مادة 308 في ميزان أردني
لن يجيبك أي انسان سوى بلا عن سؤال مفاده: «هل تؤيد زواج المغتصب من المغتصبة و افلاته من العقوبة؟»، وهو السؤال الذي دأبت المؤسسات والشخصيات المؤيدة إلغاء المادة ٣.٨ على طرحه، فالجريمة من القبح بمكان لن يكون فيه خيار الا مشددة ومفخمة تثبت موقفك بما لا يدع مجالا للشك عند السائل.
الا أن هناك طريقة لصياغة الاسئلة وانتقاء المفردات توجه الاجابة وتحدد المواقف من النتيجة بل سلوك المسؤول واتجاهاته وهي نظرية غوبلز في التأطير والخيارات المحددة فسؤال كالسابق ليس فيه اختيار من متعدد والمسؤول يريد أن يفلت من جرم اقرار جريمة مروعة حتى لا يخرج من ربقة الانسانية، وعلى المجيب بنعم أن يتحمل تصنيفه في المعسكر اللاانساني وما يلحقه من هجوم ووصم!
سؤال نظري محدد لا يوفر سياقا ولا يناقش واقعا، انه ينتظر اجابة سريعة ليبني عليها موقفا او احصائية تساهم في رسم السياسات الأكبر وتوجيه الاراء.
هذا جزء من مشهد الغاء المادة ٣.٨ من قانون العقوبات التي سميت بتزويج المغتصب وان كانت لا تحمل هذا الاسم في صياغتها لتزيد الظلال السلبية لجريمة مفزعة لا خلاف عليها الا أن مشهد الالغاء لم يكن وليد اللحظة الراهنة بل جهود سنين لمؤسسات المجتمع المدني والاعلام داخليا يعضدها ضغط أممي لعولمة قضايا المرأة والطفل والأسرة كان له أكبر الأثر في نتيجة الالغاء، غير أن الغاء هذه المادة تحديدا سبقه تموضع ربما لم يشهده الأردن الا قليلا بين فريق نصَّب نفسه ناطقا بحقوق الانسان والتقدم والتنوير وهذا يستلزم أن من يناقضه ظلامي ومتخلف وغيرها من صفات الرجعية التي تسقط موقفه في ميزان أي مراقب لا يرى الا الصورة السطحية.
هذا الفريق يملك صوتا عاليا ومؤثرا في المنصات العامة ومواقع التأثير والتواصل الاجتماعي وجاء الدعم الحكومي الموجه ليعطي ختم الموافقة والتمرير بكلمة لرئيس الوزراء لتوجيه مشهد التصويت.
غير أن الكواليس تحمل قصة أخرى عن اللجنة القانونية في مجلس النواب التي عملت بدأب وجهد لم تقدمه ربما لأي قانون قبله ناهيك عن مادة في قانون وحرصت على الاستماع لآراء الجميع لتخرج بنتيجة قدرت انها ستكون أكثر تعاطيا مع الحالات على واقع الأرض التي تؤكد بالارقام ندرة حالات الاغتصاب، وتكون أكثر تدرجا و تأهيلا للبيئة و التشريعات نحو الالغاء التام لذا فموقفها كان مبررا ومدعوما بالارقام والحالات وتجارب الدول الاخرى التي استندت إليها في تعديلها.
فلماذا اذن صوتنا مع الالغاء؟ اهو استجابة للضغط العام وبالذات من مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات النسوية ومحاولة للظهور بملائكية وكسب رضى فئة من الشارع؟ أهذا ما يجب أن يوجه ضمير المشرع؟ أم أنه موقف مبدئي تجاه قضايا لم يقدم لها تعديل اللجنة اجابات او حلولا شافية لأسئلة: هل يمكن ان نكافئ من اقترف الجريمة سواء أكانت اغتصابا حقيقيا ام مواقعة بالتراضي وهل نجيز ونفتح بابا للزنى ثم نقبل بالتصريح بالرضى لنتم الزواج ونستر على الطرفين وكأننا نرسل رسالة لسلوك هذا الطريق لمن لم يسر في دروب النور والقبول من العائلة؟
هي جريمة ولا يمكن أن نخرج منها بمكاسب ولكن نستطيع أن نوجه قرارنا نحو تحقيق أخف الضررين وأهون الشرين واغلاق باب لا يمكن المهادنة فيه ولا ابقاؤه مواربا غير أن المأساة لم تنته بإلغاء المادة ٣.٨ فهناك اجراءات لا تقل أهمية في الوقاية الاستباقية لمنع حدوث الجريمة وهنا يتصدر دور وزارة الاوقاف والتربية والتعليم و الاعلام في التوعية الدينية والاسرية بحملات متتابعة لا تقل عن حملات التحشيد لإلغاء المادة حتى لا نصل الى الجريمة ابتداء وان حدثت فلا نفاقمها ونجعل من الضحايا مجرمين موصومين بعار لا يفارقهم بغير ذنب، واجراءات للتقليل من المأساة عند حدوثها بتأهيل دور الايواء للتعامل مع الضحايا واسرهن واعادة دمجهن في المجتمع وتعديل القوانين بما يتناسب مع الشرع للحد من مأساة مجهولي النسب، بدون هذه الاجراءات ستكون الحكومة كمن يتحضر للفشل ومفاقمة الاوضاع ناهيك ان عين الحكومة يجب ان تكون على نتائج تطبيق القانون على الأرض وهل حد من الجريمة ام أوجد مشاكل اخرى لا يمكن التعامل معها وعليه فيجب ان تكون من الشجاعة والامانة بمكان لتعدل بما يحقق مصلحة الشعب الأردني لا رضى المجتمع الدولي.
إن البعض ممن اختاروا الغاء هذا القانون وضعوا ميزان الشرع بين أعينهم وهو يحقق مصلحة الناس وهم واعون تماما لما تخططه الأمم المتحدة من تغييرات في القوانين تستهدف الاسرة والمنظومة القيمية العربية الاسلامية، فما ظهر من اتفاق على الغاء هذه المادة ليس اتفاقا مع توجهاتهم واذرعهم الداخلية في مجتمعاتنا ولا يعني بحال من الاحوال قبول الاملاءات الاخرى على قوانين تتعلق بالاطفال والاجهاض والاسرة.
قرارنا في دعم الالغاء كان شرعيا اردنيا بامتياز لا يبحث عن رضى من الخارج ولا عن رضى من أذرع الخارج في الداخل ولا رضى من يوزعون شهادات البراءة والانسانية او وصم الرجعية والشيطنة.