي الاتفاقية الأم، بل على ما يبدو تعمدت الإعلان بهذا الشكل، وبحيث توقف الاتفاقيات التي نجمت لاحقا عن اتفاقية أوسلو، لا الاتفاقية الأم، وهذا يعني اتفاقيات التنسيق والضرائب، والمعابر وغيرها.
لا نعرف كيف ستتمكن السلطة الوطنية من تنفيذ إعلانها هذا، وهي تدرك أن عنق السلطة بيد إسرائيل أساسا، وتجنب الإعلان عن الغاء اتفاقية أوسلو، قد يكون مقصودا، لغايات التكتيك، أو اجبار واشنطن على التدخل، أو حتى التراجع عن خطتها بشأن صفقة القرن، التي تتسارع دون تنسيق مع الفلسطينيين، فيما تجميد الاتفاقيات قد يؤدي إلى سيناريو آخر تماما.
في كل الأحوال، هناك جانب غامض، في تحركات كوشنير، لان تقييمات ورشة البحرين، من جهة، والإعلانات الرسمية لدول مثل مصر، والأردن، والسلطة، ولبنان، عن مواقفها السلبية من الشق السياسي لصفقة القرن، يفرض على واشنطن التراجع، عن الشق الاقتصادي، لكن الذي يحدث بالعكس تماما، وهذا يعني كما اشرت سابقا، اما إلى وجود موافقات سرية على ما يريده الأميركيون، أو أن واشنطن تخطط لأمر ما، قد يصل حد إزالة السلطة الوطنية الفلسطينية عن الخريطة، بواسطة الإسرائيليين، إذا كانوا مانعا حقيقيا في وجه هذه الصفقة، ولربما إعلان السلطة وقف تفعيل الاتفاقيات اليوم، يمهد أيضا لرد فعل إسرائيلي سيئ، يؤدي نهاية المطاف إلى الغاء أوسلو ذاتها من الجانب الإسرائيلي، على الرغم من كلفة الفراغ الأمني على الإسرائيليين، لكنه فراغ قد يكون مطلوبا إذا كان هناك مخطط أوسع، وأكثر شمولية، لشكل الخريطة في المنطقة، الفترة المقبلة، مع ادراكنا بحساسية توقيت الانتخابات الإسرائيلية، وكلفتها السياسية على نتنياهو حصرا.
يبقى السؤال مطروحا في هذا الأفق، عما تريده واشنطن، من صفقة سياسية، تم الحكم عليها مسبقا بالفشل، سياسيا، واقتصاديا، ولماذا يصر كوشنير وفريقه على ذات الخطة، ويواصلون ذات البرنامج، ولا.. كأن لديهم إشارة أو تقريرا عن جو الفشل والرفض الذي تفشى إعلاميا وفي الظاهر، وهذا السؤال قد تجيب عليه الأيام فقط.