ماذا حدث بالقاهرة سنة 88…الجزء التاسع
بقلم #فراس_الور
#القاهرة سنة 88 :
رحب اللواء عمر الوالي بالمقدم احمد عبدالسلام حالما دخل الى مكتبه بوزارة الداخلية، فوقف و رد التحية العسكرية لأحمد ثم سلم عليه بحرارة شديدة “سيادة المقدم اهلا و سهلا بك، ترقبت هذا اللقاء بيننا منذ يومين الا ان وضعكم الصحي حال دون لقاءنا،”
رد عليه أحمد بحرارة “الحمدلله، بعض من التعب من جراء تغير الجو بإستمرار، الدنيا حر في خارج المكاتب و بارده داخل المدريرية بسبب التكيف المركزي فتعبت قليلا،”
ضحك ثم قال “و هل يحتاج الأمر الى ان تتصل زوجتك لتقدم لك اجازة…”
احمرت وجنتي احمد ثم قال “يا سيدي، وزارة الداخلية بالبيت،”
“يبدو ان تعبك قد اهتمت به زوجتك جيد…”
ضحكا الأثنين معا ثم جلسا عند المكتب، اكمل فقال “مازلتم شباب و الدنيا مازالت تضحك لكم، ليالي رومنسية و كلام حب و غرام، هذا حقكم لتفرحوا بالدنيا قليلا، دورنا نحن قد ولًا، شِبْنَا على كلام الحب…”
اجاب احمد مواسيا “مازلتم شباب سيادة اللواء، و لا تنسى ان هذه المؤسسات عامرة بخبرتكم و حسكم، اطال الله بعمركم يا فندم،”
“كلامك يجبر بخاطري…المهم يا سيادة العقيد، رحم الله ابننا عبدالعزيز السويفي، كنت اريد التكلم معك بخصوص هذا الموضوع،”
تنهد بحسرة شديدة و اجاب “وفاته كانت محزنة جدا لي، كان من اعز اصدقائي و زملائي، رحمه الله، هل ابلغك ربما احدهم سيادة اللواء بحادثته ام كنت تعرفه شخصيا؟”
“كنت موجود بالصدفة بنفس المبنى الذي يعمل به مع لواء زميل لي حينما حدث الحريق المشؤم، و رأيته حينما خرج من الغرفة و جسده محروق، تأثرت كثيرا من الذي حدث، توفي قبل ان تصله سيارة الإسعاف…”
فجأة وقف احمد بمكانه، صدم مما قاله اللواء عمر، سأل اللواء “ماذا هنالك؟”
سأل و هو مصدوم مما سمع “هل انت متأكد ان عبدالعزيز توفي قبل وصول الإسعاف اليه؟؟؟”
“نعم يا بني، نقل من مكان عمله و هو متوفي؟ ماذا هنالك؟”
جلس مرة ثانية و هو في حيرة كبيرة من امره، نظر اليه اللواء عمر نظرا تفحصية، ثم سأل “قل لي ماذا هنالك،”
ضرب كفا بكف و قال “انا لم افقد صوابي، انا المقدم احمد عبدالسلام من اكفئ ضباط مديرية الإسكندريية، زملائي يلقبونني بشيرلوك هولمز القضايا الصعبة…”
قال اللواء عمر “افسح عما في داخلك و لا تخاف من شيئ، فصيطك سبقك في مكتبي،”
“يا فندم انا زرت عبداالعزيز السويفي في المستشفى بعد حادثة الحريق مباشرة، و كان مازال على قيد الحياة،”
اجاب اللواء مصدوما “نعم يا سيادة المقدم!”
اجاب احمد “لا اعلم ماذا اقول لك الا ان عبدالعزيز رقد بالمسشتفى في العناية المركزة ليومين على اقل تقدير قبل ان يتوفاه الله؟ و انا زرته و حاولت التكلم معه،”
نظر اللواء بإستغراب الى احمد، لم يعلم كيف يفسر تضارب المعلومات حول هذه القضية، قضية من اغرب القضايا التي عاصر في حياته، و الأغرب غرفة عبدالعزيز التي لا يوجد فيها اثار للحريق، ساد صمت مريب بين الرجلين دام لدقيقتين، شعر احمد بالندم لإخبار اللوء عن زيارته لعبدالعزيز و لكن كلام اللواء عن ان زميله فارق الحياة بالمكتب اقلقه كثيرا، من المستحيل ان يصدق ان زميله توفي قبل الوصول الى المستشفى، ماذا بعد لم يحصل معه فمنذ قضية الرجل الذي امسكوه و هو يهلوس عن الجنية و تحويله الى المشفى النفسي و الخوارق تتوالى…حتى حينما طلب من زميله تحميض الفيلم الذي وجده مع الرجل توفي بظروف غامضة…
شعر بتوتر و الصمت يطول بينهما، فلم يعلم بماذا كان يفكر اللواء، اخير تملكته الشجاعة و قال “انا اسف اذا قلت شيئ ضايقك سيادة اللواء،”
ابتسم قليلا و اجاب “لم اتضايق منك، بالعكس، هل تعلم اساسا لماذا ناديتك؟”
“لا، حتى مساعدتي بالمكتب قالت لي انك لم تبلغها بشيئ حينما طلبت مقابلتي باشا،”
“يا بني عبدالعزيز توفي قبل وصوله للمستشفى، حتى انني حضرت عزاءه بنفسي يومين بعد الحريق،”
نظر احمد بتوتر شديد الى اللواء عمر، “انا كنت موجود بالعزاء، اذكر كل شيئ تم و حصل، و لكن من كان يكلمني بالمستشفى، لست مجنون،”
“و لا انا مجنون، المشكلة ان هنالك لغز كبير علينا حله، هل وصلتك تقارير المعامل الجنائية بخصوص مكتب عبدالعزيز، “
فجأة وضع ورقة مثنية امام احمد لقراءتها، “هيا طالعها و قل لي ما هو انطباعك،”
فتح الورقة احمد و نظر بصدمة شديدة الى محتوياتها، لم يصدق ما كان يقراء، كرر بصوت مرتفع “لا اثار لحرق باي من محتويات غرفة التحميض او مكتبه،”
نظر الى اللواء عمر و قال “و لكن عبدالعزيز مات محروقا…”
“لا ترتبك كثيرا، نحن بصدد سلسلة من الخوارق التي تحدث حولنا و لأسباب مازلت اجهلها، ما قصة الفيلم الذي طلبت من عبدالعزيز تحميضه سيادة العقيد،”
“كان بحوزت رجل وجدوه منذ يومين رجالنا على الطريق الزراعي، كان في حالة نفسية صعبة جدا حيث كان يهلوس كلام غير مفهوم عن جنية او جان ظهر له، تم تحويل الرجل الى السرايا السفراء للتأكد من حالته و مازلت اتحقق من امر هذه القضية، بصراحة قبل مقتل عبدالعزيز كنت اظن ان هذا الرجل مريض نفسي او يتعاطر ربما الحبوب المخدرة، و لكن مع المستجدات لا اخفيك، انني شعرت بأنني اتعامل مع ساحر او مشعوذ مقتدر، ربما هو السبب بكل هذا، هنالك خوارق حصلت معي انا شخصيا و في مكتبي منذ ان فتحت تحقيق بهذه القضية،”
“قل لي و لا تخفيي عني شيئ…”
“بصراحة لفترة كان عامل بوفيه المكتب يجلب لي في كل يوم قهوتي في كل صباح، و منذ يوم امسكته و هو في مكتبي يتكلم بجهاز اشبه باللاسلكي، فوبخته على فعلته لأنني لا احب لأحد ان يدخل مكتبي و انا غير موجود، و فجأة تحول الى كتلة من نار و اختفى من المكتب، انا آسف و لكن هذا ما حصل بالفعل، سألت عنه معاوني فأخبروني انه في اجازة منذ فترة، صدمت كثيرا لأنني كنت اراه في كل يوم…تيقنت اكثر فأكثر ان هذه القضية مريبه جدا،”
قام من على مكتبه و اخذ سيجارا من علبة من جانبه و نظر الى احمد نظر حادة، قال له بنبرة حادة و هو يشعلها “يعني كان هنالك جان في مكتبك يقدم لك القهوة في كل يوم يا سيادة العقيد!”
قام احمد من هيبة رتبت اللوء عمر و ضرب له تحية قائلا “نعم يا فتدم، اوامر سيادتك،”
“لا تغضب مني سيادة العقيد، و لكن هل تعلم ان كلامك من دون تقرير المعمل الجنائي يضعك في خانة ضعيفة، يعني لو اتيتني بما تقول من دون التقرير امامك لكنت شككت انك مرهق نفسيا و بحاجة لعلاج عند دكتور، لكن ما تقوله مع التقرير يعني امرا واحد فقط، اننا نتعامل مع طرف له قدرات في السحر يحيك حولنا سلسلة من الحوادث الخارقة للطبيعة، و انا متأكد انه يهدف الى تدمير بلادنا، ما من احد محترم يقترف ما يقترفه هذا الإنسان، سيادة المقدم اعطيك الضوء الأخضر لتفعل المطلوب الى ان تعرف كل شيئ عن هذه القضية، اذهب و قم بزيارة هذا الرجل في السرايا السفراء، و حاول معرفة اي شيئ عن حالته من الأطباء، و اخبرني بكل جديد، اريدك كالبلدوزر في هذه القضية، اكسر اي حاجز امامك و تحقق من كل شيئ و اريد في نهاية المطاف ان اعلم…من هو هذا الإنسان و لمن يعمل و ما هم اهدافهم و تواياهم لبلادنا، و اعطيك بالضوء الأخضر بقتله…”
نهض من مكانه و هو مصدوم من كلام اللواء، فقال “ان اقتل! هل هذا امر رمسي منك؟”
امتلأت اجواء المكتب من دخان عطر من السيجار الذي يدخنه اللاواء، اخذ رشفة منها و نفخ دخانه فازدادت رائحة العطر حول احمد، سار نحوه و وضع يده على كتفه و قال “الفشل مرفوض في هذه القضية، اذهب يا بني و قم بعملك، لا تخف بانا في ظهرك،”
“تحت امرك يا فندم، و لكن ان اقتل؟”
“بني تلك الشخصيات لا تستطيع امساكها و وضعها بقفص حديدي لا يجدي معها فستخترقه كما يخترق الهواء قضبان السجون، و قد تأذي مرارا و تكرارا لتهرب من فعلتها، نفذ الأوامر و اريدك هت مان وراء هذا الساحر الى ان تجده و تقتله، لا اريد اخافتك و لن امن و سلامة بلادنا قد يتوقف على رصاصاتين من مسدسك، لا تخف من شيئ،”
“سمعا و طاعة،” غادر المكتب احمد مسرعا نحو مهامه، بقيا اللواء في تفكير عميق قائلا في ذاته “جان يقدم القهوة الى ضباطنا؟ قتيل من رجالنا و هو يحمض فيلم، ظهور عبدالعزيز بعد وفاته في المشفى ليكلم احمد!!!؟؟؟ ماالذي يحدث بالقاهرة سنة 88؟ ماذا ينتظرنا بعد كل هذا؟ و هل سنفلع بالإقاع بالجاني؟ يجوز من الصعب الإمساك بساحر…لكنه بشر بالنهاية و يمكن قتله…”
_____________________________________
جلست رانيا على مقعد كبير من كنب الصالة مرهقة من يوم مضني قضته في تنظيف منزلها، كان يوم شاق منذ بدايته ففيه غسلت كل الغسيل الذي تَكَوًمَ في بيته خلال الأسبوع و شطفت ارض الصالة و غرف النوم ثم رتبت مرافق البيت بالكامل، و لم تكتفي بكل هذا فنظفت كل الأواني في مطبخها ثم نظفته بالكامل، كإمرأة عاملة لا تسمح لها ظروف العمل بتنظيف بيتها كما تريد خلال ايام دوامها، فكانت مندوبة لشركة سياحة كبرى في القاهرة تخرج و ترافق بعض الأفواج السياحية التي تأتي لزيارة بلدها، فكانت تتكلم اللغة الإنجليزية بطلاقة تامة، فحتى كانت تسافر معهم حيث يذهبوا لزيارة الأماكن السياحية فكان عملها مرهق للغاية، فلذلك كان يوم الجمعة يوم مقدس تعمل ما يحلو لها من اعمال تنظيف و ترتيب لبيتها،
مَدًتْ ساقيها امامها على طاولة صغيرة من طاولات الصالة، شعرت بآلآم في كل انحاء جسمها فالبيت كان كبيرا، و كانت تحتاج لخادمة لتساعدها به في يوم الجمعة و لكن الظروف المادية لم تكن تسمح لهم بذلك، فكانت تخطط رانيا مع زوجها للإنجاب و كانوا بقومون بتوفير كل قرش لمصاريف الطفل حينما قد يزرقهم الله بهذه النعمة في حياتهم، التخطيط للمستقبل ضروري فربما قرار الخادمة قد يكون منطقيا اثناء بعض اشهر حملها حينما لن يكون بمقدورها التعب، و لكن مما لا شم به انه من الحكمة توفير ما امكن من مال لمصاريف المستقبل، قالت في ذاتها “أخ يا التعب،” فشعرت ببعض الآلآم في ظهرها، رفعت يدها و مدتها على الكنب من فوق و لكن سحبتها على الفور، كانت تجلس على كرسي مقعدين من طقم الكنب، شعرت و كأن يدها لمست شيئ صلب، نظرت الى يمينها فلم ترى الا الهواء الطلق بجانبها، انزلت ساقيها على الأرض من جديد و استعدت لكي تقوم من مكانها، وضعت يدها اليمنى على مقعد الأسفنج بجانبها لتنهض و لكن فجأة انقبض قلبها في داخل صدرها، كان المقعد دافئ و كأن احدهم كان يجلس بجانبها، نهضت فجأة و جرت بسرعة لمسافة في داخل الصالة و قلبها يخفق بجنون من الخوف، صرخت بأعلى صوتها ابتعد عني!!!”
نظرت امامها فسمعت صوت كحفيف القماش عل مسافة منها، كان هنالك امر غير طبيعي بالشقة، عادت الى الوراء رويدا رويدا حينما شعرت ان صوت الحفيف يعلو، فجأة شعرت بنسيم بطيئ يداعب شعر راسها، و كأن احدهم كان يقف امامها و يتنفس في وجهها، كررت بصوت مرتفع “ابتعد عني!!! ماذا تريد مني!!!”
فجأة شعرت بيد خفية تحاول ابعاد ساقيها عن بعض، بصقت امامها فتوقف لعابها بالهواء ثم نزل الى تحت و كأنه توقف على وجه الكائن الذي يحاول اغتصابها، شعرت بأزرار قميصها تفتح فصرخت باعلى صوتها مذعورة “اعوذوا بالله من الشيطان الرجيم، بإسم الله الرحمن الرحيم، اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، مِن شَرِّ مَا خَلَقَ، وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ، وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ، وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ، صدق الله العظيم…،” فجأة شعرت بالبيت كله يهتز امامها، اهتزت اطقم الكنب بالكامل و طاولة الطعام بالصالة، حتى الكتب في داخل مكتبة الصالة و خزائنه اهتزت بعنف و كأن زلزال ضرب الصالة التي هي بها، شعرت بالأرض تحت قدميها تهتز بعنف ايضا، خف الضغط على ساقيها فاغلقتهم و جرت الى زاوية آخرى من الصالة خائفة من الذي حدث امامها، اهتزت كراسي صالة الطعام بعنف و شعرت و كأن المنزل سيتكسر من قوة الزلزال، فجأة برق امامها عامود من نار كبير، تراقص يمينا و يسارا و كأنه موجوع و يتلوى امام ناظريها، رأت كائن بشعا كان له رأس ثور كبيرة و فم بشع جدا ينظرى اليها، كانت قرونه تلتف الى فوق راسه، كان جسده مليئ بالفرو الكثيف و قوائمه تشبه قوائم ثور بآخرها محالب كبيرة، نظر اليها بغضب شديد و صرخ “سأعود اليك !!!” اشتدت النيران عليه فتلوى اكثر من الآلآم المبرحة، سار نحو شباك صالتهم فكسره و خرج منه بسرعة كبيرة، صرخت رانيا منهارة بأعلى صوتها “النجدة!!!”
فجأة سمعت و كأن احدهم يضع مفتاح في الباب من الخارج، تحرك المفتاح بضعة مرات ثم فتج زوجها الباب، وقف لبرهة من الزمان مصدوما من منظر اثاث بيته و هو في فوضى عارمة، صرخ “رانيا!!! أين انتِ”
اجابت رانيا باكية “انا هنا!!! في الزاوية!!!”
هرع اليها احمد و انهضها عن الأرض لتنهار باكية وسط ذراعيه، سأل بغضب “ماذا حدث في المنزل!!!”
“الجان يا احمد!!! اراد اغتصابي!!!” بكت بكاء مريرا و هي غير قادرة على الإكمال، سار معها الى كنب الصالة و اجلسها عليه، قال لها “منذ متى و هذا يحصل لك!!!”
اجابت “منذ يومين، انا خائفة جدا،” انهارت رانيا باكية لبرهة من الزمن ثم اغمى عليها، حملها زوجها و توجه بها الى المستشفى و هو مرعوب من الذي حصل معها،
________________________
وقف الساحر في وسط ارض خاوية في منطقة تجارية في القاهرة، كانت الأرض كبيرة بالقرب من ميدان طلعت حرب مملوكة لشركة خاصة لم تُقِمْ عليها اية مشاريع انشائية، و كانت بمساحة عشرة آلآف متر مربع، كان هنالك شارعين رئيسين و لكن على مسافة منه، فواحد كان امامه و الآخر ورائه، كانت الشوارع تعاني من الأزدحام المروري فابواق العربيات كانت تعلو من حين لآخر حوله، تحرك الساحر وسط الظلام الدامس و امسك بضحيته المسكينه المربوطة بحبل بإحكام، كانت تطلق نداءات استغاثة من حين لآخر و لكن من دون جدوى، فكان على فمها قطعة قماش تمنعها من الكلام،
كان الساحر على يقين بأنه لو لم يتحرك و يشعر ميريت بقوته لن يلجمها عن منازلته و سيخسر امامها المعركة، فكان هذا الطقس الذي سينفذه بداية لتكتيك كبير سيلعبه ليربكها و ليقنعها بضرورة اعطائه عنوان المكان التي دفنت فيها كنوز الملكة، كان يأمل ايضا بإسترضاء الجان الأحمر الذي يحرس اسحار سحرة تحتمس، فكان يأمل بأنه سيستطيع فكه لتضعف ميريت امام الجيش الذي سينهض بعد قليل،
رسم على الأرض حول ضحيته كلام بلغة لاتينية و كتب “هذه الضحية لإرضائك يا سيد الدماء البشرية، فاقبلها مني يا سيد كتقدمة و ارفع يدك عن داليا سلطان ميريت و لا تحميها من سحري، اقبل دماء هذه الضحية الحمراء فإنها عذراء بعد و هي لإرضاء ظمأك الى دماء البشر،” فجأة توجه الى الضحية و جرح ساقها بسكينه، اطلقت صرخة مكتومة من اللألم و تلوت بقوة، صفعها على وجهها فهدئت قليلا، فخاف ان تلفت انتباه احدهم فالصوت بالليل يُسْمَعْ أكثر من النهار، غرف من دمائها في كوب الى ان ملئ نصفه، قال و هو يسكب فوق الأحرف الذي كتبها “فقبرك هنا منذ ألف عام ، اقبل مني قليل من هذه الدماء التي لونت بها طلبتي اليك على امل ان ترضى عني، و انهض من سباتك، تلميذك يطلب إستيقاظك،” سكب ما تبقى من دماء على ارض الصحراء، فجأة اشتعلت ألسن من نيران حول كلام اللاتينية الذي كتبه و حول الضحية، انتفضت الضحية في مكانها من الخوف حينما رأت النيران تتراقض حولها،
فجأة رأى على مقربة منه ايادي ترتفع من التربة و تيحط بالضحية، كان بعض منها عظام و بعض منها عظام مكسوة ببعض اللحم و كأنها لجثث مازالت تتحلل، انتشرت من حوله رائحة كالتي تنطلق من جثث عفنه فاغلق انفع و راقب برهبة ما كان يحدث، كانت بحدود تسعة ايادي بشرية و في كل يد منها شفرة، اخترقت التربة في طريقها و ابتدأت بتقطيع جسد الضحية، حاولت الإمرأة النهوض و الجري بعيدا و لكن أمسكتها الايادي من ساقيها و اجلستها بمكانها فلم تستطيع التحرك، اكملت بقية الايادي عملها بنحر جسدها، سالت دمائها على الارض بكثرة و انتفضت الضحية بقوة في مكانها، أطلقت صرخات مكتومة و لكن بلا فائدة فلم يسمعها احد، تصفى دمائها خلال بضعة دقائق و تخضبت الأرض من تحتها الى ان توقفت على الحراك، شدتها الايادي على الأسفل فابتلعتها الأرض الرطبة و اختفت الجثة بثوان،
فجأة سمع صوتا، قال له “قبلت ذبيحتك، لا استطيع اعطاءك داليا سلطان، فَحَلُ سحرها ليس عندي، و لكن لك مني ان اعطيك جيشي، اليوم في الثانية عشرة ليلا سينهض، فهو يملأ القاهرة، لك ان تقودهم كما تشاء…”
“اين سأجدك يا سيد، في أي مقبرة ستكون؟”
_________________________
نظر حارس المقبرة احمد مالكي الى السماء الصافية امامه، كانت الساعة الثانية عشرة ليلا و كانت الأجواء حارة و رطبة كالمعتاد، شعر بقليل من النعاس الا ان البرنامج الذي يتابعه على الراديو لم تحن ساعته بعد، كان ما يطلبه المستمعون و كان قد ارسل الى البرنامج رسالة اهدا من خلالها زوجته في البلد اغنية للفنان حميدو الشاعري، كان يريد التأكد ان وصلت البرنامج فقرر السهر و انتظار وقت البرنامج ليسمع بنفسه، ذهب الى الغرفة الصغيرة الذي كان يعيش بها بجانب المقابر و صنع له فنجان قهوة، جلس على كرسي بجانب بيته و اشعل الراديو، فجأة ظهر على نفس القناة حديث للمقدم شوكت عمران و هو يكلم احدهم عن آخر مستجدات القضية الفلسطينية، وضع الراديو على طاولة صغيرة بجانب فنجان قهوته و استمع بصبر الى الحوار بين الرجلين،
كان حديث ساخن حول ما يجري من خطوات تعسفية من الجانب الإسرائيلي حيال اراضي ال67 و انتهاك حقوق اصحابها، هز رأسه بعدم رضا و قال في ذاته “هل يا ترى هنالك سلام مع عدوك و هو يتصرف معك بهذه الصورة التعسفية،” ضرب كفا بكف و أكمل “سلام ماذا الذي يتكلمون عليه،” كان احمد يبلغ من العمر ستون عاما و كان مازال شاب حينما شارك بحرب اكتوبر مع الجيش، و يتذكر جيدا كم كانت هذه الحرب كبيرة و مصيرية لبلاده العزيزة، فكان يعلم كرجل جيش ان ما تم أخذه بالقوة قد يسترد بالقوة و لن ينفع هذا الكلام الدبلوماسي مع عدو عنيد مثل اسرائيل،
فجأة انهى الرجال البرنامج و سمع موسيقى النهاية، و بعد بضعة دعايات سمع موسيقى ما يطلبه المستمعون، ابتسم و قال يا رب يا بهية تعجبك الأغنية، ديه للفنان الكبير حميدو الشاعري…الله على صوتك يا فنان…تربع على الأرض بجلبابه البني و أخذ رشفة من فنجان القهوة و استمع الى المذيعة و هي ترحب بالمستمعين، و لكن فجأة التفت نحو المقابر، شعر و كأنه سمع امرا غريبا على مقربة منه، اخذ فانوس يعمل بالبطاريات و سلطته حول المقابر، كانت هنالك انارة من الدولة و لكنها مقبرة كبيرة و يلزمها كشافات اكثر من المتوفر، كان يخاف من اللصوص و الهاربين من القضايا كي لا يبيتوا بين المدافن هربا من الشرطة، فكانت المقبرة بعيدة عن القاهرة سفر ساعة بالعربية و مأوى ممتاز لمن يريد التستر عن العين لفترة، فجأة سمع الصوت من جديد، كان صوت حجر كبير يتحرك، ذهب و احضر مسدس اوتوماتيكي و شحنه بالرصاص، اخذ الفانوس معه و سار ببطئ بين المقابر، كان كل شيئ على مايرام ما عدا هذا الصوت الغريب، فجأة و هو يسير سمع نفس الصوت، كان يمر من قبر قديم لأحد الراقدين، كان عليه تاريخ وفاة منذ اربعين عام، كان عليه ضريح حجري من البلاط مزين بكلام عن الراقد، نظر الى الحجر من فوق فكان مفتوحا قليلا، اقترب منه و حاول اصلاحه و لكن شعر بامر غريب جعله يقف بمكانه، فجأة كسرت يد حجر البلاط من داخل الضريح و امسكت بيده، وقع المسدس منه على الأرض، كانت باردة جدا و جافة، سلط الفانوس عليها فكان جلدها شاحبا، صرخ باعلى صوته و لكن واصلت اليد الإمساك بيده، كسرت آخرى الحجر و ازاحة البلاط من اعلى القبر بالكامل، تحول صراخ احمد الى عويل و هو يرى التربة بأكثر من مكان بين الأضرحة تتحرك، نظر الى السماء الى القمر المكتمل و قال في ذاته “لم اشاهد الفيلم الأجنبي بالأمس، انا لا احلم،”
نهض كائن يرتدي رداء اسود امامه من الضريح، كان ذو وجه شاب شاهب بعض الشيئ و يرتدي لباس اسود بالكامل، كانت عينيه سوداء مثل سواد سماء الليل، صرخ احمد “اتركني!!!” ليقترب منه الرجل و يظهر انيابه الحادة، اقترب من رقبته و غرز انيابه بها، صرخ احمد من الألم حينما شعر بالوحش يمتص دمائه، حاول الإفلات منه و لكنه لم يستطيع، ضعف جسده بعد دقيقة و الوحش يمتص دمائه، فوقع على الارض منهك القوة، كان لا يازال بوعيه قليلا، سأله بصوت ضعيف “من انت؟!”
كان طول الوحش مترين و لون جلده ابيض، كانت انيابه انياب ذئب شرس وكان قوي البنية جدا، اجاب الوحش باللغة العربية بنبرة آمرة، “انا الذي أسأل هنا…كم عمرك ايها الإنسي؟”
قال ستون عاما،”
اجاب “و انا عمري عشرة اضعاف عمرك! ألم تسمع بنوع شياطين يمتصون دماء البشر،”
اجاب و صوته يهتز من الوهن و الخوف “”ارجوك اتركني و شأني، ابتعد عني!!!” حاول الزحف بعيدا عنه و لكن قوته خانته،
اجاب مصاص الدماء “نحن نملك حيثما نسير، قد ايقظنا الساحر بغير معادنا و اقلق منامنا، قل للشرطة ان لا يعترضونا فسنفتك بمن يقف في طريقنا، فنحن نريد الأميرة ميريت و جيشها،”
“من الأميرة ميريت؟”
“اخبرني الساحر ان اسمها داليا سلطان،”
كان وراء الوحش مئات من المسوخ خرجوا من الأرض معه، اشار اليهم كي يتحركوا الى خارج المقبرة و أمر باللغة الإنجليزية
“March Towards Cairo!”
سلط الفانوس على بعض منهم و هم يسرون خلف قائدهم، كان منظرهم بشع و هم يهمون بالسير الى الخراج، كان بينهم جثث مازالت تتحلل نصفها عظم و نصفها لحم…جثث مفتوحة معدتها و احشائها مكشوفة و هياكل عظمية كثيرة، و كان هنالك جثث مشوهة الوجه و الجسد…كلها تسير وراء مصاص الدماء، شعر احمد بقوته تغادر جسمه و بضعف كبير، فامتص الوحش منه دماءا كثيرة، حاول الزحف الى بيته فلم يستطع في بادئ الأمر، حاول مرة ثانية فنجح اكثر قليلا، فكان يجب ان يصل الى هاتف بيته مهما كلف الأمر ليبلغ النيابة عما حدث و ليطلب لنفسه الأسعاف، وضع يده على رقبته مكان عضة مصاص الدماء فَصُدِمَ حينما شعر بشعر ملمسه كالفرو ينبت حول الجرح…يتبع…