ليكن النور!

سعيد ذياب سليم


لماذا تبدو فاتراً؟ ألم تعجبك هدية العيد؟ أم أن أحداً لم يذكرك بشيء… حتى ولا أمنية صغيرة؟
لعلك شعرت بالبرد ليلة رأس السنة إذ صفعت الريح وجه نافذتك! هل تكورت على نفسك وأخذت وضع الجنين في حضن أمنا الحياة، تمسك جناحي حلم؟ بعد أن انتظرت أن يأتيك على قدميه ويدق بابك، لكنه أرسل الخذلان ولم يأتِ.

ما الذي ننتظر؟ أنا وأنت والآخرون؟ هل تغير ما ننتظره اليوم عما كنا ننتظر قبل أربعين سنة أو عشرين أو حتى عشر سنوات؟
في العشرين، كنا ننتظر الحب، نسأل المرايا وننتظر! ثم بحثنا عن النجاح وشربنا منه جرعات قد لا تصل حد الارتواء، إلا أنها منحتنا الاستمرار وكفلت لنا البقاء في حلبة المصارعة. والآن… ماذا نريد؟

هل هذّبت الحياة شخصياتنا وشذّبتها كما يشذب الفلاح شجيرة ورد عزيزة؟ يكسر فرعاً شارداً ليترك الساق في انطلاقة بهية نحو السماء! وألبستنا كساء التجربة والوقار، لنكون شخصيات لطيفة، إيجابية، محبة، معطاءة، ترى الآخرين وتحس آلامهم؟ أم أخطأت يد الحياة وفشلنا أن نكون تلك الأرواح؟ لبسنا قناع محتال، وما زلنا نطمع بالتفاحة التي يحملها الآخرون ونحن نملك البستان! متى نشعر بالاكتفاء إذن؟

مقالات ذات صلة

عاصفة من أسئلة تعصف بي وأنا أطالع من وصل -أو قارب- خط النهاية. كل منا يخوض معركته في الحياة، وفق خطة مدروسة: شحذْنا نصل الإرادة، ولبسنا درع التصميم، وحشدنا مهارة الصانع، وحيلة التاجر. لكن… هل اكتملت ترسانتنا؟

ربما نحتاج أدوات إضافية، لكن هل نحتاج الحب بقدر حاجتنا لمهارات السوق؟ أم أن قوانين الحياة تسمح لنا باستخدام كافة الأسلحة؟ أم أن الأمر ببساطة يكمن في أداء ما علينا، حين يحين وقته؟

ربما يجيب على أسئلتنا اكتمال نضوجنا. عندها، نتذوق الحياة كما نتذوق قصيدة شعر دافئة، يهزنا إيقاع الحياة في رقصة تتمايل فيها الروح تمايل الحسان، ويشتد بها وجيب القلب كقلب ذئب. نضجٌ يكتمل به الفكر، وتتزن به المشاعر، وتستوي به كفتا ميزان العدل؛ فكما تحب لك، أحب لغيرك.

ساعتها ستجد لديك متسعاً من الوقت لتكتب قصيدة، أو تعد سيجارتك على مهل عجوز يرى أمامه الأبدية، ثم تتأمل الكلمات التي يخطها دخانها بلهفة طفل، وترتشف من فنجانك كما ترتشف نحلة من كأس زهرة.

سيكون من بين أعظم ما فعلت أنك مددت يدك لأحدهم سقط فأنهضته، وعين بكت فواسيت ومسحت عنها الدمع، وطفل أضحكته فرقص سعيداً كرقصة حيوانات مدغشقر. من أجل ذلك، قال الله: ليكن النور… فكان.

لا بد أنك تذكر ذلك الطفل الذي كنتَ، تذكر كذباتك الملونة كألوان العصافير، تدافع بها عن نفسك وطعم الخزي والضعف يصعد كعصارة حمضية في قناة المريء من معدتك. هل كنت في الثالثة عشرة؟ والآن، أنت الرجل الناجح الذي تخشاه العصافير، ويركل القطة بقدمه ولا يبالي، ويصرخ كالرجل الذئب في الليلة المقمرة!

أين أخفيت ذلك الطفل؟ الذي أحببنا فيه ضحكته وهو يسرد مقالبه الطريفة ومغامراته الصغيرة. هل تبعثه حياً لنرى فيه فيض الحيوية عند خط النهاية؟ لا تخف… سيكون مذهلاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى