ماذا…لو؟
#جمال_الدويري
لم ولن أكتب من أجل الكتابة والريع والمكتسبات والألقاب والأوسمة والنياشين، ولم ولن لأن هذه وظيفتي ومهنتي ونبع حناني، ولكنني بين ماضٍ من الزمان وآت، بين صحوي وسباتي، بين حلمي وكابوسي، أحس، أشعر، أحيا أموت، وتتزاحم بي وتتسابق الأفكار والمواضيع وذكريات النكبات والنكسات، وتختلط عليّ الأشياء والأيام والخيال والواقع والضغوطات، حتى أجدني مضطرا للتنفيس، بهذه اللغة التي تشبه البرقيات وتفتقد للمباشرة والوضوح، لا مادحا ولا قادحا، ولا منافقا أو فاضحا، ولا خائفا من قهر أو سجن أو زوار الفجر وباقي الاوقات، ولكن لأنني بالفعل ما عدت أدرك من أنا ولا أين أنا، ولما أموت خوفا على وطني وأهلي والشباب الذي يولي وطنه الأدبار.
مشتت صاحبي في داخلي مثلي، مرتبك مهزوز أنا تماما مثل صورة مرآتي، وسوف أكتب اليوم بهذا الأسلوب البرقي غير المباشر، وأعرف تماما أن كل من سيقرأني من السيدات والسادة والمسخمطين المشحرين لديه شيفرة برقياتي، ومن الفطنة الكثير ليفهمني ويدرك لماذا أقول ما أقول.
ماذا لو أخذ المسؤولون في وطني بالضابط والمحدد الأهم لمعنى المسؤولية بعنوان: كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته؟
وآخر: والله لو عثرت شاة في العراق…؟
وأن المنصب تكليف لا تشريف وسكر خفيف؟
وأننا سواسية كأسنان المشط؟
وأن الانسان أغلى ما نملك؟
وأن الولاء والانتماء ليس بحجم العلم والدبكة والسامر، بل بمعانيها؟
ماذا لو اعترف مسؤولونا بخطوط الفقر والموت والكرامة وجعلوها خطوطهم الحمراء؟
ماذا لو…أدركوا وعملوا بوحي من ضمير وعقيدة ومبادئ وثوابت ملهمة ينير وحيها كل عتمة ويبدد كل لُبس؟
ماذا لو…فهموا النكبة والنكسة والوكسة مجردة كما هي، بلا تزويق ولا تدليع ولا تحريف ولا تنظير ولا أحمد سعيد ومعلمه، وغيرهم من رموزها ومهرجيها؟
ماذا لو…لم يتجمدوا أصناما عند القادسية واليرموك وما شابه، وتعلموا من دروس رُماة أحد وسقطة محمد الصغير، ورهن الإرادة والأوطان وضياع فلسطين وغيرها لحساب عصابات لا تساوي قشرة بصلة؟
ماذا لو…صاروا خير أمة أخرجت للناس، ولم يتوقفوا كثيرا عند كنتم؟
ماذا لو…أدركوا أن الشعوب بحاجة ماسة لأكثر من الخبز والشاي؟
وأن من صنع طناجر الضغط لم يزودها بالصافرة عبثًا او جهلًا؟
وأن من يبيع فدّانه وسبب لقمة أولاده ليقول: اسمر يا حبيبي، لن تعنيه وتردعه كل قوانين الجرائم الاليكترونية، ولا تأكل معه مقولة: لا أسمع لا أرى لا أتكلم، ولا: حط راسك بين هالروس وما شابه؟
ماذا لو…فهم مسؤولونا الحكمة المطلقة وعملوا بها: إن كِبر شعبك خاويه، وان جاع طعميه، وان مرض داويه، وإن أُحبط انفحه بعض الأمل؟
ماذا لو…استدركوا الجمر تحت الرماد، وفهموا معنى أن يرى الشباب أن رحلة الغربة والضياع وربما الموت، بين عمان ولندن والمكسيك وبلاد سام، هي الأمل الوحيد المتبقي لهم ليحلموا بغد أفضل وزوجة وأطفال وبطاقة صراف وبنطال جينز جديد؟
وماذا لو…أفهموا شبابنا أن الوطن أكبر بكثير من هامبورغر وبيتزا وتابوت قد لا يجدونه للعودة الى بلادهم الأولى؟
ماذوا لو أقنعوني أنه قد طال هذياني وأثقلت على من سيتعثر بهذا الهذيان وصفير طنجرتي، وبات لزاما عليّ التوقف وجرّ النفس، لأعود ذات هذيان جديد وحلقة أخرى من: ماذا لو؟
حماك الله أيها الأردن العظيم.