ماذا أعددنا للعام الدراسي المقبل؟

ماذا أعددنا للعام الدراسي المقبل؟
ذوقان عبيدات
*

عشنا أزمة كورونا في نهاية العام الدراسي، وتنازعنا أفكار مثل: هل نجحنا في إنقاذ العام الدراسي؟ هل وفرنا تعليما ناجحا عن بعد؟ هل قدمنا امتحانات عادلة؟ ماذا عن التوجيهي؟ وكانت جميع الأسئلة حول كيف نقيم طلابنا بدلا من كيف نعلم طلابنا؟ حصلنا على نكات عديدة حول إجابات أم محمد وقدرات أم ليلى، ولكن وزارة التربية وأعني وزير التربية – مضى وحده، وخلق بيئات تعلم جديدة، وقيم تعليمية جديدة، وحشد خبرات عديدة، وأنا هناك لا أسأل هل كان العمل ناجحاً، أو ما درجة نجاح العمل؟ بل اهتمامي هو:
ما الخبرات التي اكتسبناها؟ وكيف نراكم عليها؟
تغيرات وهمية أم حقيقية
قلت في أكثر من حديث، إن الأزمة التي واجهناها قد أحدثت أضخم تغييرين في الأردن:
الأولى: هو تنامي ثقة المواطن بالحكومة، وأجهزتها.
وصرنا نسمع غزلا بالصحة ووزيرها، وبلجنة الأوبئة ونذيرها، وبالتربية والإعلام ووزيره، وبالجيش، والأمن ومديرها. وبالأجهزة الأخرى: أمنية وغير أمنية.
هذا الغزل توقعنا أن يستثمر ويستمر، بل يتراكم ليكون إرادة الدولة في مواصلة التغيير.
والثاني: هو قوة الدولة والقانون بما يسمح للدول من وضع خطط جديدة يمكن أن تمر دون مقاومة، فالتعليم مثلا أكثر أعداء التغيير، ومن يحمي التعليم هو المجتمع بقيمه وتقاليده، مدعوماً بمعلمين لم يؤمنوا يوماً بضرورة التغير، وليس سرا أن نقول: لقد تقدمت جميع المهن والأعمال في أدواتها ومناهجها وعامليها في حين بقي التعليم كما هو قبل ألفي سنة بنفس الهياكل ونفس الأدوات ونفس المعلمين سواء في الأردن أو العالم.
جاءت الأزمة وأجبرت الجميع على قبول قيم جديدة وأساليب جديدة وشكل جديد اصطلح على تسميته بالتعليم عن بعد!! اعتمدت الوزارة –الوزير- هذا الشكل حلا للأزمة، وفكرت فيه تطويرا للتعليم في ظل بيئة قابلة لهذا التغيير!
هكذا تغيرت ظواهر الأمور، وأخذ من برز في الأزمة أوسمة ملكية تشير إلى قناعة الدولة بأهمية التغيير ولو في مناخ الأزمة! وعودة إلى التغيير، سواء كان تربوياً أو غير ذلك، فإن فرضه من سلطة، لم يكن كافياً وفرضه من وزير ليس كافياً، ولذلك كما تلاحظون قلت الوزارة – الوزير – وهذا ما يجعل التغيير أكثر صلة بالتغير المؤقت أو الوهمي الذي سرعان ما يزول، فالتغيير الدائم يحتاج منهاجاً وقيماً جديدة كان بالمقدور إبرازها في مترتبات ما مررنا به من أزمة.
القيم الجديدة والقيم القديمة
كان أملنا أن الأزمة – التحدي – سوق يخلق فرصاً وآفاقاً جديدة من خلال بروز قيم جديدة فما هذه القيم؟
تراجعت قيم الاتصال المباشر، والتفاعل، والحوار لصالح قيم التفكير والعمل الفردي والتأمل، وقد أثر هذا التراجع على قيم المنزل والمدرسة:
ففي المنزل، تراجعت قيمة المنزل- المسكن-إلى المنزل – العمل. وصار المنزل بيئة الدراسة، وغرفة النوم مكتبا، والتلفزيون درسا، والهاتف مجتمعا تعليميا متكاملا.
وفي المدرسة، تغيرت وظيفة المكان، ولم تعد مكاناً عاماً، او غرفة صفية أو ملعباً أو مكتبة. وتغير دور المعلم الذي صار يأتي إلى المدرسة للإعداد وليس للتنفيذ.
تغيرت قيمة المعلم ودوره ومزاياه، فلم يعد المعلم الجيد هو من يدير الصف ويضبط الهدوء، بل المعلم الذي يمتلك مهارات الجذب والتنوع والتجدد والحفز.
إذن تغيرت قيم، وتراجعت قيم، وزادت أهمية قيم، فما الذي ترتب على ذلك في نظامنا التربوي وعامنا الدراسي القادم؟
بماذا انشغلنا؟
تعليميا، خضنا معارك حول بدء العام الدراسي القادم: متى وكيف؟
وهذا ليس خطأ، فالصحة وبروتوكولاتها ضرورة “ناقشنا مواعيد البدء، وقدمنا أوراق عمل، وعقدنا ندوات، وكانت التوجهات كلها: لماذا لا ننتهز الفرصة ونحدث النقلة المطلوبة من:
التعليم المباشر إلى التعليم المدمج والمعكوس.
دوام للطلبة على يومين أو ثلاثة.
الحاجة لبناء مدارس إلى استثمار الأبنية القائمة.
نقص المعلمين الجيدين إلى معلم جيد واحد يدرس آلاف الطلبة.
وكان الأمل أن تختار الوزارة هذه التوجهات أو بعضها على الأقل، انشغلنا بهذه النقلات، ولكننا قررنا أن يكون الدوام عادياً كما كان منذ آلاف السنين: طلبة يأتون يومياً، يتعلمون في المدرسة ويذهبون إلى بيوتهم، وكأن شيئاً لم يكن.
هكذا، فكرنا في التعليم عن بعد وقررنا التعليم عن قرب، ومع ذلك لم نفعل شيئاً، لا للتعليم عن قرب ولا للتعليم عن بعد.
رجع الحنين إلى التعليم عن قرب
تمت آلاف المقالات والدراسات حول نقد التعليم عن قرب، وقيل:
إنه تلقيني، يمارس المعلم فيه دور الملقن دون تفاعل ولا تفكير.
إن بيئة التعليم الصفي مزدحمة.
إن البناء غير مناسب.
إن المعلمين المؤهلين نادرون.
إن المناهج مزدحمة.
إن جزءا من الوقت يضيع في إدارة الصف.
وأخيرا، التفاعلات الطلابية هي تنمر وعنف وحتى عصابات.
وفجأة نسينا كل ذلك، وقلنا لا بد من التعليم عن قرب ولا بد من التفاعل، فالمعلم صار رحيماً وموجهاً وحنوناً، والتفاعلات كلها ضرورية، وهكذا انتصر الحرس القديم، وعادت الأمور إلى طبيعتها: طلبة يجلسون ويستمعون إلى المعلم. وهذا هو أساس التعليم.
نعم عدنا إلى النظام القديم، وسقطت كل الدعوات ولم نستثمر في تحديات الأزمة سوى النزر اليسير.
عدنا إلى التعليم القديم ولم نفكر إلا بالمبدأ ودون أن نفكر بما يجب أن نفعل! فماذا يجب أن نفعل؟
تطوير التعليم
حين قررنا العودة إلى النظام التعليمي القادم، كان علينا أن نفكر بما يجب فعله لبدء عام دراسي جديد، لكن بأفكار جديدة:
لم نسمع عن خطط لتنمية مهارات المعلمين وتحسين أدائهم وإنجازهم.
ولم نسمع عن خطط تحسين البيئة المدرسية وجعلها جاذبة آمنة مثيرة.
ولم نضع خططاً لتنقية المنهاج الخفي وجعله داعماً للمنهاج وليس مناقضاً له.
ولم نقدم فكراً جديداً لمديري المدارس.
والأكثر من ذلك، لم نحدد أهدافنا للعام القادم! ولم نجب عن الأسئلة الآتية:
ما التغيرات التي سنحدثها في مناهجنا وأدواتنا واستراتيجيات العمل التعليمي؟
ما القيم الجديدة التي سنسعى لتحقيقها هذا العام؟
ما التغيرات التي سنحدثها في بنية العلم؟
ما العلاقة التي سننظمها مع المجتمع؟
ما العلاقة الجديدة مع الأسرة؟
لا أعتقد أن هذا يخفى على أحد، ولكن كان اهتمامنا هل ندرس عن بعد أم ندرس عن قرب؟ ولذلك عدنا إلى ما كنا عليه تحت شعار: يا جبل ما يهزك ريح!
أو الحجر بمطرحه قنطار، عدنا دون أن نراكم خبراتنا ودون أن نتطور في تفكيرنا.
التعليم عن بعد ليس حلاً لأزمة التعليم في عهد كورونا بل هو حل لمشكلة التعليم – المعمرة – منذ آلاف السنين، وبذلك يجب أن يكون خياراً دائماً.
وهكذا! لم نفكر في التعليم عن بعد ولم نفكر في تحسين التعليم عن قرب!
المطلوب قرار دولة بالإدماج على الأقل أو التوجه نحو التعليم المقلوب أو التعليم المدمج. إن نقص الأجهزة والانترنت يمكن أن يعوض في ثمن قطعة أرض لبناء مدرسة أو في ثمن بناء مدرسة صغيرة.
المطلوب وضع بنى للمستقبل وليس العودة إلى الماضي وهذا يقتضي توجهاً وطنياً لا توجهاً لوزارة التربية فحسب!!
المطلوب أن ترى المستقبل! معلم واحد يستطيع تعليم مئات الآلاف من الطلبة، لا مستقبل للجامعات، ولا المدارس التقليدية.
هذه مؤسسات قد تختفي خلال أقل من عشرين عاماً!! فلماذا لا نستعد لهذا المستقبل، التعليم المباشر لكل أدواته ستختفي قريباً، فهل نرى استراتيجية وطنية للتربية قريباً!؟؟
*خبير تربوي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى