مات البرقاوي وهو ينتظر «التنمية الاجتماعية»

مات البرقاوي وهو ينتظر «التنمية الاجتماعية» / كامل النصيرات

محمد البرقاوي الرجل المثقف العجوز الطاعنُ في الخيبات والهزائم؛ مات وأراحكم من عناء توقيع قرار إيوائه في دار المسنين..! البرقاوي الذي كان يمشي بطيئاً بطيئاً في شوارع الشونة الجنوبية باكياً صارخاً من الألم والمرض وعدم الرعاية والمأوى والزاد.. مات وذهب إلى الله يرعاه ويؤويه ويطعمه ويسقيه..! البرقاوي العجوز الذي تجاوز الخامسة والثمانين عاماً ولم ترحموا شيبات عمره ولا انطفاء عطائه وصار يجرجر أحلامه بالسكون حتى سكن سكونه الأخير بجوار ربّه..!
أشهد أن «تنمية الشونة الجنوبية» تحرّكت على وجه السرعة وشكلت لجنةً وصورت ورفعت تقريرها للمركز في عمّان. وبقينا جميعاً بانتظار توقيع الايواء. بانتظار أن ترحمنا البيروقراطيّة وتشفق على البرقاوي من عذاباته وأنّاته الصارخة على مدار الدقيقة وأن تكون صفة الاستعجال متوّجة بالرحمة الفعّالة؛ لا أن تفعل المطمطة أفاعيلها..!
من الذي منع القائمين على الأمر في وزارة التنمية الاجتماعية حينما وصلهم الملف ألاّ يوقّعوه على وجه السرعة؟! لماذا الانتظار كلّ هذه الأيّام لحالةٍ حينما كشفوا عليها؛ وجدوا أنها تستحق التدخل السريع الذي لا يقبل التأجيل ولا دقيقة؟ لماذا لم يكن هناك إيواء مؤقّت لحين توقيع أوراق اعتماد الايواء الطويل؟! هل القوانين لا تسعفكم في مثل هذه الحالة؟ لماذا يموت البرقاوي ونموت معه ونحن ننتظر نحنحةً من صاحب توقيع..؟!.
لا أعرف شيئاً عن البرقاوي إلاّ أيّامه الأخيرة فقط التي عاشها شريداً طريداً من رحمة المسؤولين. لا أعلم عنه إلا ثقافته الواسعة وعمره الذي تجاوز حدّ العطاء. لا أعلم عنه إلاّ أمراضه وصراخه في الشوارع وبكاءه الذي لا ينقطع. وأبلغتُ عنه فوراً. وتحرّك من يستطيع إلاّ أن القرار الأخير في مركز الوزارة. ولم يأتِ القرار وكأن هكذا حالة تحتاج إلى ختم عزرائيل كي تريح أصحاب القرار من القرار..!.
رحم الله البرقاوي..لقد ارتحت الآن ولم تعد بحاجةٍ إلاّ للدعاء؛ فارحم اللهم عبدك الصارخ الباكي محمد البرقاوي وأكرمْ مسكنه فإننا لم نكرم مسكنه حينما كان لدينا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى