مؤتمر البحرين
لا يخفى على مراقب أن مؤتمر البحرين المزمع عقده في الأسبوع الأخير من الشهر القادم يأتي في سياق الاعداد لصفقة القرن التي نُفذت أهم بنودها ولم يبقى سوى اشهارها بعد أن يتم العثور على الممولين أو المانحين. فهناك انطباع غربي وخليجي بأن حاجة الأردنيين والفلسطينيين الاقتصادية تمثل كعب أخيل، وبالتالي فإن التلويح بجزرة كبيرة سيكون حصان طروادة لاختراق جدار معارضة الأردنيين والفلسطينيين لمحاولات تصفية قضية فلسطين لصالح إسرائيل.
هذه الخطوة التطبيعية من جانب بعض الدول العربية ليست مستغربة، فقبل فترة بسيطة سربت محطات التلفزة الإسرائيلية شريط فيديو لحفل الانوار “الحانوكاه” وفيه عدد من الإسرائيليين المتدينين يحتفلون في البحرين مع عدد من البحرينيين الذي شبكوا أيديهم مع الإسرائيليين على أنغام أغنية عبرية تقليدية تناسب مثل هذه المناسبات. فبالإضافة إلى الأردن ومصر اللتان تقيمان علاقات دبلوماسية مع إسرائيل هناك العديد من الخطوات التطبيعية التي تمت وتتم بين إسرائيل وعدد من الدول الخليجية مثل عُمان والسعودية والبحرين والإمارات.
للأسف لم تعلن حكومة عمر الرزاز عن موقف واضح حيال المشاركة الأردنية وأبقت الباب مواربا، وهذا موقف يتناقض مع لاءات الملك الثلاث وكذلك يتناقض مع موقف الرأي العام الأردني الذي يرفض صفقة القرن ويرفض مشاركة الأردن في مؤتمر تفريطي يرى بأنه من الممكن شراء الموقف الأردني. هل يمكن شراء الأردن؟ هذا سؤال بل رهان عند البعض لأن صفقة القرن ستفشل إن عارضت الأردن وفلسطين. موقف الفلسطينيين على هشاشة شبكة تحالفاتهم جاء قويا، فلم يرفضوا المؤتمر فقط بل قالوا بأن أحدا ليس مخولا للحديث نيابة عن الفلسطينيين. فالمؤتمر الذي يتحدث عن تنمية الضفة الغربية والاستثمار بها مرفوض من أصحاب الشأن.
هكذا وبجرة قلم تخلى العرب عن مبادرتهم للسلام التي استندت إلى معادلة إقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع. وهكذا ينتصر اليمين الإسرائيلي على هذه الدول العربية التي هرولت لكسب رضا تل أبيب كما يظهر في الفترة الأخيرة. وفي نفس السياق تمكن كوشنر من اللعب على مخاوف هذه الدول وحاجتها للولايات المتحدة لدفعها إلى التقارب مع إسرائيل والموافقة على مؤتمر اقتصادي نعرف جيدا بأنه يسعى للحصول على أموال عربية لتغطية تكفين القضية الفلسطينية مرة وللأبد.
لن ادخل في تفاصيل الخطة الامريكية – وأنصح هنا قراءة تقرير هام نشره مركز بروكينغز قبل يومين ينتقد المقاربة الأمريكية – لكن سأتوقف عند اخطار هذا المؤتمر على الأردن. أولا، يأتي هذا المؤتمر بعد أن رفضت أمريكا اطلاع الأردن على الشق السياسي من صفقة القرن وهو أمر اشتكى منه الملك عبدالله بمرارة في اكثر من لقاء. وكأن الأردن في جيب الأمريكان، هكذا تصرف كوشنر وغرينبلات. ثانيا، المؤتمر ليس موجها للأردن بل للدول الخليجية الثرية التي ستتكفل بالكلفة الاقتصادية لخطة صفقة القرن، فلماذا يشارك الأردن في مؤتمر من هذا النوع، والأفضل أن ينأى الأردن بنفسه جانبا عن هذا المخاض العسير. ثالثا، في حال رفض النظام الأردني المشاركة بالمؤتمر يمكن له أن يتصالح مع شعبة ويتماهى معه في موقف لا يحتمل التأويل، فالمشاركة تعني المباركة لهذه الجهود وحتى وإن ألبست لبوس المشاركة فقط كما يذهب إلى ذلك بعض السذج الذين يطالبون الأردن الا يكون غائبا حتى لا يكون الحل على حسابه! المعذرة الحل سيكون على حساب الأردن!
صحيح أن الأردنيين والفلسطينيين يعانون من انكشاف كبير إلا أن هذا الضعف يمكن أن يتحول إلى نقطة قوة في حال رفض الصفقة والمؤتمر معا. بمعنى نستطيع افشال الخطة وهذا يتطلب حكومة قوية ونخب حاكمة من نوع مختلف، والحق أن النخب الحاكمة تم انتاجها في الفترة السابقة تمهيدا للتعامل مع تصفية القضية الفلسطينية. وربما يتعين على جلالة الملك أن ينتبه إلى ضرورة تنظيف الحكومة من عناصر تستمع للإمارات والسعودية حتى لو لم يأتي ذلك في سياق خدمة مصالح الأردن. وهي نخب امتهنت ثقافة الاستسهال وعدم القدرة على التفكير خارج الصندوق. لذلك عادة ما يقولون بأن ليس أمام الأردن معارضة داعميه، وشخصيا التقيت بشخصيات سياسية مرموقة متشربه بثقافة الانهزامية.
الأهم أن مشاركة الأردن ستنسف لاءات الملك الثلاث ولن يستمع إلينا العالم في قادم الأيام، فهناك من يقول أن القوم في السر غير القوم في العلن وربما جاء الوقت لتقطع جهيزة قول كل خطيب. لاءات الملك الثلاث التي يتماهى معها الاردنيون ينبغي أن تشكل بوصلة التحرك الأردني وبخاصة في مواجهة الحلفاء. التراجع عن هذه اللاءات تحت أي مسوغ سيفاقم من فجوة الثقة بين المواطن والدولة