ماذا يحدث في غزّة؟
إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب
” مقدِّمة”
مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
صبحي طه من الأردن يكتب لنا من زاويته “ماذا يحدث #غزة”؟
صبحي طه/الأردن
1-إسرائيل كيان عنصري طارئ
أضحت “إسرائيل” دولة منبوذة عالميا، وهي الدولة الشاذة المتبقية بعد انهيار دولة جنوب أفريقيا العنصرية.. فهي ومنذ تأسيسها تفتقر مقومات تشكل الدول تاريخيا وقانونيا. وأخذت موقعها كأمر واقع مفروض بالقوة وذراع قوي للقوى الاستعمارية التي أنشأته ودوره الوظيفي في حماية المصالح الإمبريالية في المنطقة.. وليس غرابة إذا أن يشذ هذا الكيان عن سائر الدول في مخالفة الشرعية الدولية وقوانينها ومعاهداتها حتى الآن.. أمام ذلك فإن هذا الكيان لم يتوانَ من ممارسة أبشع أشكال الاستعمار القديم والحديث لتكريس سياسة الاقتلاع والتهجير وممارسة القتل والترهيب والمجازر التي لازمته منذ تأسيسية وحتى الآن. ولا شك أن ذلك يأتي انسجاما مع العقيدة الصهيونية ومخططاتها.
الفكر الصهيوني هو وليد الفلسفة العنصرية التي سادت أوروبا في القرن التاسع عشر والتي تركت آثارها وبقوة على الزعامات اليهودية العلمانية من خلال استغلالها للدين اليهودي نحو إنشاء قوميه وأمّة لليهود تتخذ بعدا عرقيا تحاكي الفكر العنصري النازي الذي ساد أوروبا آنذاك..
لقد تجسد هذا الفكر عمليا من خلال السعي على إنشاء دولة يهودية “نقية“ تقوم على أساس التفرقة العنصرية وتعطي العرق اليهودي المصطنع التفوق عن الأعراق الأخرى وإخضاعها لخدمتهم باعتبارهم “أغيار” تمارس عليهم سياسات القمع والتمييز..
لذا فإن ما تعيشه غزة الآن من مجازر وحرب إبادة هو امتداد لما اقترفته العصابات الصهيونية (الهاجناه وشتيرن..) من مجازر أسفرت عن تدمير أكثر من ٥٠٠ قرية ومدينة وتهجير مئات الألوف خارج فلسطين.. وهي ذات النهج الهمجي لقيادات جيش الاحتلال الذي لم يزل يمارس بوحشية أكثر وبإرهاب أشد من العصابات الإرهابية وبأسلحة أكثر فتكا وتقتيلا.
2-قيام الكيان على أرض عريقة بتاريخها وحضارتها:
وكان لا بد من توفير مقومات تبرِّر قيام الكيان الذي جعل الاستيلاء على الأرض المهمة الرئيسية له من خلال خلق المزاعم والأكاذيب وترويج الأساطير وتزوير غير مسبوق للتاريخ وسط حملة إعلامية جند لها أهم المنابر الإعلامية المسيطر عليها صهيونيا والمدعومة غربيا.. لتأخذ الرواية الصهيونية مداها الواسع طيلة عقود طويلة..
كان لا بد من تلك السياسات أن تُصطدَم على أرض الواقع.. وتجميع اليهود على أرض محتلة وخلق قومية موحدة وكذلك إيجاد أرضية تاريخية مستندة إلى الحقائق العلمية إضافة الى إيجاد نسيج اجتماعي متماسك بين الطوائف والتيارات والقوى وبلاد اللجوء والفجوات الاجتماعية الواسعة.. وأيضا التراكم الديموغرافي لعرب الداخل كل ذلك وضع الكيان أمام مأزق يتعمق شيئا فشيئا ليأخذ شكل الصراع الوجودي بفعل الصراعات الحزبية الحادة..
3-طوفان الأقصى/المقاومة
جاء طوفان الأقصى ليوجه ضربة استراتيجية قاصمة لتضيف إلى المأزق الصهيوني بعدا آخر أكثر حدّة وأشد خطورة كونه تناول المؤسسة العسكرية، العامود الرئيس للكيان.. هذه الكارثة وفق اعتراف العدو وضعته أمام مصير وجودي فعلي، وليس من شك أن الضربة الاستراتيجية ستزيد من تشظّي الجيش الذي بدا قبيل الطوفان وهذا ما دفع الولايات المتحدة التدخل لإنقاذه.
وبدون شك أن الطوفان وتداعياته سيتركان إثارة في تغيير عميق للخارطة الحزبية المتصارعة بين الأحزاب العلمانية والدينية والتعقيدات لتركيب القوى السياسية الموزعة بين اليمين واليسار الصهيوني وتسارع الخلافات حتى داخل القوى المتحالفة وحدوث تركيبة حزبية يصعب التنبؤ بها وسط هذا الإرباك المتفاقم الذي يسود الجبهة الداخلية والمرشح للتزايد من جهة وانعكاس الخسائر الهائلة الاقتصادية المرافقة لحرب معقدة من جهة أخرى.
طوفان الأقصى كشف الغطاء عن التركيبة الهشة والمأزق العميق غير المسبوق لكيان عنصري فقد أعصابه وكشر عن أنيابه في شن حرب بربرية يصعب التخلص من آثارها ليكون الدولة الوحيدة في العالم المنبوذة سياسيا وأخلاقيا.