ماذا حدث بالقاهرة سنة 88…الجزء الثالث
بقلم فراس الور
امسكت شهيرة القصبجي #التقرير الطبي بين يديها جيدا و قرأت اسطره و هي تسير بالممر بين عنابر #مستشفى #العباسية، كانت اشعة شمس الظهيرة تنساب بقوة من نوافذ بعض #العنابر المفتوحة بالممر لتنير بضيائها البهي المكان، و كان الممر يضج بأصوات #المرضى من حولها و هم يصرخون في غرفهم فكان المكان مليئ بالطاقة و الحياة…حاولت التركيز بالتقرير جيدا و بما تضمن من معلومات هامة حول حالة جديدة دخلت المستشفى بالأمس و لكن كان تركيزها يتشتت بسرعة بسبب النشاط بالطابق، فتارة كانت تسمع صوت دكتور من زملائها و هو يكلم ممرضة اثناء دخولهم عنبر من العنابر ليتابع حالة مرضية لنزيل ما، و تارة كانت تسمع اصوات لضيوف خارجون من عنبر من العنابر بعد زيارة لربما أحد افراد اسرتهم او لقريب لهم، ادركت سريعا كم ان القرأة امر صعب وسط ما كان يحدث من حولها، فكان من الضروري لها متابعة هذه الحالة الجديدة كونها مازالت قيد التقيم و حيث كانت هي طبيبة معالجة وسط لفيف كان يشهد لكفاءتها و اخلاصها بالعمل، وقفت في حيرة من امرها عن ماذا تفعل، فالنزول الى مكتبها بالطابق الأرضي كان ممكن لكن ادارة المشفى ختمت على زاوية التقرير بالأحمر كلمات “في اقرب وقت ممكن”، و هذا يعني ان الإدارة لن تتهاون مع اي تأخير بالتقيم لتحويله الى مديرية امن الإسكنديرية، شعرت بصداع فجأة برأسها فامسكته قليلا و مالت على الحائط بجانبها، كانت تتعب كثيرا بعملها و لكنها كانت تحبه، فمعالجة الناس امر كانت تُخْلِصْ له من خلال ما كانت تقدمه للمرضى كطبيبه،
فجأة سمعت صوت طقطقت نعل نسائي يملأ الطابق، كان على مسافة منها و لكنه اقترب منها بعد كل خطوة كانت صاحبته تتخذها، كانت خطوات سريعة و واثقة و كأن صاحبتها تمتلك المستشفى كلها، فجأة انتشر بالمكان عطر نسائي فواح منعش جعل الدكتورة تنتصب من جديد و تلتفت الى صاحبته، رحبت بها مبتسمة و مدت يدها و قالت “تفضلي، انا الدكتورة شهيرة القصبجي، كيف لي ان اساعدك؟”
توقفت الإمرأة و سلمت عليها و سألت بلطف “مرحب دكتورة، انا عُلا عبدالستار المليجي، ابحث عن غرفة رمضان عبدالستار؟”
نظرت جيدا الى الإمرأة التي كانت تكلمها، فهذا النزيل كان من الحالات التي تتابعها و كان كاليتيم منذ ان تم ادخاله منذ ستة اشهر، فلم يسأل عليه احد من قبل، كانت الإمرأة جميلة جدا في ريعان الشباب، كانت ترتدي تنورة سوداء ذات قصًة عصرية و قميص حرير بني اللون، و كانت ذات شعر اشقر طويل و بشرة بيضاء و عينين خضراء تشعان جمال و لمعان، كانت اطلالتها اطلالة ابنة ذوات، حتى حقيبة يدها التي كانت تتدلى من على كتفها كانت ماركة كريستيان ديور و شيالها مرصع بما بدى لها انه الماس حر، شعرت شهيرة و كأن بياض بشرتها و خضار عينيها من سمات نساء اوروبا،
احست شهيرة برهبة من اطلالة السيدة فلم تصادف ضيوف مهندمين بهذا الشكل يدخلون المشفى الا ما ندر، فاجابت بكل تهذيب،
“انه في عنبر رقم خمسة، بالممر المقابل لنا مباشرة،”
اجابت “شكرا لك،”
استدارت لتمضي في طريقها و لكن فجأة خَطَرَ في بال شهيرة سؤال عفوي قررت توجيهه لها، فسألت بحذر “لو سمحتي، هل انت زوجته الأولى،”
توقفت السيدة قليلا من دون كلام معطية ظهرها لها، انتظرت شهيرة اجابتها و لكن من دون جدوى، مرت دقيقة كاملة من دون كلام فشعرت و كأنها سألت سؤال ضايق السيدة كثيرا، اخذت نفسا عميقا و قالت “آسفة ست عُلا، ربما سألتُ سؤال ليس من حقي سؤاله،”
اجابت السيدة “انا شقيقته،”
سمعت شهيرة شهقة بكاء من علا و هي تتكلم، فسارت نحوها وستدارت حولها و نظرت اليها قائلة “و لما البكاء ست علا…”
قالت بنبرة جافة قليلا “سؤالك ليس بمحله، شقيقي ينام في السرايا السفراء ليلا نهارا و انت تسأليني لما البكاء؟”
اجابت معتذرة “ست علا لا تفهميني خطأً، لم اقصد الإساءة، و لكنه بخير، هو يعاني من صدمة مؤقتة نتيجة الظروف التي مر بها و سرعان ما سيعود لمنزله،”
انساب الدمع من عينيها و ترك خطوط سواداء من كحل المكياج على وجنتيها، اخرجت شهيرة بعض المحارم من جيب ردائها الأبيض و مسحت السواد من على وجهها، اجابت علا “شكرا لكِ، لم ازره من قبل لأنني لم استطع مشاهدته وسط المرضى و المتعبين، كنت ابكي ليلا نهارا عليه و لم اشعر انني قادرة على زيارته الا منذ فترة بسيطة،”
اجابت شهيرة متفهمة “طبعا،هذا شيئ طبيعي، فبعد ان كان رجل اعمال و ذو هيبة الذي ألمً به ليس بقليل…”
“من اخبرك دكتورة كل هذه المعلومات؟ هل كانت تزوره نسائه؟”
“صدقيني انه هنا كاليتيم، انت اول زواره، كنت اتمنى ان يزوره احد المقربين منه كي اخبره عن حاله، علمت هذه المعلومات شخصيا منه في فترات وعيه،”
“عرفتُ ما ألم به بعد فوات الآوان، فلم يخبرني في بادئ الأمر كي لا يقلقني على حاله، لو اخبرني لسندته و ساعدته و لكن حصل ما حصل بسرعة و كنت آخر من يعلم، متى استطيع اخذه الى المنزل؟”
“شهرين من الآن…علمت الكثير عن ظروفه في فترات صحوته الذهنية، فكان الهدوء نادر بحياته حينما وصل هنا، كان شبه منهار و تأتيه نوبات عصبية و يسأل كثيرا عن ماذا حل بشركته و ثروته، و لكنه مع المسكنات و الراحة النفسية هنا تحسن كثيرا، بعده عن الضغوطات قلل من حدوث نوبات الغضب التي كان يعاني منها كثيرا،”
“دكتوره اتمنى ان يريح الله قلبك مثلما اشعرتيني بالراحة عن وضع شقيقي، لساني عاجز عن شكرك، ارغب برؤيته الآن…”
قالت شهيرة مبتسمة “لا تعلمي كم وجودك سيساعدني بعلاجه، و لكن المهم ان لا تذكيره بالماضي اطلاقا، و اذا حاول فتح الموضوع غيري الحديث لأمر آخر، قد يكون ناجحا اكثر بالتأقلم مع ما حدث له بالمستقبل حينما ينعم بالمزيد من الراحة و الهدوء، لا تستخفي بشقيقك فإنه يتمتع شخصية قوية و لكن لجيمعنا طاقة تحمل، و كثيرا ما تمتحن ضغوطات الحياة طاقة تحملنا، المهم الراحة النفسية في هذه التفرة، “
“الف شكر لكِ، سنتحدث كثيرا مع بعض..”
“اكيد ست علا…”
مدت علا يدها في حقيبتها و اخرجت كرت عمل، اعطته لشهيرة و قالت “اذا احتاج اخي الى اي شيئ لا تترددي بالإتصال بي على هذه الأرقام، و على الكرت ارقام المنزل ايضا و رقم هاتف عربيتي،”
اخرجت شهيرة كرتا و نظرت الى علا نظرة ودودة و ابتسمت لها قائلة “و هذا كرت عملي ايضا، و اذا احتجت لأي شيئ من المستشفى ساخدمك فورا،”
اكملت علا بإمتنان “لا تعلمي كم ان ممتنة لك لأنك عالجت شقيقي، اذا احتجت لأي مساعدة بأي امر لا تترددي بالإتصال بي، ساساعدك بما تحتاجين، عيناي لك يا دكتوره،”
اجابت مسرورة “لا شكر على واجب، هذا واجبي…”
ذهبت علا في طريقها للجانب الآخر من الممر، نظرت شهيرة الى كرت العمل لتتعرف اكثر على السيدة، فجأة شعرت برهبة كبيرة مما كان مكتوب عليه، لم تصدق نفسها مع من كانت تتكلم، كان مكتوب عليه “علا المليجي نائب وزير السياحة و الأثار، دكتورة في التاريخ و المصريات،”
قالت بصوت منخفض من شدة صدمتها “الحمدلله انني التزمت قمة الأدب مع هذه الشخصية، فلو كنت ضايقتها لكانت سلخت جلدي و نقلتني الى مشفى آخر بعيد عن مسكني،” وضعت الكرت في جيبها و قالت في ذاتها و هي تسير نحو غرفة مراد مهران “لا أضمن الظروف، فقد احتاج مساعدتها في يوم من الايام، يجب ان أطمأن على وضع ضيفنا الجديد، فقد يكون على علاقة بأصحاب نفوذ هو ايضا، يالهوي…يا لهوي…يا لهوي…تأخرت بكتابة تقرير التقيم…”
كان رمضان عبدالستار ينعم بحياة مستقره باحد احياء القاهرة، و كان ميسور الحال و صاحب شركة تجارية تعمل بمجال الإستيراد و التصدير، الا انه و لسوء الحظ كان متزوج من إمرأتين حولتا حياته الأسرية الى جحيم، فعرفت بالصدفة امرأته الاولى انه قد تزوج عليها و ابتدأت المشاكل بالظهور بحياته، و اصبح رويدا رويدا الشجار مصير كل زيارة لزوجته الأولى في كل يوم الى ان اعتكف عن رؤيتها و قرر هجرها و تطليقها و العيش مع إمرأته الثانية، و لكن زوجته لم تتركه و شأنه فكانت تتصل به بصورة متكررة بسبب المصروف المتزايد لولديهما، و رفعت عليه القضايا بالمحاكم لتطالب بحقوقها، حاولت مرارا و تكرارا اقناعه ليترك الثانية و يعود لها، و لكن لم تفلح محاولاتها، و في يوم من الايام و الغيرة تغلي بدمائها بسبب النكسة التي اصابتها أجًرَتْ خدمات بلطجية و قاموا بزيارة زوجها و هو بمنزله مع زوجته الثانية، و قاموا بضربه هو و زوجته و ارغامه تحت قوة الإجبار على التوقيع على ورقة بيضاء، و كانت النتيجة انه دخل مستشفى مع الثانية ليتعالجا من اثار الضرب، و حينما حاول تقديم شكوى لمديرية الامن لم يستطع اثبات شيئ على زوجته، فانكرت كل التهم الموجهة اليها و لم تفلح الشرطة بإيجاد البلطجية الذين قاموا حتى بهذا العمل، و بين ليلة و ضحاها وجد نفسه بالشارع لا يملك قرشا بجيبه، فقامت زوجته بقوة القانون بطرده من العقارت التي كان يمتلكها و شركته، فاصبح ينام على الأرصفة و يستعطي من مارة الشارع ليشتري طعامه، و حتى زوجته الثانية تخلت عنه بسبب افلاسه المفاجئ، و فجأة بات يصرخ كالمجنون بالشارع و يدخل المحلات ليستعطي و يطلب طعاما له، و فقد السيطرة على تصرفاته مما ازعج اصحاب المحال بالشارع الذي كان يستطعطي به، فما كان بهم الا و طلبوا له الأمن لينقلوه من الشارع،
نزلت الأدراج الى الطابق الأول و توجهت نحو العنابر يسار الطابق، سارت في الممر فانتشرت من حولها رائحة طلاء ممزوجة مع مشتقات نفطية، فقد تم طلائه من جديد بالكامل باللون الابيض، و كان مؤلف من ستة عنابر كل عنبر يتسع الى سبعة نزلاء و لكن كان خاليا تماما بسبب الرائحة، هبًتْ من حولها نسمات نشطة فكانت ابواب العنابر مفتوحة و نوافذها لتهوية المكان من رائحة الطلاء، شعرت بشعرها الأسود الطويل يتمايل مع هبات الهواء فوصلت الى العمل اليوم متأخرة بعض الشيئ و لم تستطع ربطه و ترتيبه بسبب قلة الوقت في الصباح بالمنزل، توقفت قليلا و خلعت قبعتها البيضاء و امسكته و عقدته عقدة دائرية بنجاح ليستقر في خلف رأسها، كان الهواء نشطا جدا في الطابق فإرتجف جسدها من برودته، ارتدت قبعة التمريض مرة آخرى و اغلقت ردائها الأبيض جيدا بالأزار، شعرت بالدفئ يعود اليها من جديد و توجهت الى عنبر رقم 1، توقفت امام باب العنبر فكان مفتوحا بعض الشيئ، امسكت ورقة التقرير لتطالعها قبل الدخول فاستطاعت التزكيز اخيرا بسبب الهدوء الذي كان يُخَيٍمْ على المكان، فوصل مراد الى المستشفى بحالة عصبية منهارة مما استدعى وضعه بغرفة عزل خاصة حيث كانت حالته ستشكل خطرا على المرضى الآخرينٍ، كان يهذي و يصرخ بعبارت غير مفهومة عن امرأة كانت تتنقل بجانبه بعربيته، تم اخذ بيناته من تقرير مديرية امن الإسكندرية حيث تعذر على الدكتور امير عكاشة مدير الوردية الليلة بالمستشفى التفاهم معه نظرا لحالة الهياجان التي عانا منها و التي استدعت تكتيفه بسترة خاصة، تم اعطاءه حقنة منوم و اخذ عينة دماء منه اثناء نومه للفحوصات المخبرية و رُفِعَ هذا التقرير لها كأخصائية، و إعْتُبِرَ هذا الكتاب بمثابة طلب رسمي لها للبدء بمراحل تقيم الحالة لرفع التقارير اللازمة لمديرية امن الإسكنديرية، و كانت المستشفى سترفع نسخة من الفحوصات المخبرية للدكتور يوسف الكيلاني مدير وحدة الإدمان بالمستشفى في حال ثبوت وجود اية مواد مخدرة بدماء المريض،”
“و ما الجديد؟ كانت حالة تشبه حالات كثيرة كانت تعاينها و تشرف على علاجها بالمستشفى الذي كانت عنابره تفيض بالمرضى المساكين، اخذت نفسا عميقا و قرأت ما يهمها بالتقرير و فتحت باب الغرفة، كان مراد جالسا في السرير و بيده ورقة و قلم رصاص، كان يرسم رسم شبيه بإنسان و حيوان حينما دخلت و اقتربت منه، نظر لها بوجه خالي من التعابير و سألها “هل ستعطوني مسكنات اضافية؟، اخذت الدواء ايتها الطبيبه، “
ابتسمت له و اجابت “لا، فانت وضعك جيدا حاليا، انا الدكتورة شهيرة القصبجي…”
اجاب بإرتياح قليلا “انا مراد مهران،”
توجهت الى نافذة الغرفة و فتحتها اكثر لتخرج منها رائهة الطلاء، فقالت “نعتذر عن امتلاء العنابر الباقية، فلذلك وضعناك هنا و عذرا على رائحة الطلاء،”
“تسببت لي بالدوار قليلاً و لكن حسنا،” فجأة اشار بيده الى جانبها “قولي لها ان تخرج خارج الغرفة،”
نظرت حولها قليلا و اجباته “من هي، الا ترى انني اقف بمفردي امامك،”
اجاب بخوف “هي تقف بجانبك، قولي لها ان ترحل من غرفتي، انها تضايقني كثيرا،”
ابتسمت و كادت ان تضحك، نظرت الى حيث كان مراد يؤشر منذ قليل و امرت “اخرجي من هنا، هي انا آمرك، فمراد يريد ان يرتاح،”
مرت خمسة ثواني انتشرت فيها بالغرفة نسمة نشيطة وفجأة تحرك باب العنبر من مكانه و أُغْلِقَ بعنف، ارتجف جسد شهيرة من قوة صوت الباب فشعرت و كأن يد خفية اغلقته فجأة، تجمدت الدماء في عروقها من الموقف و نظرت الى مراد برهبة، فامتلأ وجهه بالخوف من الحادثة، تمالكت نفسها رغم الخوف الذي شعرت به و حاولت الإبتسامة و قالت “ها ضيفتنا خرجت، انا الطبيبة المسؤلة و اعدك انها لن تعود اليك…هل نستطيع التكلم مع بعض قليلا،”
فكرت في ذاتها و هي تسير نحو سرير مراد “الريح كفيلة لتغلق الباب، و لكن لماذا حدث هذا فورا بعد ما قلته بالغرفة،”
نظر الرائد عبدالعزيز السويفي الى الصور التي علقها على الحبل امامه منذ قليل في الغرفة المظلمة، فحمض النيجاتيف الذي اعطاه اياه اليوم المقدم احمد عبدالسلام بنجاح تام، كانت تتوضح محتوياتها رويدا رويدا بعد ان غسلها بحوض الماء واحدةٍ تلو الآخرى، كانت الصور ابيض و اسود و كانت لأرض صحراوية عليها اثار حُفَرٍ صغيرة متتالية و كان بجانبها اثار لما بدى له انها من صنع دواليب او ما شابه لها، كانت الحفر صغيرة و كأنها لحوافر خَيْل و كانت على امتداد الأرض الصحراوية بالصور، لم يفهم محتوياتها كثيرا و لكنه تابع بفضول ما تضمنته الى ان بقية صورة واحدة لم تظهر محتوياتها، استغرب من الأمر فلم يخطئ بخطوات التحميض إطلاقا، نصف الفيلم كان للأرض الصحراوية و نصفه كان لمناسبة اجتماعية لأشخاص لم يعلم من هم، ابتسم لنجاح مهمته و خرج من الغرفة و اغلق الباب ورائه بهدوء،
كانت غرفة التحميض عبارة عن غرفة صغيرة داخل غرفة اكبر فيها طاولة كبيرة مربعة الشكل عليها ثلاثة مجاهر علمية و بعض من اجهزة التحاليل الطبية، و كان فيها اربعة خزائن مليئة بالمتسلزمات الطبية التي كان فريقه يحتاجها في عملهم بالمعامل الجنائية، كانت الغرفة اشبه بالمختبر العلمي و فيها اجهزة عديدة و مكتب كان عبدالعزيز يجلس عليه لإتمام تقاريره التي كان يعدها، توجه الى مكتبه و جلس عليه و امسك الهاتف، طلب مديرية امن الإسكندرية و طلب من مامور المقسم ان يحوله الى مكتب احمد عبدالسلام، انتظر لدقيقة لكن من دون جدوى، فلم يجبه احد، اغلق سماعة الهاتف و قال في ذاته “حسنا يا احمد، سأعطيك الصور حينما اصل الى منزلك الليلة، لا بأس من هذا، نظر الى ساعته فكانت السادسة مساءا، استغرب كيف مضى الوقت سريعا من دون ان يشعر فكان متأكد انه لم يمكث بالغرفة المظلمة طويلا، فجأة تذكر انه دخل الغرفة بالرابعة، كان متأكد حيث نظر الى ساعته حينها و كانت الرابعة…نظر مرة آخرى الى ساعته ظنا نه انها معطلة و لكن كان عقرب الثواني يعمل بها، نظر الى ساعة الحائط بمكتبه فكانت تشير الى السادسة…شعر بعدم راحة فجأة اذ لم يشعر بأنه جلس كل هذه المدة بالغرفة المظلمة…
فجأة سمع صوت ماء ينسكب بالغرفة المظلمة، نهض بسرعة و جرى نحوها، فتح باب الغرفة و اشعل الإنارة فيها، كان كل شيئ على ما يرام، و لكن فجأة انقبض قلبه و تملكه شعور غريب بأن هنالك امر ما، لم يدرك ما هو في بادئ الأمر و لكن فجأة صرخ من الصدمة حينما رأى وعاء الماء فارغ تماما، نظر الى الارض فكانت جافة ، صرخ قائلا “اين ذهب الماء!”
نظر الى حبل الصور فكانت جيمع الصور عليه، فجأة نظر الى الصورة التي تأخر ظهور محتواها، فكان عليها كائن مريب الشكل يقف فوق اثار حوافر خيل شبيه بالتي تكررت بباقي الصور، كان اشبه بالحيوان و كان يظهر بالكامل فيها، كان رأسه رأس ثور و له فم و انف ثور و كان له قرنان طويلان على جانبي رأسه، كان وجهه بشع المعالم و كان له جسد انسان من الأعلى، كانت يديه لإنسان و كان الشعر الكثيف يغطي جسده، نظر اليه بتمعن فكان مظهره مرعب كشيطان و هو ينظر اليه من الصورة، تحركت عيناه بالصورة و هو ينظر اليه فصرخ عبدالعزيز من الصدمة بالغرفة، فرك عينيه بيديه اعتقادا منه بأنه مرهق من العمل، نظر الى الصورة من جديد ليراى محتواها فارغا كما قبل،
ثقلت ارجل عبدالعزيز من الرعب، فكان هنالك امر مريب بالغرفة، توجه الى وعاء الماء و وضع يده فيه، كان فارغ تماما من الماء، نظر مرة ثانية الى الارض فكانت جافة، سال الدمع من عينيه و ابتدأ بالبكاء كالأطفال، شعر بأن هنالك من يراقبه من الخلف، نظر الى الصورة المريبه ليتأكد مما رآه منذ قليل فكانت فارغة من محتواها، فكر في ذاته و جسده يرتجف من الخوف”اين ذهب، كان ينظر الي،”
مد يده ليلتقط الصور عن الحبل فتقدم الكائن من الخلف و امسك يده، نظر عبدالعزيز الي يساره و صرخ من الرعب من منظر الشيطان الذي انتقل من الصورة الى يمينه، كان طوله متران و شعر بزفيره القوي على يده، شعر عبدالعزيز ان يده عبارة عن فولاذ و هي تمسك به، تحول صراخه لعويل و الكائن بجانبه، فجأة اشتعلت نار احاطته بالكامل و ابتدأت بحرق عبدالعزيز، صرخ باعلى صوته “من انت! اتركني و شأني!”
نشبت النيران بجسد عبدالعزيز ليصرخ من شدة الألم، سمع زملائه يطرقون باب مكتبه بقوة و يندهون اليه ليفتح الباب و لكن من دون جدوى فاستمرت النيران بإلتهام جسده، فجأة تركه الكائن بعد ان شوًه جزءا من جسده و قال له “ابتعدوا عن كنوز الملكة!” و اختفى من المكتب، شعر عبدالعزيز بآلآم شديدة تمزق جسده، نظر الى يده و صرخ بلوعة شديدة من منظرها فكان جلده مشوه بالكامل من النيران، تمكن من السير ببطئ نحو الباب الذي كان زملائه يطرقونه بقوة، فتح الباب و صرخ من اوجاعه “اسعاف ارجوكم!” ثم ارتمى بحضن زميل له و فقد وعيه،