ماذا حدث بالقاهرة سنة 88…الجزء الرابع
بقلم فراس الور
وقفت الصحفية داليا سلطان عند كشك في سوق صور #الأزبكية المزدحم بالمارة تتأمل بعض من #الروايات و الكتب المعروضة…، كانت ذات مضمون متنوع و كانت موضوعة بترتيب و عناية بالغة على عدة طاولات تحيط ببائع ابتسم لها حينما اقتربت من كشكه، كان الجو حارا جدا اذ بلغت العظمة في القاهرة الأربعين درجة مؤية و كان بعض المارة يمسحون العرق من على وجوههم و جباههم و هم يسيرون بين طاولات الأكشاك المحيطة، و قد بدى على البعض الآخر التعب و الإرهاق من الحر الخانق، و الذي زاد الطين بلة انها قررت التوقف عند السوق وقت الظهيرة و تحت اشعة الشمس الكاوية اذ كانت المُغَادَرَة التي اخذتها لساعتين فقط، فكان عليها العودة الى مكاتب الصحيفة في الثانية على اكثر حد، كانت منذ زمن تنوي الذهاب الى صور الأزبكية للبحث عن رواية جميلة جدا اخبرتها عنها صديقتها انها موجودة بالسوق و لكن ضغط العمل في صحيفة الرأي المعاصر منعها من ذلك، الى ان قررت اليوم حينما استفاقت من النوم ان تذهب الى معارض الكتب الموجودة بالأزبكية لشراء الرواية،
جلس البائع يشرب العصير المثلج و يتأمل قوامها الجميل، كانت داليا في الخامسة و الثلاثين من العمر و كانت طويلة ذات خصر نحيل و شعر طويل منسدل حول كتفيها، و كانت بيضاء البشرة و ذات وجه يشرق جمالا و لمعانا و شباب، كانت عينيها سوداء تحاكي سواد الليل الحالك و لون شفاهها احمر كحمرة التوت البري الفاقع، او هكذا بدت للعم عرفه الذي تأملها طويلا و هي تتمشى بين طاولات السوق المليئة بالكتب، كانت كملكات الجمال امام عينيه لدرجة انه سلم عليها قائلا “السلام آمانة يا قمر صور الأزبكية، ايه النهار الجميل ده، منذ مدة لم تزورين السوق يا قمر الصحافة المعاصرة…”
نظرت اليه داليا نظرة غاضبة جعلته يخجل مما قال، فوضع عينيه بالأرض و تابع شرب العصير المثلج من الكوب بين يديه، و لكنه بعد دقيقة من الزمن لاحظ انها التقطت كتاب من على طاولته و ابتدأت بقلب صفحاته، فعاود النظر اليها، كان جمالها لا يقاوم إطلاقا، فداليا كانت تتردد من حين لآخر لتشتري الكتب حيث كانت تعشق المطالعه، اخذ نفس عميق و حاول محاولة أخيرة “هذا سعره جنيه و نصف و لكن لك بالمجان…فارحمي قلبي التعبان و اقبلي من عرفه عزومة على جروبي لنشرب شيئا معا…”
صرخت بوجهه فالتفت بعض المارة بالسوق عليها و هي توبخه “الا تستحي ان تقول هذا الكلام؟ و لِمَنْ؟ لإمرأة في سن ابنتك، اليس عيب! لو انت شاب لكنت صفعتك على وجهك و لكنني سأحترم سنك الذي هو في سن والدي و اقول لك عيب ان ترتكب التحرش بإبنتك يا والدي!”
اجاب “اخ لسانك مثل مبرد الأضافر…ثم انا لا اخطئ، فالشرع يحلل لي اربعة نساء و انا ابحث عن الثالثة فقط…”
نهض من مكانه مستشعرا الحرج مما فعل و اخذ مجموعة من الكتب الجديدة و فتح الحبل الذي كان يربطها، و انهمك بفرز محتواها، اخذت داليا كتابا من على طاولة كانت تتبع لبائع آخر و هي تهز رأسها من الإستياء و الغضب، طالعت محتواه بإهتمام بينما نهض بائع سمين و ذو وجه مسدير ودود الطلة من على كرسيه و قال لها…
“تفضلي يا ست هانم، هذه الكتب تتبع لي…تحت امرك يا ست هانم،”
تنفست بارتياح لانها اخيرا وجدت الرواية التي كانت تبحث عنها، فقالت للبائع الشاب “لا راجل عجوز و عينه غير مهذبة…”
نظر البائع الشاب الى العجوز الذي بدا و كأنه لم يسمع تعليقها فقال بصوت عالٍ “الذين استحوا ماتوا…”
صرخ بوجهه عرفه “و حيات النبي فالتهتم بشؤنك، لم افعل شيئا للهانم!”
قال مستهزءا “اكتفي يا عجوز الغبره فعلى ذمتك زوجتين و الآية الكريمة تقول و لن تعدلوا…صدق الله العظيم، ثم انت بالستين من العمر، فالتكن مثل صالح للجيل الصاعد، عيب عليك،”
“لست شيخ الأزهر لأهدي الناس و لست بابا روما، عندي قرشين و اريد ان استمتع بهم قبل ان ارحل من هذا العالم،”
قالت داليا “لا تعطيه اهتمام، و كأنه يعاني من الخرف…قل لي كم ثمن هذه الرواية؟”
اجاب بسرور “أأأه ه ه، احسنتي الإختيار، انها رواية بوليسية قديمة للعقاد، و بصراحة من اجمل ما كتب،”
“قالت لي صديقتي عنها الكثير لدرجة النني رغبت ان اشتري نسخة منها، و يبدو لي انه قدري ان اقرأها فوجدتها امامي بالصدفة بين كتبك، قبل حتى ان أسأل عنها…”
“سعرها اربعة جنيهات و لكن سأخصم لك من ثمنها لأنمكتشترين مني لأول مرة، ثلاثة جنيهات منك تكفي…”
اخرجت من جيبها المبلغ مبتسه و لكن شعرت فجأة بأن احدهم يقف على مسافة منها يراقبها، نظرت الى يمينها و يسارها فلم تلاحظ شيئا مريبا في بادئ الأمر، و لكن سرعان ما لاحظت وجود رجل طويل القامة مفتول العضلات على طاولة من طاولات عرفه يطالع كتاب علمي، دفعت المبلغ و امسكت كتابها لتحاول بعدها مغادرة الكشك و لكن سرعان ما اقترب منها، نظر اليها ثم الى وحمة صغيرة على ساعدها كانت تشبه صقرا، فكانت ترتدي قميص ابيض ذو اكمام قصيرة و بنطال اسود، كان الرجل طويل القامة ذو بشرة حنطية و وجه إطلالته لئيمة جدا، كانت عينيه العسليتين تشع غضبا و توعدا لها، كان ينظر اليها بملامح غاضبة و كأنه رأى عدوا له خصوصا بعد ان رأى الوحمة على ساعدها، خافت داليا منه و من الطريقة التي اقترب منها و حاولت الجري بعيدا و لكنه امسك كتابا و رماه تجاهها بقوة فاصطدم بها و اوقعها على الأرض، شعرت داليا و كأن عربية قد ضربتها من الخلف فوقعت ارضا و تدحرجت بضعة مرات قبل ان تتوقف، صرخت بقوة فاجتاحت جسدها الآلآم المبرحة من الضربة، كانت داليا محاطة باكشاك كتب على يمينها و يسارها و كانت في ممر مسقوف معد ليبعد لهيب اشعة الشمس عن سوق الكتب، ابتعد الناس عنهم بسرعة و هم يراقبوا الحادثة المريبة، صرخ بائع الكتاب التي اشترت منه داليا بصوت عالٍ
“حرام عليك يا هذا! ماذا فعلت بالسيدة؟” حاول احدهم الإقتراب منها ليساعدها و لكن امسك الرجل طاولة و ازال الكتب عنها و رماها بإتجاهه فاصطدمت به، صرخ الرجل و هو يسقط على الأرض من الألم، نظرت داليا الى الرجل و هو يجري نحوها، شعرت بدنو موتها فتبين لها فورا ان هذا الرجل قد يقتلها، توقف عندها و رفع ساقه و ركلها في بطنها فصرخت و هي تقول “ماذا تريد مني!”
صرخ الرجل “يا كلبة فرعون سأقتلك!”
رفع ساقه و حاول ان يدوس في بطنها فامسكت قدمه و حاولت دفعها بعيدا بما امتلكت من قوة،
صرخ عرفه من الخوف “انا سأتصل بالبوليص، ابتعد عنها ستموت بين يديك!”
توجه عرفه خارج السوق و بنيته طلب الشرطة ليصرخ الرجل “ستموت قبل ان يصل بوليصكم!”
صرخت داليا و هي تحاول ابعاد ساق الرجل بعيدا عنها “ساعدوني! حرام عليك سأموت! ساعدوني!”
ركلها الرجل مرة آخرى ليتحول صراخها الى عويل و هي تتلوي من الألم على الأرض، صرخت سيدة من الحضور في وجه الرجل “يا هذا، ماذا تريد منها!”
فجأة سالت الدماء من فم عليا، شعرت كم ان الرجل قد تسبب بأذيتها، تشوش نظرها و تحولت اصوات الناس حولها الى تمتمات في خلفية ماضي بعيد حاول ان يعود اليها، شعرت و كأن الرجل بصق عليها فحاولت مسح وجهها بيدها و لكنها تألمت حينما حركة يدها نحو وجهها، شعرت داليا و كأن هنالك ماضي يحاول العودة اليها رويدا رويدا و هي في قمة اوجاعها، شعرت بأصوات الناس الذين تجمهروا حولها تتحول الى صيحات في ارض معركة كبيرة، انتشرت من حولها اصوات التحام السيوف و صراخ رجال و نساء بساحة قتال عنيفة جدا، كانت الصيحات ممزوجة باصوات سهيل الخيول و اصوات عربات القتال، امتلأت الأجواء من حولها بصيحات القتال الشرس فحاولت تغطية أذنيها و لكن من دون فائدة، شعرت بأنها ابتدأت تتعرف على وجه الرجل الذي ضربها، و فجأة و سط الرؤيا التي رأتها و هي تتلوى من الوجع على ارض السوق شعرت بصوت رجل يهمس بإذنيها “هيا قومي انهضي، فأسود فرعون لا يموتون! هيا تمالكِ نفسكِ و عودي الى صفوف جيشك! كل درع حماية بيدي اسود فرعون سيكون بقوة ألف درع، كل ضربة سيف بيدي جيش فرعون ستكون بضربة مائة رجل مقاتل، هي يا ميريت قومي و ازأري بوجه عدوك…لا تخافي من الجان الأزرق امامك!”
فتحت داليا عيناها، جلست من على الارض فدنا منها بعض من الجمع الذي كان يحيط بها و حاولوا مساعدتها على النهوض، لكنهم تفاجأوا بها تقول لهم، “انا بصحة جيدة، اتركوني لو سمحتم و شأني،”
عاد عرفه الى السوق صارخا “هل مازالت حضرة الصحفية على قيد الحياة، يا حبيبة قلبي، طلبت البوليس و الأسعاف! الدولة كلها ستكون هنا بعد بضعة دقائق!ٍ” ابعد بعض من الجمع من طريقه و دنا منها، و لكنها نهضت و كأن شيئ لم يكن، مسحت الدماء من فمها بأسفل قميصها، ابتعد عنها الجمع حينما رأوها تتعافى بسرعة، كانت عينيها تتراقص من الغضب و وجهها يشع منه فحولة مقاتلة شرسة، تذكرت كلمات درع و سيف، فتوجهت الى زاوية من كشك من الأكشاك كان بها درع و سيف خشبي و عادت وسط الجمع قائلة “ابتعدوا عن هذا المكان،” صرخ احدهم “يا مجنونه، هذه من الخشب للزينة فلن تحميكي بمقاتلت هذا البغل الذي كاد ان يقتلك،”
قالت آمره “ابتعدوا عني…ارجوكم!”
ابتعد الجمع الغفير بعيدا منفذين أوامرها، شعرت داليا بقوة ألف رجل تزلزل كيانها فصرخت صرخة انطلقت من صميم جسدها تشبه زئير عشرة اسود مجتمعة ثم قالت بصوت عالِ “يا مسخ قومك انا اعلم انك مازلت موجودا، هيا تعال فستلاقي حتفك على يداي!”، هرب الناس و هم يصرخون من الخوف مما حدث امامهم و ترك الباعة اكشاكهم و هم يصرخوا “بوليص! اين البوليص!” توجه الجميع الى الشارع الرئيسي بقرب السوق، عاد الرجل امامها و الذهول يملأ كيانه، قال لها “مازلت على قيد الحياة يا ميريت، “
“لست ميريت اسمي داليا…”
قال الرجل “انت ميريت اميرة من اميرات فرعون و رئيسة جيش فرعون الذي هزمناه بأزمان بعيدة!”
“تحررنا من عبوديتكم و هزمناكم بعد عشرة سنين و اعدناكم الى جحيم الأرض التي أتيتم منها، انت تهذي يا هذا، اعرف شيئا واحدا، انني سأقتلك…”
“نحن نريد لقائدنا الإنسي الجديد كنوز الملكة…”
ضحكة ميريت و قالت مستهزئة “كنوز من؟ الملكة؟ سنقطعكم اربا انت و المسوخ اعوانكم و سنعيدكم الى غياهب جحيم الأرض المظلمة، لن تحصلوا عليها…”
“ارايت انك ميريت ابنة الفرعونه نفرتاري…”
قالت بتوعد “انا داليا سلطان…ربما نفرتاري شبهي و لكنكم لن تحصلوا على مرادكم،”
جرى الرجل نحوها بخفة مرعبة و حاول ركلها و لكنها حمة نفسها بالدرع، عادت الى الوراء بضعة امتار من قوة ركلته و لكن الدرع حماها منه، رفعت سيفها و حاولت ضرب كتفه و لكنه تبخر بثوان و تحول الى دخان، التفتت ميريت يمنتا و يسارا من حولها فلم تجده، فجأة شعرت بحدس المقاتل لديها انه في خلفها، امسكت سيفها و اعادته بسرعة الى الخلف فشعرت و كأنه انغرز بالكائن، صرخ الجان من الآلم صرخات موجعة و مدوية ملأت اجواء صور الأزبكية، غرزت سيفها اكثر الى الوراء فتحولت الصرخات الى عويل من شدة ألمه، سحبت سيفها و هي مبتسمة من آلآم عدوها و استدارت نحوه، انهمرت دماء رزقاء بكثافة من بطن الجان و لطخت ارض السوق، ركع امامها و صرخ ملتمسا “الرحمة يا ميريت!”
ابتدأت بضرب انحاء مختلفة من جسده بالسيف فامتلات الأجواء من صوت طقطقت العظام و سقط على الأرض ممزقا امامها، صرخ بوجهها “الرحمه! منذ متى و انت بهذه القوة!” انفصلت يداه و ساق من ساقيه عن جسده، نظر الى اوصاله التي تقطعت امامه و قال “هذه بداية المعركة يا ميريت! انا اضعف قومي و انت تعلمي ماذا حل بكم بالماضي!”
تركت الدرع و السيف من يديها و دنت منه قائلة “امن هذا الإنسي الذي يريد كنوز مولاتي! قل لي؟”
قال و هو منهك القوة “انه رجل اكتشف وراق البردي التي كانت للساحرة…” ثم مكث ساكنا،
امسكت رقبته و كسرتها بيديها و خلعتها من مكانها، رمتها على الأرض و ركلتها فتدحجرت امتارا الى الوراء، نظرت من حولها و صرخت بقوة، “لن تفلحوا بأمركم، سنوقفكم انا و قومي عند حدكم،”
لم تصدق داليا ماذا فعلت للتو، وقفت لبرهة من الزمان تتنفس بشدة و تنظر الى المكان من حولها، كانت الكتب لا تزال بمكانها و الحمدلله ما عدا الطاولة التي رماها الجان بوجه الرجل في اول المواجهة، كانت كتبها مبعثرة على الأرض، لم تصدق انها تواجهت مع كائن بشع تسبب بالهلع لسوق ألأزبكية بالكامل، و من اين لها قدرات القتال هذه فلم تمسك سيف او درع بحياتها، من اين لها هذه القوة لتقف بوجه ما شعرت بأنه جان ذو دماء زرقاء كاد ان يقتلها، التقطت الدرع الذي شعرت و كأنه تحول بيديها الى فولاذ، سمعت شيئ يقع عند كشك عرفه فشعرت بأن احدهم قريب منها، توجهت نحو الكشك لتتفجأ بعرفه يقف خائفا و يصرخ متوسلا “الرحمه يا سيدتي، انا عجوز مسكين، ارحميني،”
“خذ هذا الدرع و اعده الى مكانه، اسمع صوت صافرات الشرطة قريبه من هنا!”
رمت بالدرع نحو عرفه فأمسكه و لكنه صرخ من وزنه الثقيل و قال “كيف قاتلت بهذا الدرع الثقيل!”
وقع على الأرض من وزنه و اكمل “وزنه كشوال الخمسين كيلو! يا ويلي!”
فجأة تحول الدرع الى خشب، نهض عرفه مستغربا من الأمر، رمت السيف الذي عاد الى طيبعته و قالت “اذا سألوك الشرطة لا تتفوه بكلمة عما رأيت،”
“سأحاول يا سيدتي! و لكن ان فضح امرك فاعلمي انهم نجحوا و جعلوني اتكلم، يدهم ثقيلة في بعض الأحيان، انت صحفية في صحيفة الرأي المعاصر، كيف! الى ما تحولت ببضعة دقائق، يداكي تحولت الى اسلحة فتاكة، يا الهي ما الذي جرى!”
سمعت فجاة اصوات صافرات سيارات الشرطة تقترب، نظرت الى الأعلى فكانت هنالك نسور تطير بالسماء من فوق، كان عددها اربعة و كانت كبيرة الحجم تطير بشكل دائري فوقهم، كانوا جنود حورس، شعرت و كأن مصير جثة الجان معروف جدا، نظرت الى عرفه و قالت له
“وجود جنود حورس بالسماء لا يبشر بالخير، نهاية مصر اقتربت و لكن لنا مهمة اذا نجحنا بها سيكتب لبلادنا الحياة من جديد، لأن هنالك انسي طماع يريد كنوز مولاتي نفرتاري،”
توجهت الى مخرج السوق بسرعة لتغادر المكان قبل وصول الشرطة، …
نظر اللواء عمر الوالي الى تقرير معامل البحث الجنائي الذي كان بين يديه بتمعن شديد، كان يتضمن معلومات هامة عن حادثة حرق غرفة عبدالعزيز سويفي و التي اودت بحياته حتى قبل ان تصله سيارة الإسعاف الى مكان عمله منذ يومين، فكان بجولة مفاجئة و تفقدية في مكاتب الجنائية بالإسكندرية حينما حصلت الحادثة، و لأجل الصدفة كان يقف بنفس الطابق مع اللواء فريد عبدالدايم مسؤل في الجنائية حينما انبعث من غرفة عبدالعزيز الدخان الكثيف، فتوجها مع الضباط المرافقين لهم الى غرفة مكتبه و بقوا لدقيقتين يطرقون الباب و يحاولون فتحه و لكن من دون فائدة، الى ان خرج عبدالعزيز مشوه الجسد من مكتبه يصرخ من الآلم، لذلك اهتم شخصيا بهذه الحادثة، و لكن التقرير تضمن ما لم يكن بحسبانه اطلاقا، طالع تفاصيل التقرير بصدمة عنيفة جدا لتتعقد امور حادثة الحرق هذه كليا،
الغرفة كانت بحالة سليمة جدا و لم يكن فيها ما اشار الى وجود حريق او حتى تماس كهربائي في القواط الكهربائية، لم يكن على الجدران او حتى على الأرض او اثاث المكاتب ما يشير الى وجود حريق او حرق لأية مواد داخل الغرفة، حتى غرفة تحميض الصور كانت سليمة و كان هنالك صور معلقة على حبل التنشيف لقضية كان يعمل عليها لمديرية امن الإسكندرية تعود للضابط احمد عبدالسلام، فكان عبدالعزيز قد اخبر مدراءه بتكليف احمد عبدالسلام له بمهمة عاجلة، و الأمر الثاني الغريب كان وجود تربة و اثار على ارض غرفة التحميض لبعض الحجارة الصغيرة تعود الى تربة بركانية لا تتطابق مع التربة داخل جمهورية مصر العربية اطلاقا، ماذا جرى بغرفة عبدالعزيز يا ترى؟
اخذ سماعة الهاتف و طلب مديرية امن الإسكندرية و طلب من مأمور المقسم تحويله الى مكتب المقدم احمد عبدالسلام، انتظر لمدة دقيقة و لكن من دون ان يجيبه احد، طلب من مأمور المقسم تحويله الى مكتب زميل له، فاجابه المقدم سمية الحفني من نفس القسم،
“ألو…”
“مين معايا لو سمحتِ؟”
“انا المقدم سمية الحفني من قسم الإتجار بالممنوع،”
“انا اللواء عمر الوالي، “
اجابت المقدم سمية بإنضباط “تمام يا فندم، كيف لي ان اخدم سيادتكم؟”
“قولي للمقدم احمد عبدالسلام ام يكلمني و ذلك للضوروة القصوى حين وصوله الى المديرية،”
“تحت امرك سيادتكم، نمرة تلفونك لو سمحت،”
قولي له ان يتصل بوزارة الداخلية باللواء عمر الوالي مساعد وزير الداخلية فور وصوله،”
وقف المقدم احمد عبدالسلام امام مدخل مكتبه في مديرية امن الإسكندرية ينظر الى فتحي الذي كان واقف داخل مكتبه، كان يتكلم بجهاز في يده بصوت منخفض و كأنه لا يريد لاحد ان يسمعه، استغرب من الأمر لأنه رآه يكلم شقيقه به منذ يومين حينما كان في حديث ودي معه، كان ظهر فتحي للباب و كان منهمك بالكلام حينما نظر الى ساعته، فكانت السابعة صباحا، كانت المديرية شبه خالية من الصباط ما عدا اصحاب ورديات الليل كالمعتاد، وضع فتحي الجهاز في جيبه و استدارة ليتوجه نحو الباب فتفاجئ بأحمد ينظر اليه نظرة غاضبة،
ارتعب من منظره و صرخ “تمام يا فندم!”
قتال بغضب شديد “نسيت ان أسألك يا فتحي، ما الجهاز الذي وضعته في جيبك، و منذ متى و تصرف المديرية اجهزة لاسلكي لموظفين البوفيه!”
ارتبك فتحي من الأمر و قال “انه هدية من زميلك المقدم رؤوف…”
“اظنك تكذب، و لماذا حجمه صغير! هيا اعطيني اياه لأرى ما في جيبك، و لماذا انت في مكتبي، أظنني آمرت ان لا يدخل مكتبي أحد و انا غائب عنه، هيا! اعطيني هذا الجهاز المريب من جيبك!”
ارتبك فتحي قليلا و وقف من دون اية ردة فعل، دخل احمد مكتبه و قال لفتحي “لا تتحرك من مكانك! رفع سماعة الهاتف و طلب رقم داخلي و قال “يا عبد المطلب! ياعبدالغفور” تعالوا الى مكتبي بسرعة…!”
صرخ فتحي بوجه احمد “لن تستطيع الإمساك بي، انت لا تعلم مع من تتعامل!” تحول فتحي الى كتلت من النيران جعلت احمد يصرخ و يهرب خارج مكتبه، وقف امام مدخل مكتبه يشاهد النيران التي كادت ان تلتهم مكتبه بالكامل، هاجت لديقية كاملة ثم اختفت بثوانٍ تاركة ورائها رائحقة حريق كثيفة، دخل احمد المكتب مرة ثانية ليتفقده جيدا فلم يجد اثر لفتحي، سمع اصوات وقع اقدام في ممر الطابق ثم دخل عليه عبدالغفور و عبدالمطلب قائلين اومرك يا فندم…”
اجاب في ذهول تام “فتحي…اين ذهب فتحي؟”
اجاب عبدالغفور “فتحي؟ عامل البوفيه، انه في اجازه منذ اسبوعين…”
صرخ احمد بوجه عبدالغفور “لا تمازحني، فتجي بإجازة منذ اسبوعين؟ فتجي كان يجلب لي القهوة في كل يوم و لم يأخذ مني اجازة،”
اجاب عبدالمطلب مستغرب كلام زميله، “يا فندم لم ارى فتحي موظف البوفي منذ ان اخذ الإجازة التي طلب، كلمني من بلدهم من يومين و طلب تمديد اجازة لأسبوع اضافي، سيتزوج شقيقه عما قريب،”
صرخ باعلى صوته “سأصاب بالجنون، هنالك شيئ مريب، من كان بمكتبي منذ قليل، و من كان يجلب لي القهوة و الصحف في كل يوم اذا كان فتحي بإجازة منذ اسبوعين؟!”
يتبع…