ماذا حدث بالقاهرة سنة 88…الجزء الخامس

ماذا حدث بالقاهرة سنة 88…الجزء الخامس
بقلم فراس الور

جلس احمد عبدالسلام على مائدة الإفطار في منزله يحتسي فنجان قهوة برفقة زوجته رانيا، امسك صحيفة #الأهرام الصباحية و قرأ بِصَمْت العناوين الرئيسية بينما سكبت رانيا بعض من الشاي في فنجانها، أخذت رشفة واحدة منه ثم قسمت رغيف العيش الذي كان امامها و غمست لقمة من طبق الفول المشبع بزيت الزيتون و اكلت بِصَمْتٍ تام، خيمت اجواء الصمت المطلق على جلستهم بغير العادة حيث اعتادت رانيا على زوجها ان يكون في هِمًةٍ ونشاط و بمزاج مرح في كل صباح، اما ان يجلس امامها صامتا من دون كلام هو ما لم تعهده فيه إطلاقا حتى منذ اول يوم زاجهما،

مضغت لقمة الفول بهدوء و اخذت ورائها رشفة من الشاي ثم نظرت الى احمد و هو يقلب صفحات الصحيفة و كأنه يبحث عن صفحة مُعَيًنَة، نظرت اليه نظرة حنونه و مدت يدها و امسكت يده التي فيها الصحيفة، نظر اليه مبتسما و سأل “نعم يا حبيبتي، هل هنالك شيئ؟”
ردت بحنو “انت قل لي، منذ يومين و انت قليل الكلام في المنزل، تصل من عملك متأخر و ترتدي ملابس النوم ثم تنام بعمق شديد جدا و كأنك قد اتيت للتو من ورشة بناء كنت تنقل بها قفف الأسمنت و الرمال، و في الصباح تنهض و التعب مرسوم على وجهك و تذهب لتستحم ثم ترتدي ثيابك و تجلس بصمت تام لا تكلمني الا ما ندر…ما المشكلة يا احمد؟ هل انا السبب؟ هل صدر مني شيئ ضايقك؟”

جلس بمكانه بإنتباه و سحب يد زوجته و وضعها على صدرة قائلا “إطلاقا يا رانيا، انا احبك جدا، صدقيني انا…انا…الموضوع هو،” تلعثم قليلا بالكلام ثم اكمل بغصة حزن عميقة “انها مشاكل بالعمل..”

“انت لست على ما يرام، ماذا يحصل ؟ قل لي،”

مقالات ذات صلة

نظر احمد الى زوجته بتمعن و كأنه يراها لأول مرة في حياته، كانت عينيها العسلية تشعان جمالا و بريقا و كأن فيهما ألف نجمة تتراقص بجلد سماء صافية و بريئة، قالت عينيها في تلك اللحظات الكثيرعن خوفها عليه، سألته عن ماذا يجري معه و كم كانت راغبة بالإطمأنان عليه…، لم تضطر الى الكلام فكان جمال عينيها و تساؤلاتها خير مُخْبِرٍ بمكنونات قلبها المتيم به، كانت رانيا سيدة في الثلاثين من العمر سمراء البشرة و ذات شعر اسود طويل يصل الى منتصف ظهرها، كانت رشيقة القوام و ذات وجه جميل جدا و اطلالة ودوده جدا، و لكنه ارتسم على وجهها في هذه الأثناء ملامح القلق و هي تنتظر اجابته “ارجوك ارح قلبي القَلِقْ و قل لي،”

وضع الصحيفة جانبا على الطاولة و اجاب بهدوء، “منظر عبدالعزيز و هو راقد بالسرير يعاني الأمَرًينْ من حروقه لا يفارق تفكيري،”

“لا حول و لا قوة الا بالله، اطلب له الرحمه، انت مؤمن و تصلي الفروض في مواعيدها، صَبًرَ الله قلبك يا مؤمن، هذه ظروف اقوى منك لا يسعك فيها الا تَقَبُلْ ارادة الله و طلب لزميلك الرحمة…”
قاطعها بنبرة حزينة “دخلت اليه و هو بالعناية المركزة، حاولت التكلم معه…” دمعت عيني احمد فنهضت رانيا مدركة ما يحدث و وضعت يديها حول كتفيه، اكمل احمد “اتعلمي ماذا قال لي الطبيب بالمستشفى العسكري حيث كان يرقد؟ نصف جسده مشوه من الحروق…”

اغمضت رانيا عينيها من شدة تأثرها و هي تستمع لما يقول زوجها، اكمل احمد “كان مخدر بالكامل، كانوا يستخدمون تخدير عمليات ليسكنوا آلآمه و لكي يستطيع النوم يا رانيا، كان جسده ملفوف بقالب من الجبس ليحموا الجلد لأنه مشوه بالكامل…”

“لا تكمل يا احمد، يكفي، لا حول و لا قوة الا يالله،”
انطلقت من زوجها شهقة بكاء عميقة لبرهة من الزمن، نظرت اليه مرة آخرى و قالت له “ها هو عند ربه و قد ارتاح من عذابه…”

“بالرغم من آلآمه فتح عينيه و ابتسم لي، حاول الحديث معي و لكني منعته، اصر و قال لي جملة تتعلق بالقضية التي اعمل عليها ثم استسلم للمخدر القوي الذي كان تحت تأثيره…توفي بعد زيارتي له بيوم…”

انهالت من عيني احمد الدموع المريرة و استلسم لنوبة بكاء طويلة و عميقة، ضمته رانيا بحنو ليبكي زوجها في حصنها كالطفل المسكين، لم تكن تصدق كم كان زوجها مصدوم و متألم من وفاة عبدالعزيز زميله، كانت تعلم بقرارة نفسها انه صديقه الوفي و رفيق دراسته و لكن رأت جانبا من زوجها لم تكن تعلم انه موجود فيه من قبل، فتعودت عليه رغم شخصيته المرحة انسانا عسكريا قويا متمساكا لا يعرف الضعف و لا الإستسلام اطلاقا، بل نادرا ما كان يشعر امام المِحَنْ و الصعاب بالضعف حتى امام اكبر القضايا و اشرس المجرمين و الخارجين عن القانون، كانت دائما تراه كرجل سند لها و حصنا تلتجئ اليه وقت ضعفها من هموم و مشاكل الحياة…و لكن في هذه المَرًة كانت الأمور تختلف عما عهدت، فارتمى زوجها في حضنها كالطير المذبوح غارق في بحر من الآلم و الأحزان، مرت دقيقة لم تمسع بها الا شهقات احمد و دقات عقارب الثواني من ساعة الجدار في صالة منزلهم،
انطلقت صرخة في داخلها الى الرحمن تعالى و هي مصدومة مما يجري مع زوجها “إلهي ساعدني فانا بحاجة لحكمة منك،”
نظر احمد اليها و قال و هو يمسح عينيه بمحرمة كانت في جيبه “آسف حبيبتي، انا بالنهاية انسان، لحم و دم، قد أَمُرْ بفترات ضعف مثل سائر البشر،| الرتبة تصنع مني مقاتل شرس في الكثير من الأحيان و لكنها لا تجردني من إنسانيتي، هذه اول مرة افقد عزيزا علي بعد والدي…”
قالت أخيرا و هي تحاول التماسك امام زوجها “حبيبي، لا تبكي..انت ربما بحاجة الى اجازة لترتاح من ضغوطات العمل،”
نهض من مكانه و قال و هو يتوعد “لا استطيع…و لن يهدء بالي قبل ان انتقم لعبدالعزيز…”
“حبيبي، هل تعرف من قتله…”
“لغاية هذه اللحظة لا، و لكن عندي حدس ان هذه القضية ليست كالبقية التي استلمت بالماضي، انا اتعامل مع شيئ شبيه بالسحر و الشعوذه…”
“يا لهوي! سِحْر!” تفاجأت رانيا من كلام زوجها، اكملت بنبرة خوف “هل المطلوب هو ساحر؟ اعوذوا بالله من الشيطان الرجيم،”
“قد يكون الأمر كذلك…”
“و كيف ستقبض على ساحر، قد يصنع لك سحر اسود ليضرك، حبيبي انتبه لنفسك، هذا العالم مذكور بالقرآن الكريم، انت غالي عندي كثيرا، كن حذر و انت تتعامل مع مجرمين من هذا الصنف،”

نظر اليها نظرة واثقة و قال لها “موت عبدالعزيز لن يمر بهذه السهولة، لا تخافي علي بل هم من يجب ان يخافونه مني،”

فجأة خطرت على بالها فكرة جيدة، ادركت انها تستطيع التخفيف من معاناة زوجها، و لما لم تفكر بهذا الأمر من قبل، سارت ببطئ نحو ركن من اركان الصالة و امسكت سماعة هاتف المنزل الذي كان على طاولة صغيرة، ضغطت على ازرار الهاتف و استدارت نجو زوجها، سألها “بمن تريدين الإتصال؟”

ضحكت ضحكة استغرب منها احمد ثم تكلمت مع احدهم “مديرية امن الإسكندرية…اعطيني مكتب احمد باشا…”
“حبيبتي انا هنا امامك، لست بالمكتب،” نظر اليها باستغراب شديد ثم اقترب منها و مد يده على جبينها، “لا تعانين من الحرارة العالية،” حاول اخذ السماعة منها و لكنها ضحكت و رفضت اعطائه اياها، تكلمت مع احدهم قائلة “لو سمحتم احمد باشا يعاني من اوجاع بالمعدة، لذلك لن يستطيع النزول الى العمل اليوم…نعم…انا زوجته رانيا…شكرا و سَلِمْتِ من كل شر…من مساعد وزير الداخلية؟…قولي له انه مريض و سيكلمه بالغد…مع السلامه،
اجاب احمد صارخا “مساعد وزير الداخليه! يا لهوي…و قولي له انه مريض…هذا الرجل يستطيع ان ينهي مستقبل بالشرطة كلها يا رانيا!”
ضحكت ضحكة رقيقة ثم قالت له “انت في اجازة اليوم يا احمد، هذا امر ينفذ فورا، صدقني سأجعلك تنسا امن الأسكندرية و وزير الداخلية ،” اقتربت منه و ضمته بيديها و قبلت شفاهه قبله رقيقه اشعلت في داخله مشاعر لم يشعر بها منذ زمن، حاول الأمساك بها بشدة ليرد لها قبلتها و لكنها ابتعدت الى الوراء قليلا، كانت ترتدي سترة سوداء خفيفة فوق قميص ابيض و تنورة سوداء، و كانت ترتدي في قدميها نعل كعب عالي، نظرت الي ساعة يدها فكانت التاسعة صباحا، قالت له “انا قائدك اليوم و اريدك الى جانبي…ممنوع ان تقول لي لا اليوم…” ضحكة مرة آخرى و خلعت سترتها و خلغت النعل من قدميها، خلعت جورب من جواربها و لفته حول عنقه و سحبته نحوها قائلة “منذ زمن و لم نختلي مع بعض يا حضرة الضابط، ماذا افعل بك و بتقصيرك معي؟”
ابتسم لها قائلا “اخ منكِ، ماذا فعلتِ بي يا رانيا، نهاية خدمتي العسكرية على يدكِ اليوم، ماذا افعل بكِ،” حاول الإمساك بها و لكنها ابتعدت عنه قليلا قائلة “الحقني الى غرفة النوم…” نظر اليها و هي تخلع عنها قميصها، لحق بها و هو يقول “صدقا هكذا سأنسى وزارة الداخلية كلها…”


جلست داليا في مكتبها في صحيفة الرأي المعاصر و هي منهكة القوة من المواجهة التي حصلت معها اليوم في سوق الأزبكية، كان مكتبها صغير الحجم لا يتعدا اربعة امتار بثلاثة امتار و ذو واجهة زجاجية تطل على صالة عمليات كبيرة فيها العديد من المكاتب لزملاء لها، نطرت الى الخارج لترى عددا من زملائها يعملون في الصالة كالمعتاد، فكانت الساعة لا تزال الثالثة من بعد الظهر و كان عدد الموظفين شبه مكتمل ما عدا من تطلبت مهامهم متابعة النشاطات الإجتماعية و السياسية خارج الصحيفة، فكانت صحيفتهم كبيرة و تضم نخبة من اشهر الصحفيين و المحررين في القاهرة، كان حجم بيع الطبعة الورقية لصحيفتهم بالملايين يوميا و الصحيفة اشبه بخلية النحل فكانت ناجحة برصد آخر الأنباء السياسية و الإقتصادية المحلية و حتى الإقليمية و العالمية،

امسكت كيس ثيابها الممزقة و وضعته بجانب كرسي مكتبها، فشكرت الله في قرارة نفسها انها استطاعت الذهاب الى محل لبيع الثياب و شراء قميص و بنطال جديد بدل ثيابها الممزقة، لم يكن سعر الثياب مرتفع فكانت زبونة دائمة للمحل و كانت لها معاملة خاصة، فخصم لها مالك المحل ربع سعر الثياب الجديدة، استبدلت ثيابها بغرفة القياس بالمحل و اسرعت الى الشارع و اوقفت تكسي اجرة و عادت الى الصحيفة باسرع وقت ممكن فلم تكن قادرة نفسيا على قيادة سيارتها من سوق الأزبكية و العودة الى مقر عملها، كانت لا تزال خائفة و مصدومة من الذي حدث معها في السوق، حتى و هي في مكتبها كان جسدها يرتجف من الخوف من المواجهة التي حدثت معها،

نهضت من على كرسي مكتبها الفاخر و توجهت الى النافذة الزجاجية، كان الكل يعمل على مكتبه و لم يلاحظ احد وجودها، اغلقت باب غرفة مكتبها الزجاجي و توجهت الى مكتبها مرة آخرى، اخذت الهاتف اللاسلكي من على مكتبها و طلبت رقم والدتها في المنزل، جلست على مقعد من مقاعد طقم الكنب امام مكتبها و انتظرت والدتها لتجيب فكانت لا بد ان تكلمها سريعا، كانت والدتها ربة منزل في الخمسين من عمرها و كان اسمها مريم، كانت داليا وحيدتها فلم تنجب غيرها بسبب مشاكل صحية واجهتها اثناء الحمل فيها، فقررت مريم و والدها نسيم الإكتفاء بما رزقهم الله به تجنبا لاي مخاطر صحية على صحتها، تربت داليا بمنزل كله حب و تفاهم بين والديها فكانت طفلتهم المدللة، كانت طلباتها اوامر فلم يبخل اهلها عليها بشيئ فدرست بارقى مدارس في القاهرة و كانت عيشت الدلال و الرفاه حليفها الى ان تخرجت من المدرسة و دخلت جامعة خاصة لتدرس الصحافة و الإعلام،

كانت داليا من المتفوقات في دفعتها و حصدت محبة كل زملائها من اول ايام دراستها الى ان تخرجت مع مرتبة الشرف، فكانت الطالبة المتميزة بين زملائها بذكائها و شخصيتها الودوده و معاملتها الطيبة مع الجميع، و كانت محبوبة لدرجة ان جزءا من زميلتها بالدراسة تواصلن معها حتى بعد التخرج الى ايام عملها بالرأي المعاصر، و حتى استطاعت كسب احترام و مودة زملائها بالراي المعاصر قكانت موظفة ميثالية و متفانية بعملها، حققت داليا اول ترقية لها بالصحيفة بعد سنة فقط من العمل فيها حيث عينها رئيس التحرير ماجد الشعراوي نائبا له بسبب سبق صحفي قامت به عن فساد اداري في دور للإيتام في القاهرة، فاصرت على متابعت الشكوي و انتحلت شخصية خادمة تريد العمل بدار من الدور موضع الشكوى، و لتسهيل امرها قام رئيس التحرير بمخاطبة بعض من معارفه في الحكومة حيث تم تعينها بعدها بيومين فقط، و فور صدور قرار التعين باشرت داليا بالعمل تحت ادارة مدير اتضح انه يمارس نشاط مريب مع الأيتام في عهدته،

تواصلت داليا مع الشرطة حينها حيث نجحت بجمع ادلة تدين المدير، و خلال اسبوع وقع بقبضة الشرطة مع شبكة من الفاسدين كانوا يقومون بإختلاس اموال التبرعات المقدمة من بعض الأغنياء لصالح دور الأيتام،

قالت داليا في ذاتها “اين انت يا امي، أطلتِ الإجابة لماذا، نا بحاجة ماسة لكِ، “
سمعت صوت والدتها آخيرا تقول “السلام عليكم،”
اجابت داليا “و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته، اين كنت يا امي؟”
“كنت عند ام ايمان جارتنا، كنت ابارك لها بمناسبة سبوع ابنها،”
“حفظه الله لأهله،”
“آمين يا بنيتي، منظره جميل و هو باللفة، حرسه الله من كل عين حاسده،”
“حينما اصل الى المنزل اليوم سأمر ببيتها و ابارك لها،”
“أجِلٍي الزياره، هي مازالت متعبة من الولاده و الكثير من اقربائها مازالوا يزورونها، ربما ستكون مناسبة بعد بضعة ايام، إنما قولي لي، صوتك ليس على ما يرام، يبدو لي انك غير مسرورة،”
“اريد ان أسألك سؤال و ارجوكِ ان تجيبيني عليه، “
“تفضلي يا بنيتي…”
سألت بنبرة قلقه “من انا يا امي؟”
انتظرت مريم لبرهة من الزمن قبل ان تجيب ابنتها، ثم اجابت بإستغراب “من انتِ؟ ما هذا السؤال؟ انت داليا سلطان ابنتي…ماذا تقصدين بسؤالك؟”
“امي اتخفين عني شيئ؟ هنالك اكثر من داليا سلطان في حياتي،”
“هل فقدت صوابك؟ لا افهم سؤالك اطلاقا،”
“أمي انتِ غير صادقة معي، حصل امر معي دفعني لتوجيه هذه الأسئلة لكِ، و ما قصة وحمة الصقر الداكنة على ساعدي الأيمين،”
“يا بنيتي هنالك ملايين في مصر على سواعدهم وحمات و علامات مثلها…”
قالت داليا بغضب “انا لست إنسانه عاديه، لماذا تتهربي من الإجابة على سؤالي، امي كنتُ سأموت لولا سترني الله من كارثة، سأريكِ ثيابي الملطخة بدمائي حينما اعود الى المنزل،”
“سلامة قلبك بنيتي…سلامة قلبكِ يابنتي،” التزمت والدتها الصمت لدقيقة كاملة وسط ترقب داليا لما ستقول، اخيرا استجمعت مريم قوتها و قالت “قولي لي ماذا حدث معكِ،”
“امي توقفت عند صور سوق الأزبكية و تجولت قليلا بين معارض الكتب، كنت اريد شراء رواية للعقاد، و فجأة اقترب مني رجل غريب الأطوار و ابتدأ يرمقني من بعيد بنظرات كره و غضب شديدة، ارتعبت منه كثيرا، و حاولت الإبتعاد عنه و لكنه هاجمني و ضرنبي ضربا مبرحا…”
صرخت مريم بجنون “اين انت الآن يا داليا! هل انت بالمستشفى؟!”
“إطمأني يا امي، اتا بخير…انا بالصحيفة، و لكن هذا الرجل ضربني الى ان ارتميت على الأرض بين الحياة و الموت، كانت ضرباته موجعة جدا، و لكن فجأة وانا ملقاة على الأرض و ثيابي التي على جسدي مضرجة بالدماء رأيت رؤيا غريبه ازعجتني كثيرا…شعرت و كأنني وسط معركة كبيرة، امتلأت الأجواء من حولي بأصوات القتال و صيحات جيوش تتقاتل بشراسة…و فجأة سمعت صوت اشبه برجل يشجعني على القيام و منازلة الجن الأزرق…”
“بسم الله الرحمن الرحيم…”
“لن استطيع نسيان ما قاله لي، ياه يا امي شعرت و كأن صوته ليس غريب عني، شعرت و كأنني اعرفه منذ مئات السنين، صوته حرك في داخلي حنان له كبير جدا، قال هيا قومي انهضي، فأسود فرعون لا يموتون، عودي الى صفوف جيشك! كل درع حماية بيدي اسود فرعون سيكون بقوة ألف درع، كل ضربة سيف بيداي جيش فرعون ستكون بضربة مئة رجل مقاتل، هي يا ميريت قومي و ازأري بوجه عدوك…لا تخافي من الجان الأزرق امامك!””
اجابت مريم بندم “بنيتي سامحيني…بالفعل هنالك امر قد اخفيته عنكِ، لكن…”
صرخت داليا و هي مشوشة الذهن بوجه امها “لماذا يا امي! ماذا يجري معي، هل تعلمي ان الجن ناداني بالأميرة ميريت؟ من تكون ميريت، و ما علاقتي بجيوش فرعون، و لماذا كان يريدني الجن الأزرقة ميتة؟ أم كان يعذبني لغاية ما، هيا يا امي ماذا يجري؟! و لماذا طالبني بكنوز الملكة؟”
سألت مريم بصدمة شديدة “كنوز من؟!”
“كنوز الملكة! قال لي ان رئيسا لهم بعالمنا يسعى للإستلاء عليها!”
“توقفي عن الصراخ بوجهي يا بنيتي…لا استطيع اخبارك كل شيئ على الهاتف، سنتكلم حينما تعودي الى البيت، “
“قولي لي يا امي الحقيقة كلها! هيا لا تخفي عني شيئ، ارجوكِ، ما الذي يجري؟!”
“لذي استطيع ان اقوله لك اننا ننحدر بصورة مباشرة من اصول لملك فرعوني …”
“من هذا الملك يا امي؟”
“تحتموس الثالث…”
نهضت داليا من على المقعد و هي مصدومة من كلام والدتها، لم تصدق في بادئ الأمر ما سمعت على الهاتف، “تحتموس الثالث،” فجأة توضحت بعض الأمور امامها،
“بنيتي هنالك اسطورة تناقتلها عائلتي منذ مئات…لا بل منذ آلآف السنين، تفيد بأننا الطريق الى كنز كبير يخص هذا الفرعون، نحن الورثة الشرعيون لهذا الكنز متى ما وجد، هيا عودي الى البيت يا داليا، جدك مبروك السايس يعلم اكثر منا،”
“مبروك السايس؟ انت تمزحين، مبروك يسكن بسيناء يا امي، و لا يملك هاتف فكيف سنتصل به…”
“سنذهب لزيارته،”
“انه بعيدا عنا سفر ساعات طويلة،”
“قد يفسر لنا اكثر ما يحصل معك يا داليا…قد يكون لديه تفاصيل اكثر عن الأسطورة،”
“امي اذا ظهر لي الجن ليقاتلني مرة آخرى…انا خائفة، مرتبكه، اتعامل مع عالم غريب عني، انا لست الأميرة ميريت، انا داليا…انا داليا…انا داليا!” فجأة انهارت و ابتدأت بالبكاء المرير، امتلأت الغرفة من شهقاتها و هي منهارة القوة، قالت بمرارة…”انا لست بهذه القوة يا امي، انا صحفية و اعيش عيشه طبيعية و لم اتخيل في يوم من الايام ان اكون وسط دوامة كهذه، انا لست محاربة يا امي، انا…أنا…”
“داليا تماسكي، يبدو لي ان قدرك اختارك لتتممي مهمة معينة، لن أتركك اطلاقا و سأكون بجانبك حتى و ان كان الثمن حياتي، انت ابنتي…لحمي و دمي، لن اتركك، اتفهميني! سنذهب لزيارة الشيخ مبروك سوية، وحمة الصقر على ساعدك هي خرطوش الإلهة ايزيس بالتراث الفرعوني، انت وريثة شرعية لعرش الفراعنة و تجري بدمائك دماء ملكية اصيلة، يبدو لي انه قدرك لتحاربي و تدافعي عن هذا الكنز، اذا اعترضوك الجان زلزلي شوارع القاهرة فوق رؤسهم و تصدي لهجومهم، انت تملكين القوة بنيتي، افعلي هذا لأجل مصر بلادنا! يتبع…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى