عندما يحاربون الفرد بذريعة “الإنسان في خدمة الدين”، وليس العكس ان “الدين في خدمة الإنسان”، فهم بكل رحابة صدر يجردوننا من فكرنا وعقلنا وإنسانيتنا.
فكيف نبرر قتلهم واستباحتهم لدماء الأبرياء والمدنيين والمفكرين؟ نعم، يقتل ويستبيح الدماء باسم الدين ورفعة الإسلام وإقامة حدود الله على الأرض. ثم ماذا؟ يتوضأ ويصل ركعتين لنيل استرضاء الله! وفي كل مكان، وعلى المنابر، يقف مناصريهم يشتمون التطرف والإرهاب ويرفعون أيديهم شكرا لله!
انه الجهل المتوارث، وضغينة في نفس سفاح، والبعد عن روح الإسلام وجوهره.
يحاربون الباحث والمفكر والكاتب، بألسنتهم وسيوفهم الصدئة.. يريدون مرضاة الله بقتل العزل والأطفال والرضع! النبيه الذي يمد عنقه خارج الطريق المعتاد، ساعيا لإحداث تطور المجتمع والفرد والدولة، يقابلونه بالقتل والإقصاء والتكفير!
الفكرة النبيلة يقابلونها بالرفض.. باختلاف النباهة الفكرية بين الأفراد، فنحن أمام فكر إجرامي خطير يطبقونه بكافة الوسائل والإمكانيات المتاحة، الجامعات والمناهج الدراسية والكتب والندوات والنقاشات؛ نماذج يتخللها الحقد والكراهية والإقصاء والتنكيل!
ماذا تبقى لنا؟
سؤال مشروع يعبر اليوم عن حاجتنا لفهم الأفكار بعمق متوازن، ورؤية واضحة، بعيدا عن تجليات “مفسدو الأرض” بنشرهم سموم الفتنة والتطرف بين صفوفنا- الصفوف التي إذ لم تكن حاضرة الذهن في موقف من المواقف، لن يكون باستطاعتها الوصول إلى بر الأمان والتطلع بما يخدم الإنسان والإنسانية.
كم من المفكرين قتلوا في سبيل وصول أفكارهم ومواقفهم إلى العالم؟ التاريخ يشهد للكثير من الشعراء والمفكرين قتلوا بذنب أفكارهم وحريتهم. الشاعر الاسباني “لوركا” نموذجا لإنسان كلفته حريته ان يعدم حيا بالرصاص!
ثمة فرق كبير بين من أراد الإصلاح والتنوير واكتشاف عجلة الإصلاح، وبين الذي يكفر الآخر ويجعل من نفسه آلها في الأرض، فالأول يقدم ذراعيه في خدمة الدين والإسلام والإنسانية، والآخر يقف عائقا أمام التطور والتحديث والقفز على أخطاء الماضي. ” الروح والجوهر” هما المدخل الوحيد لفهم الإسلام. أسين لا ثالث لهما -كما أعتقد- في معالجة مشكلة الفهم والأفكار في العالم الإسلامي، الاهتمام بما ورثته الأمة من تعاليم وتقاليد”أكل عليها الدهر وشرب” يعطلنا في هذا الوقت من مواصلة الدرب الذي نحلم ونتوق في الوصول إليه.
تبقى لنا معرفة أنفسنا في غياهب هذا الكون الجميل، تبقى لنا قبول الآخر والتعايش في محبة وألفة، تبقى لنا فهم ما يراد بنا. الاختلاف لا يقضي بقتل الأبرياء والعزل، التحليل والتعبير والتسامح كل ما تبقى لنا في الاستبصار والتعايش بفاعلية وتطور.
النقد والمعالجة مفاتيح النجاة للفرد والمجتمع.
هي مجرد صرخة في ليل طويل، وصلت مسامعها أصحاب المواقف الذين يطمحوا بما أراني أطمح إليه..