ماذا حدث بالقاهرة سنة 88…الجزء الثاني عشر

ماذا حدث بالقاهرة سنة 88…الجزء الثاني عشر
بقلم #فراس_الور
سار النقيب ممدوح الليثي من أمن #القاهرة بحذر شديد في شارع الثورة بالسيدة زينب، كان يتعقب رجل مريب الأطوار و هو يسير في ظلام الليل، كان يرتدي جلباب رمادي اللون و عمة بيضاء تخفي ملامح وجهه بالكامل، كان الرجل يسير بخطوات سريعة بالقرب من واجهات المحلات المغلقة بالشارع و كأنه يريد الوصول الى مكان مُعَيًنْ من دون ان يلاحظه احد، كان يلتفت الى الوراء من حين لآخر ليتأكد خلو الشارع من الناس، كانت الساعة الثانية صباحا و كانت المحلات مغلفة و الشارع يخلو من البشر، واصل مراقبته و هو على مسافة منه الى ان رآه يشعل فجأة مصباح يدوي و يدخل عمارة قديمة مؤلفة من اربعة طوابق، كانت العمارة غير صالحة للسكن بسبب قدمها فخلت من السكان تماما، كانت واجهاتها الأمامية مهترئة و كان مدخلها مفتوح من دون بوابات، دخل العمارة ورائه و وقف لبرهة اسفل السلالم يراقب شعلة المصباح و هي تتحرك الى الأعلى فعلم انه يصعد الى الطوابق العليا، صعد الادراج بهدوء و هو يترقب الرجل الذي كانت خطواته سريعة، فسرعان ما اصبح اعلى منه بطابقين، داس النقيب الأدراج القديمة بحذر وسط الظلام الدامس فلم يكن هنالك نور الا ما وفره البدر المكتمل في السماء ليساعده برؤية اية تفاصيل عن المكان الذي كان به، فكان البناء مترهل لدرجة انه كانت هنالك فجوات عشوائية في الجدار امام السلالم يدخل منها ضوء القمر الخجول، وضع يده على صور السلم الحديدي ليسند نفسه في حال تعثر على الأدراج و اكمل صعوده بهدوء، داس الأدراج بحذر شديد كي لا يحدث صوتا يلفت الإنتباه له، فكان يشعر بأن بعض الأدراج كان ينهار منها حجارة صغيرة مع حركة تنقله عليها،

فجأة شعر و كأن هنالك شيء يسير على يده، اضطر لإخراج و لاعة و اشعالها ليرى ماذا كان فرأى صرصور يسير على راحة يده، هز يده بعنف و رماه بعيدا فطار بالهواء و دخل في فجوة صغيرة بالجدار على يمينه كانت مليئة بالحشرات، نظر من حوله فكان المكان مليئئ بالصراصير و الحشرات، كانت العمارة قديمة جدا و كان يتوقعون سكان اهل الحي ان يهدمها صاحبها و يبني مكانها عقار احدث و لكنه كان يبطئ لأسباب كان يجهلها، اطفئ نور الشعلة و تابع المسير الى ان وصل الى الطابق الرابع، كانت هنالك بالطابق شقتان مقابلتان لبعض، كان باب شقة من الشقق مغلق تماما، ام الشقة التي كانت على يمينه فكان بابها الحديدي مفتوح، انتظر عندها لبعض الوقت ليسمع ان كان هنالك حركة بها، كانت هنالك انارة خافتة بها و كانت هنالك تمتمات مسموعة و لكنها غير مفهومه من داخلها، وقف عندها لبضعة دقائق ليتأكد ان كانت الأصوات بغرفة قريبة من الباب، و لكنه مع مرور الدقائق شعر و كأن الأصوات كانت على مسافة منه، فتح الباب قليلا و دخل بحذر شديد، كان الظلام الدامس يحيط به فلم يرى جيدا كامل محتويات الشقة، اشعل ولاعته قليلا و سار بحذر شديد عابرا الصالة الرئيسية الى غرفة من غرف النوم، زادت التمتمات فأكمل بثقة بإتجاه الصوت الى عمق الشقة الى ان توقف عند باب الغرفة، اطل قليلا فرأى الرجل يجلس بغرفة خالية تماما من الاثاث امام ما كان يشبه منقل للشواء، كان حجمه كبيرا بعض الشيئ، رأى الرجل يأخذ شيئ من يمينه و يرميه على منقل الشواء فهاجت النيران به، سمعه يتكلم بلغة غريبة عنه بعض من العبارات، فجأة رأى عامود نار يظهر بالغرفة، نظر برهبة شديدة الى ألسن النياران و هي تقف امامه، شعر بلهيبها القوي بالرغم من المسافة التي كانت تفصله عنها،عاد الرجل الى الخلف و عبر الصالة الرئيسية من جديد، كان يجب اخبار مديريته الأمنية بما يجري، خرج خارج الشقة و نزل الأدراج من جديد و الولاعة تشتعل بيده، خرج خارج العمارة و جرى بسرعة نحو عربية الشرطة التي كان معه فقد ركنها بمكان بعيدا قليلا عن الشارع لكي لا يلفت الإنتباه له،

وصل العربية و صعد بها، اخذ جهاز اللاسلكي و قال “هنا نمر السيدة 850، هنا نمر السيدة 850، فهد السيدة 150 اجب”
فجأة اجاب صوت عبر اللاسلكي “هنا فهد السيدة 150،”
“انا بحي السيدة زينب، تم مراقبة المشتبه به الى ان وصل الى العمارة المزعومة، احتاج قوة لمداهمة المكان،”
مكث اللاسلكي من دون اي ارسال، انتظر ممدوح بصبر رَدْ قسم امن السيدة زينب على بلاغه، فكان يعلم انه لن يستطيع التحرك قبل وصول قوة لمحاصرة المكان من اكثر من جانب كي لا يفلت الساحر من قبضتهم، وصل قسم السيدة الزينب تعميم منذ بضعة ايام من مديرية الإسكندرية بخصوص بحثهم عن مشعوذ كان يُشْتَبَهْ بأنه يدير انشطة مريبة في مصر، فتم ابلاغهم مثل سائر الأقسام الأمنية و كلفوا بإجراء التحريات اللازمة عن اي مشتبه بهم لدى الدوائر الأمنية كان له سجل بهذا المجال، كما كلفوا بضرورة البحث و التحري بالأحياء الشعبية عن اية انشطة للمشعوذين و المتفائلين او اية شخصيات قد يكون لها علاقة بمزاولة السحر و الشعوذة، فانتشر المخبرين في كل ارجاء المناطق الشعبية و ابتدأوا بالبحث و التحري عن اية انشطة مريبة قد يتم مزاولتها بكافة المحافظات المصرية، و هنا ابتدأ الشك يراود ممدوح عن العمارة المهجورة بشارع الثورة،

كان شارع الثورة يقع في حي آهل بالسكان، و كان مليئ بالمتاجر العتيقة و المقاهي الشعبية و الأبنية التي كان جزء منها مهجور، فلم تكن كل الأبنية الآيلة للسقوط خالية من السكان، و هنا كانت المصيبة الأكبر فسكانها لم يكن لديهم البديل عنها، كان معظمهم ينتظر شقق بديلة من الدولة و لكن انشاء المشاريع لم يكن بالسرعة الكافية لتلبية طلبات المواطنين، فلذلك انتظر العديد بصبر لإيجاد سكن بديل لينتقلوا اليه بالرغم من الخطورة البالغة على حياتهم، اما الأبنية المهجورة فكان سكانها الأوفر حظا فتدبروا امورهم و رحلوا منها لتردي حالتها بالكامل، و عند تجوال ممدوح بالقرب من عقار منها راوده احساس و هو يسأل ذاته سؤال مهم، لو كان مشعوذ فما هو احسن مكان كان سيتستر به لمزاولة مهنته من دون ان يراه أحد، فشعر بعد التفكير الشديد بأن الإجابة لهذا السؤال كانت بالعمارات المهجورة فما اسهل ان يدخلها الناس خصوصا وسط ظلام الليل، و ما اسهل ان يفعل المرء ما يشاء في سترة الليل فيها، ابتدأ بعدها بجولات عشوائية هو و زملائه وسط الظلام الدامس يراقب هذه الابنية و اية تحركات مشبوهة حولها بالسيدة زينب، فكان على يقين بأنه قد يكشتف امرا ما، و بالفعل في ليلة امس شاهد نفس الرجل يدخل العمارة المزعومة في نفس الوقت تقريبا، شك بأمره كثيرا فدخل ورائه المدخل و رآه يصعد الى الطوابق العلوية، عاد بعدها الى قسم الشرطة و ابتدأ بالتحري عن تاريخ العمارة، و بالفعل اكتشف بأنها خالية من السكان منذ ستة اشهر تقريبا، كان يعود ملكيتها الى عطار بالحي كان يمر بظروف مادية صعبة فلذلك تعذر عليه هدمها و بناء عقار مكانها، كان اسمه عبدالجبار السنوسي و كان يعمل بمهنتة منذ ايام الشباب فورثها عن والده المرحوم، لم يكن يعلم ان كان الرجل الذي رآه يصعد بها بالليل هو نفسه عبدالجبار و لكن في كل الأحوال رآه بالجرم المشهود و هو يمارس السحر و الشعوذه،

مقالات ذات صلة

فجأة سمع صوت ينادي عليه بالاسلكي “نمر السيدة 850، نمر السيدة 850 هل تسمعني؟”
“نعم هنا نمر السيدة 850 ارسل”
“هنالك قوة تتحرك نحوك الى شارع الثورة، حدد موقعكم بالضبط،”
عند اول شارع الثورة عند مفترق طرق رمضان،”
“عشرة دقائق و ستصلك…”
قاطعه فائلا “ارجوك قل لهم ان لا يشعلوا الصافرات إطلاقا حينما يصلوا مفترق الطرق، يجب اتمام المهمة بسكون تام،”
“تمام يا فندم سيتم ابلاغهم،”
فجأة سمع ضحكات شبابية على مقربة منه، نظر الى الخلف فرأى بضعة شبان مع إمرأة يسيرون على مسافة منه، فتح شنطة العربية و اخرج عفريت و مفتاح لشد البراغي و وضعهما بالقرب من الدولاب الخلفي للعربية، ارخى سدادة الهواء من على الدولاب فخرج الهواء بقوة منه، هبطت العربية قليلا من جهته و ابتدأ بفك البراغي مع اقتراب الجماعة منه، كانوا ثلاثة شبان مع إمرأة، ارتفعت اصوات الضحكات اكثر و هو يقوم بفك البراغي، فجأة اقترب احدهم منه و سأل “اية مساعدة يا اخ؟”
كان ممدوح يرتدي لبس مدني و كانت برفقته سيارة مدنية فلم يشعر السأل بأنه من الأمن اطلاقا، انتشرت من حوله رائحة خمرة فتيقن ان الشاب كان يشرب شراب غير بريئ، اجاب بنبرة ودودة “شكرا يا حضرت، العدة كلها بجانبي و سرعان ما سأنتهي،”
اجاب الشاب و رائحة الخمرة تفوح اكثر فأكثر من فمه “احببنا ان نقوم بالواجب يا اخ،”
“شكرا يا حضرة، لو كنت بحاجة للمساعدة لطلبتها منكم، شكرا،”
عاد الشاب الى جماعته و واصلوا المسير نحو شارع آخر من مفترق الطرق، اختفة صوتهم مع مرور الدقائق و عاد السكون الى المنطقة التي كان بها، قال في ذاته “ياه، رائحته كلها كحول، الليل و ما يجلبه من رواد مريبين،”
اتجه نحو شنطة العربية و اخرج الدولاب الإختياطي، رفع العربية بالعفريت و سحب الدولاب الفارغ من الهواء من مكانه، وضع الدولاب الإحتياطي و ابتدأ بشد البراعي من جديد، حرك يد العفريت فإبتدأت العربية بالهبوط نحو الأرض، اكمل شد البراغي بسرعة ثم اعاد العفريت و المفتاح الى شنطة العربية، فجأة سمع اصوات عربيات تقترب منه، نظر من حوله فرآى بوكس امني مع سيارة امن تقترب منه، غسل يداه بزجاجة ماء كانت بالعربية ثم اقترب من العربية المرافقة للبوكس، خرج منها المقدم سالم العبدالعزيز و سلم عليه قائلا “مرحبا سيادة النقيب،”
“اهلا بك سيادة المقدم،” سار معه الى الشارع مؤشرا بيده “المشتبه به موجود على بعد ثلاثة عمارات بعقار مترهل في الشارع امامنا، انا اراقبه عن كثب فلم يخرج منها لغاية هذه اللحظة،”
“حسن فعلت،”
اقترب سالم من البوكس و تكلم مع السائق ثم عاد الى حيث كان يقف ممدوح، خرج منه ستة عناصر امنية ممسكين برشاشات، و خرج من عربيته اربعة عناصر آخرين بأسلحتهم و اقتربوا منه و من المقدم، اكمل المقدم، “ارى ان نحاصر العقار من اطراف الشارع، هنالك ثلاثة مخارج للمنطقة التي نراقبها، هنالك قوة آخرى تنتطر المشتبه به على الجانب الآخر من الشارع، ستنتظر قوة هنا و ستتوزع قوة آخرى لتغطي الشارع الفرعي الذي يتفرع منه من جهة اليمين، هكذا سنغطي الثلاثة مخارج لهذا الشارع الصغير، انا و انت سيادة النقيب مع عنصر امني سنقوم بالإقتراب من العقار و الصعود اليه، من المستحيل ان يهرب الرجل منا،”
“توكلنا على الله، لنتحرك سيادة المقدم، ببطئ و بهدوء،”
سار ممدوح مع المقدم و عنصر امني بحذر في الشارع بإتجاه العقار، كان الهدوء يخيم على الأجواء و كان البدر المكتمل ينير عتم الليل امامهم بضوءه الخجول، خَيًمَ السكون الكامل على المكان فلم يسمع به الا اصوات نعولهم و هي تدوس الأرض الترابية، ساروا لدقيقتين ببطئ شديد كي لا يحدثوا اية ضجة من شأنها لفت الإنتباه، و لكن فجأة سارت الرياح بما لا تشته السفن فارتفعت بالأجواء اصوات عواء كلاب كانت على مقربة منهم، كان عواءها شرسا جدا و كأنها كانت تتعارك مع بعض، تحركوا الرجال اكثر فأكر نحو العقار و لكنهم تفاجئوا باربعة كلاب تجري من الشارع الفرعي امامهم و تكمل عراكها على مقربة منهم، كان هنالك كلبين من نوع جيرمن شيبرد و كلبين من نوع وُلف، كانت تتعارك على كيس بلاستيكي فمزقته بمخالبها و انيابها و كل منها يحاول الإستحواذ على الكيس، استمر العراك لدقيقة من الزمن الى ان تمزق الكيس بالكامل و قذف احد الكلاب محتوياته خارجاً، صدم الثلاثة رجال مما رأوه فبدى لهم مع ضوء القمر الخافت و كأنه كانت هنالك يد بشرية بالكيس، تحرك الضابط سالم نحو الكلاب و حاول ابعادها عن الكيس فتفرقت سريعا و عادت من حيث اتت، شعر الضابط انه مجبر على اشعال مصباحه قليلا ليتأكد من ما كان بالكيس فأشعله سريعا ليصدم بوجود ساعد بشري كامل على الأرض، كانت تفوح منه رائحة عفونة مزعجة، اخرج بضعة محارم و امسكها و عاد بها الى ممدوح، نظر اليها ممدوح بصدمة عنيفة و قال و هو يضع محرمة على انفه و فمه “قد يكون هذا الساحر متورطا بأمر هذه الجثة، هذا الساعد لإمرأة يا سيادة الضابط،” وضعه سالم على طرف الطريق و قال بعزم “سنعود لأخذه فيما بعد، يجب القبض على هذا الرجل فينتاني شعور بأنه قد يكون متورط بأمور كثيره، اظن باقي الجثة قد تكون بحاوية قمامه قريبة منها،” فجأة اشار النقيب بيده الى مدخل كان على مقربة منهم، اقتربوا بحذر منه و استعدوا لدخوله،


نظر الساحر من نافذة غرفته على الضابط و هو يشعل مصباحه في الشارع، رأه و هو يلتقط الساعد البشرية و يعود بها الى طرف الشارع تحت نافذته، تأكد بأن الشرطة كانت ستداهم المكان الذي كان به قريبا، كان يجب ان يتصرف بسرعة قبل ان تدخل الشرطة العقار، عاد الى منقل الشواء بالغرفة و قذف بالنار بعض من الرمال البيضاء فهاجت من جديد، قال “احماد احضر حالا، سيدك يطلبك، من اقاصي الأرض لمغاربها اترك ما بيديك و حيث تكون و احضر حالا، سيدك يطلبك،”
التقط ملف من جانبه و بحث بأوراقه، اخذ منه صورة و نظر اليها فتأكد انها كانت المناسبة ثم رماها بالنار، احترقت خلال ثوانٍ معدودة بالكامل، فجأة ابتدأت يد خفية بكتابة اسمين بدماء بشرية على الأرض بجانب المنقل، قرأ فقال بصوت عال “اقتلهم، لا اريدهم على قيد الحياة فعلموا للتو الكثير عني!”
فجأة اشتعل بالغرفة دخان كثيف جدا، انعدمت الرؤية امام الساحر بشكل كامل، انتشر الدخان بكل ارجاء الغرفة لدقيقة من الوقت ثم انقشع و خرج من نافذة الغرفة، قال الساحر “اقتلهم فلا اريدهم احياء،”
اجاب صوت لكائن خفي بالغرفة “سمعا و طاعة،”


اقترب ممدوح و سالم مع العنصر الأمني الذي كان برفقتهم من مدخل العقار، كانوا على وشك مداهمته فتأكدوا من اسلحتهم بأنها عامرة بالرصاص، نظروا بترقب الى المدخل، سأل ممدوح “الا يجدر بنا ترك الرقيب على المدخل و ندخل انا و انت العمارة؟”
اجاب سالم “لا اظننا اننا بحاجة الى ذلك، فمنافذ الشارع كلها مؤمنة، و نحن لا نعلم ماذا ينتظرنا فوق،” فجأة قال ممدوح “توقفوا،” راقب الرجل و هو يهم بالخروج من باب العمارة، سار بعيدا عنهم الى الطرف المقابل للشارع حيث الدوريات الأمنية كانت تنتظر، صرخ المقدم له “توقف يا هذا، هنا الشرطة،”
تجاهل الرجل النداء و اسرع في دربه، لَحِقوا به متعدين مدخل العمارة و ممدوح يصرخ “الامن! توقف!” لم يكترث لهم الرجل فاطلقوا العيارات النارية بإتجاهه، عَتًمَ الظلام القاتم على الرجل بسرعة فلم يعلموا ان اصابته العيارات النارية ام لا، اخذ المقدم اللاسلكي من على وسطه و قال “الى نمر السيدة 152، الهدف يتجه نحوكم،”
“اجاب رجل قائلا “رأيناه و جاري التعامل معه،”
ارتفعت بالمدى البعيد صرخات زملائهم و هم يطلبون من الرجل التوقف، و فجأة سمعت بالأجواء الرشاشات الكثيفة، اسرعا الى مدخل العمارة و هموا بالدخول بسرعة، اشعلوا المصابيح التي بحوزتهم و ابتدأوا بصعود الأدراج العتيقة، تشققت بعض الأدراج تحت حركة اقدامهم و تدحرجت منها اجزاء صغيرة من الأسمنت فكانوا يدوسونها بقوة، فجأة كشف ضوء مصباح من المصابيح و هم على وشك الوصول الى طابق من الطوابق ما بدى لهم و كأنه طيف لرجل يرتدي جلباب رمادي، صرخ سالم “توقف الشرطة!!!” وصلوا الى الطابق و اناروا المكان بمصابيحهم، تفقدوا الشقتان بالطابق فكاننتا مغلقتان، صرخ ممدوح “لم نسمع باب شقة من الشقق يفتح اطلاقا!!! اين ذهب!!!” اجاب سالم ا”نا متأكد انني رأيته يسير نحو يمين الطابق،” اقترب ممدوح من الشقة التي كانت علا يمينهم و تفقدها، كان بابها مغلق بإحكام، اشار سالم بيده قائلا “هنالك امر مريب بالأمر، الى الطابق الرابع!!!” أكملوا صعودهم الادراج و توقفوا عند باب الشقة المطلوبة، اقتحموها كاسرين بابها و توجهوا الى الغرفة التي رأى بها ممدوح الساحر، كانت الغرفة خالية تماما ما عدا منقل الشواء فكان ملتهبا بالنار، توقفوا بذهول تمام الى ما كان يحدث، ساروا بالغرفة باحثين بمحتوياتها الى ان سمعوا صوتا بالشقة، التفتوا ليروا ماذا كان يجري، فتفاجئوا بالرجل يهرب من غرفة آخرى بإتجاه باب المنزل، صرخ ممدوح مصدوما “انه يهرب!!! و لكن من كان يسير امامنا بالطابق الثاني منذ قليل!!! و من الذي خرج من العمارة منذ قليل” !!!” اسرعوا وراء الرجل و نزلوا السلالم بسرعة، صرخ المقدم سالم “يبدو انهم اكثر من شخص يرتدون نفس اللباس!!!”
نزلوا الأدراج بسرعة و خرجوا الى خارج العمارة، التفتوا من حولهم فرأوه يجري بإتجاه مفترق الطرق الذي توقفوا عنده منذ لحظات، اخذ المقدم اللاسلكي و هو يلهث بقوة من الجري و تكلم قائلا “نمر السيدة 160 اجب،”
و لكن لم يجبه احدا، كرر النداء قائلا “نمر السيدة 160، الهدف يجري بإتجاكم،”
اجاب العنصر “رأيناه و سيتم التعامل معه،”
فجأة سمعت بالأجواء صرخات “الشرطة توقف!!!” سمعت بالأجواء اصوات للرصاص الحي،
مرت لحظات حاسمة انتظر بها سالم و ممدوح الأخبار من زملائهم، فكان الأمل مازال عامر بقلوبهم بانهم سيمسكون بالساحر حتى لو كان برفقة عصابة، سمعت سلسلة رشقات آخرى للسلاح بالخلفية ثم تكررت صرخات “توقف!!! لا تقاوم الشرطة!!!” سمع ممدوح فجأة نداءا من اللاسلكي “نمر السيدة 850 اجب،” امسك ممدوح اللاسلكي الذي كان معه و قال “النمر 850 هنا تكلم!!!”
“هنا نمر السيدة 350!!! رأينا الهدف عند الشارع الفرعي و جاري التعامل معه!!!”
سأل سالم “اعطوني اوصافه يا 350!!! هذا الرجل قذر و ابن 350 نعل، ابلغوني ما عندكم!!!”
صرخ رجل بالجهاز “يرتدي جلباب رمادي و عمة بيضاء!!!”
انطلقت صيحات قوية من النقطة الأمنية في الشارع الفرعي القريب منهم،
صرخ سالم قائلا “ممدوح الرجل في كل مكان!!! نحن نلاحق شبحا حقيقيا!!! لن نفلح بالإمساك به!!!”
امسك سالم اللاسلكي و صرخ أمرا “الى كل وحداتنا المتمركزة بشارع الثورة!!! هل امسك احدكم المشتبه به؟”
اجابت نقطة “كان يختفي من امامنا كالسراب حينما كنا نطلق عليه الرصاص!!!”
اجابت نقطة آخرى “الهدف عند اطلاق الرصاص دخل الى زقاق ضيق كان يتفرع من الشارع الفرعي، و عند ملاحقتنا للهدف تبين انه ينتهي بطريق مسدود، اختفى كالشبح من امامنا،”
نظر سالم الى ممدوح و تعابير الصدمة مرسومة على وجهه، فلم يصدق في بادئ الأمر ما كان يجري معه، قال ممدوح “كنا نلاحق شبحا بالفعل يا سيادة المقدم، كان في كل مكان يظللنا و يظلل قواتنا!!! اكاد اجن!!! اين ذهب فرأيته منذ ساعة بالشقة و حَضًر جان امامي!!!”
اجاب سالم “يجب ان ارفع تقريرا الى مدير امن القاهرة و الى مدير امن الإسكندرية بما حدث معنا، يجب ان تكون اعلى صلطات امنية بالصورة عن ماذا حدث معنا،”
“عندي رغبة بمداهمة كل الشقق بهذا الحي للبحث عنه، قد يكون مازال بالحي…”
قاطعه سالم “هذا مستحيل بعدم وجود مذكرة تفتيش من النائب العام، ليس امامنا سوى اعادة تفتيش العمارة المهجورة فربما سنجد دليل يوصلنا الى شيئ عنه،”
طلب سالم قسم البحث الجنائي باللاسلكي للحضور الى مسرح الجريمة، صرف القوات التي كانت متمركزة على نقاط الشارع المختلفة، توجه مع ممدوح مرة ثانية الى العمارة المهجورة، صعدا الطوابق من جديد و دخلا الشقة التي داهموها منذ لحظات للقبض على الساحر، سارا و مصابيح الإنارة تشتعل امامهم الى الغرفة التي رأى بها مدوح الساحر، دخلا قائلين بصوت عالٍ “بسم الله الرحمن الرحيم،” توجه سالم الى مفتاح الإنارة و ضغط على المفتاح، اشتعل النور بها فقال بإستغراب “الكهرباء مفصولة تماما عن العمارة فيبدو ان صديقنا قد اوصل انارة من مصدر ما غير الشقة،”
“هذه جريمة ثانية ستضاف الى ملفه، سرقة كهربائية، و لا تنسى اننا كنا منذ بعض الوقت امام ساعد لجثة قد يكون هو متورط بقتلها،” تفحص ممدوح الغرفة جيدا، فكان منقل النار مازال موجودا، و كان كيس المادة التي رأه يرمي الرمال منها بالمنقل مازال موجودا، “صديقنا لم يكن امامه متسع من الوقت لآخذ اغراضه معه، ربما سنجد بصمات على المنقل و الكيس،”
اجاب سالم “و ما هذا الملف؟” اقترب ممدوح من سالم ليرى عن ما كان يتحدث، التقط من على الأرض ملف كان عليه عنوان “قضية كنوز نفرتيتي،” فتحه و قرأ متفحصا بعضا من الأوراق، كانت ذات طابع مألوف اليه، كانت محاضر استجواب لشهود في قضية ما و اوراق تحاليل البحث الجنائي لمسارح جرائم متعددة،”
“من اين حصل على هذا الملف الأمني يا سيادة المقدم، هذا الملف يخص مديرية من مديريتنا ؟!”
اجاب سالم متفحصا الأوراق “يبدو ان هنالك ما يثير اهتمامه في هذه القضية، ثم ان هنالك اوراق مكتوبة بخط اليد و آخرى و كأنها مكتوبة على مكنة طباعة؟ نحن لا نستخدم مكنات للطباعة لحفظ ملفاتنا، هنالك شيئ مريب بما يتعلق بهذا الملف،” طالعا سالم و ممدوح ورق الملف بتمعن فكان به صور كثيرة عن مسارح لجرائم عديدة ايضا، فجأة عثر سالم على صورة ملونة قديمة مثيرة للجدل، نظر اليها جيدا فكانت لغرفة تشبه تماما الغرفة التي كانا بها، قال سالم “انظر الى هذه الصورة،”
نظر ممدوح اليها في بادئ الأمر و هو يحاول تفهم ما الغريب بها، فكانت لغرفة بها منقل لنار كبير و كيس بجانبه، كانت هنالك جثتين بجانب المنقل، فجأة اتضح لممدوح شيئا فقال لسالم “ينتابني احساس انها صورة تشبه كثيرا الغرفة التي نقف بها،”
اخرج سالم الصورة من الملف و هو يتأمل كل تفاصيلها، اغلقه و طالع العنوان مرة ثانية و قرأ “قضية كنوز نفرتيتي؟!” نظر الى الصورة و الى الغرفة التي كانا بها فتجمدت الدماء بعروقه فجأة، شعر برعب كبير من الذي استنتجه، قال لممدوح “هذه صورة طبق الأصل للغرفة التي نحن بها، انظر الى المنقل بالصورة و للجثتين،”
سأل “كيف تم تصوير هذه الصورة و فرق البحث الجنائي لم تصل بعد! ثم ما قصة الجثتين؟!”
اخذ الملف من سالم و فتحه من جديد، بحث بأوراقه و بالصور التي يحتويها الى ان وصل الى صور اضافية اوضح للغرفة، اخرج بعض منها و نظر مصدوما، كانت لجثث داخل الغرفة، نظر الى الجثث و صرخ قائلا “هذه صور لجثثنا يا سالم!!!”
التقط سالم الصور و نظر اليها، نظر الى بعض من التقارير و قرأ التاريخ عليها، قال لممدوح “انظر الى تاريخ التقارير انها لعام 2022!!!”
اجاب ممدوح “ماذا يعني هذا التاريخ، يعني اننا ننظر الى ملف من المستقبل؟! و صور جثثنا هذه!!!”
“نحن بالمستبقل اموات يا ممدوح، نحن سنموت بهذه الغرفة!!!”
اعاد ممدوح الصور الى الملف و امسك به جيدا، اخرجا اسلحتهم و سارا سريعا نحو باب الغرفة، و لكن فجأة قبل ان يصلا الى الباب أُغْلِقَ امامهم بقوة، نظرا من حولهم بترقب الى ما كان يحصل، شعرا بأرض الغرفة فجأة يهتز من تحتهم، توالت الإهتزازات فنظرا من حولهم الى ما قد يكون سببها، فجأة ظهرت بالأرض اثار اقدام لكائن ما بعد كل اهتزاز، نظرا برعب اليها فكانت كبيرة جدا و تشبه حوافر الثيران،
صرخ ممدوح “انا لا اصدق ما يحدث!!! انا لا اريد ان اموت!!!”
اجابه سالم صارخا “هذا كابوس فظيع يا ممدوح!!!”
ابتدأ بإطلاق الرصاص جهة اثار الأقدام صارخين “موتي يا كلاب!!! موتي!!!”


استيقظت رانيا من سباتها العميق الذي دام لثلاثة ايام على اضواء قوية امامها، كان نظرها مشوش في بادئ الامر فلم تستوعب انها اضواء كهربائية في السقف امامها، شعرت بإرهاق و تعب شديدين فلم تقوى على تحريك يديها او ساقيها كثيرا، بل شعرت و كأن جسدها عبارة عن كتلة من الأسمنت من شدة الإرهاق التي تملكها فجأة و هي تحاول ادراك ماذا كان يحصل معها، توضحت الرؤية امامها بعد بضعة دقائق، التفتت الى يمينها فرأت والدتها نائمة على كنب بجانبها، و كان زوجها جالسا على كرسي يقرأ بعض من الأوراق في ملف بين يديه على يسارها، شعرت و كأنها بغرفة غريبة عن غرفة نومها، فتحت فاها لتنده لأمها فخرجت بعض كلمات ضعيفة اشبه بتمتمات،
“اين انا؟” و لكنها كانت كفيلة بلفت انتباه والدتها نوال ابوالمعاطي، نهضت من على الكنب و اقتربت منها، ابتسمت ابتسامة حنونه و قالت “الف حمدا لله على سلامتك يا رانيا؟”
اجابت رانيا “اين انا؟”
نهض احمد و اقترب منها، سالت الدموع من عينيه و هو يراها تستفيق من سباتها العميق، قال بنبرة هادئة و حنونة “انت في المستشفى يا حبيبتي،”
سألت والدتها بنبرة مرهقة “منذ متى و انا بالمستشفى؟”
اجابت سعاد “منذ ثلاثة ايام، و لكن اطمئني حالتك مستقرة،”
فجأة شعرت رانيا بشيئ معلق في يدها اليسار، حاولت رفع يدها الآخرى للإمساك به الا ان والدتها امسكت يدها و اعادتها الى مكانها، فحينما دخلت المستشفى كانت فاقدة لوعيها تماما، و رغم محاولات الأطباء لايقاظها الا انها دخلت في حالة سبات عميق، فتم تثبيت اعلى مفصل يدها قسطرة وريدية و تمت تغذيتها طوال الثلاثة ايام بمحاليل ملحية و محاليل الجلوكوز معا لتغذية جسدها و للحفاظ على توازن السوائل به،
قالت والدتها “لا تمسكي يدك اليسرى، هنالك محاليل طبية تدخل الى جسمك من خلال يدك اليسرى،،”
نظرت رانيا الى زوجها و قالت له “احاول تذكر ما حدث و لكنني اشعر بأن ذهني مشوش بعض الشيئ، ماذا حصل و كيف وصلت الى هنا؟”
اجاب احمد “لا ترهقي نفسك، سأزف للدكتور خبر استيقاظك، انه دكتور زميل و صديق لي، سيفرح جدا،”
تنبهت الى انها نائمة على جانبها اليمين، حاولت القلب على ظهرها فلاحظت وجود وسادة تمنعها خلف ظهرها، قالت لها والدتها “ابقي كما انت لنصف صاعة اضافية، كنا نقلبك منذ اول يوم دخلتي به بسباتك تارة الى اليمين و تارة الى اليسار، و تارة كنت تنامين على ظهرك لنمنع ظهور اية تقرحات على جسدك،
فجأة تغيرت تعابير وجهها، تذكرت ما حدث معها و كيف ظهر لها الكائن المخيف بالمنزل، عادت اليها المشاهد و بصورة متتالية كفيلم سينمائي و هي تنتهره و هو يخرج من نافذة بيتها، و كيف بعدها دخل احمد المنزل و كيف اسعفها، نظرت بخوف الى احمد و قالت “كان منظره مخيف يا احمد، تذكرت، كنت بالمنزل و فجأة ظهر لي و كان وجهه بشعا جدا، كاد ان يعاشرني لو لا انقذتني ايات القرآن و دخولك بالوقت المناسب الى المنزل،” سال الدمع من عينيها و صرخت فجأة “لا تتركني يا احمد! اريدك بجانبي دائما!” حاولت القلب على ظهرها للنهوض و لكن احمد اعادها سريعا الى وضعها السابق، قال لها مطمئا،
“هل تعلمي اين انت؟ انت بمستشفى عسكري، انت بآمان هنا اكثر من اي مكان في الدنيا، لن يتجرأ احد للإقتراب منك، اطمئني،”
شعرت رانيا بالراحة من كلام احمد، فهدأت و مكثت بالسرير من دون حراك، قبلتها نوال على جبينها و قالت لها “اي كائن سيتجرئ للإقتراب من ابنتي و انا هنا، سامزع قلبه من مكانه لو تجرئ و دخل الغرفة، انت حبيبتي و انا لن اتركك ابدا يا بنيتي،”
نظر احمد الى نوال و قال لها “يجب ان اذهب الى الإستقبال و ابلغ الممرضات و اللواء الدكتور طلعت حمدي بأمر استيقاظها، قد تستطيع الأكل اليوم و الحمدلله…، كما ان هنالك عينات دماء اخذت منها بالأمس لفحصوت مخبرية لم استلم نتائجها منه بعد،”
اجابت نوال :الله معك، اخبرني انا و رانيا بأية تطورات،”
“اكيد يا حماتي، ساتصل بك من هاتف العربية، عندي موعد هام جدا مع مسؤلة كبيرة بوزارة الاثار، لن استطيع تأجيله لأن مواعيدها و ضغط العمل عليها كبير في هذه الفترة، اعطتنا موعد للقائها بصعوبة، الأمر يتعلق بالقضية التي اعمل عليها، موعدي بعد ثلاثة ساعات فيجب ان انطلق الآن لاستطيع الوصول الى القاهرة على الموعد المطلوب، ان احتجتم اي شيئ اتصلي بمعاون مكتبي فسيحضره لكم فورا،”
قالت رانيا فجأة بصوت مرهق “احمد انتبه لنفسك، انظر ماذا حصل لي، اريدك ان تكون سندي ريثما انهض و استعيد عافيتي، انا احبك و لا اريد لأي مكروه ان يصيبك…”
قالت نوال “لا تتكلمي كثيرا، ارتاحي،”
نظر احمد الى زوجته و قال لها “يجب ان أؤدي واجبي بالكامل فهذه القضية يجب ان تغلق و يجب القبض على المجرمين، انهم يقومون بأذية ناس كثيرون، حصلت تطورات كثيرة و انت في غيبوبتك سأرويها لك لاحقا حينما تتعافين،”
اقترب منها و قبل شفاهها بحنو ثم قال “اعدك بأنني سأمسك بهذا الساحر البشع و سأعود اليك سالما قريبا جدا، اريدك قوية و متماسكة يا رانيا، انت بآمان هنا فهذا من اكبر المستشفيات العسكرية بالمنطقة،”
اجابت بنبرة محتدة “انا شخصيا اريدك ان تغرز خنجر بقلبه و ان تقتلعه من مكانه، انا معك يا احمد على الحلوة و المُرًة فأقسمنا لبعض هذا القسم يوم زفافنا، انا خائفة عليك فقط، نصرك الله عليه، الله المنتقم الجبار مما فعله بي، حسبي الله و نعم الوكيل،”
يتبع…
(اخص بالشكر الجزيل في هذا الجزء من الرواية الممرضة الفاضلة جهاد أمين صيام على المعلومات الطبية التي وفرتها،)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى