ليس للبيع أوالمبادلة

ليس للبيع أوالمبادلة
د. هاشم غرايبه

تقول طرفة متداولة في الشارع الأردني، أن أحدهم جاءه اتصال هاتفي، فسأله المتصل: هل أنت فلان؟، قال نعم، قال المتصل أنا من الديوان، فقفز الرجل من مكانه فرحاً ظانا أن المتصل هو الديوان الملكي والذي يتصل عادة بالمرشحين للدخول في الوزارة، وقبل أن يتيح للمتصل الحديث بادر الى القول: إنني ابن هذا الوطن المخلص للعرش المفدى ونذرت حياتي لخدمته ومستعد للتضحية من أجله و..، فقاطعه المتصل: مهلا ..فأنا من مطعم الديوان الذي طلبتم منه الوجبة، أردت أن أسأل عن العنوان!.
لم ينشغل الأردنيون بأخبار تغيير الحكومة، إذ لم تعد هذه الأمور تثير الاهتمام الشعبي، بعد أن ثبت لهم أن تغيير الطرابيش الملونة لا يعني أي تغيير فعلي في واقعهم المتردي باضطراد، فالوزراء في الأردن تنفيذيون لا يرسمون سياسة، من يهتم بهذه الأمور هم فقط المستوزرون الذين يتداولون الكراسي، إذ أنهم ما أن يسمعوا بتعديل أو تغيير الوزارة حتى يتسمروا في بيوتهم وعيونهم على هواتفهم، ينتظرون الهاتف المأمول من الديوان الملكي.
لو راجعنا قوائم التشكيلات الوزارية منذ تأسيس المملكة الى اليوم سنجد أنها تخضع لأسس وأعراف لم تتغير، لذلك باتت مكشوفة للطامحين، ولم تعد سرا ولا تخضع للتنجيم، وهي على درجتين: الأولى معيار عام أساس، هو الثابت الذي يلتزم به كل النظام السياسي العربي، أما الثانية فهي جملة من المعايير المتغيرة حسب ظروف كل قطر.
المعيار العام الذي يحكم كل الأنظمة العربية، سواء منها الملكية أو الجمهورية أو الأميرية، هو متطلب صارم بأن لا يصل الى السلطة من يسعى الى إعادة وحدة الأمة الإسلامية، لذلك يتم إعداد الطبقة السياسية في كل الأقطار العربية ومنذ نعومة أظفارهم من علبة العلمانيين، ويتم تأهيل هذه الطبقة في الغرب وفق المنهج الليبرالي، وعلى درجات، فالطبقة العليا الذين سيتولون الحكم يلزمهم تأهيل في “ساند هيرست”، والثانية المهيئون كوزراء يتأهلوا في معهد كينيدي في “هارفارد”، الذي يعد دورات مكافحة الإرهاب، والطبقة الثالثة وهم الذين سيشغلون مناصب رفيعة يتم إعدادهم في معاهد غربية متنوعة،ليتم الانتقاء من بينهم، عند الحاجة، وفق معايير ثانوية لكل بلد.
والمعايير أردنياً أهمها:
1 – المعيار الأول هو الولاء والإخلاص لمؤسسة العرش، لكن هذا المعيار فضفاض ولا يمكن القطع فيه، فلا يوجد هنالك معارض ليتم إقصاؤه، ولا من يسعى لتغيير نظام الحكم ليجري قمعه، لذلك فالحكم بناء على رصد الأقوال والسلوك، والذي هو أيضا غير دقيق بسبب انتشار رذيلة التملق والنفاق التي تخلط الصدق بالرياء، وبما أن فحص النوايا والسرائرهي مهمة المخابرات، لذلك فهي التي تغربل الأسماء، من هنا كثيرا ما يكون شخص موعودا بوزارة، فيفاجأ بتغيير وزارته، أو حتى باستبعاده من القائمة المعلنة.
2 – والمعيار الثاني مرتبط بالأول، فلضمان بقاء الولاء يتم تأليف قلوب من يعتبروا أعمدة النظام أي أصحاب النفوذ العشائري والجهوي، فيتم توزير أبنائهم، لذلك نلاحظ دائما أن أغلب الرؤساء والوزراء، يتوارثون هذه المناصب أباً عن جد، ولا يراعى في ذلك إلا التوازنات المناطقية، وإن لم تكف الوزارات لضمان إرضاء الجميع، فيمكن تعويضها من أعطيات أخرى مثل التعيين في مجلس الأعيان أو التنجيح في مجلس النواب أو إقطاعهم وظائف مجزية كمدراء للمؤسسات المستقلة، ومع ذلك تتم تعديلات وزارية بين الحين والآخر عندما تحس الدولة العميقة بخلل في هذه التوازنات.
3 – والمعيار الثالث سري للغاية وهو متعلق بوزراء يسمون عابرين للوزارات محصنين من التغيير، ينالون دعما من جهات متنفذة، ولا يخضعون للاعتبارات الآنفة الذكر.
مما سبق نلاحظ أن معيار الكفاءة والخبرة السياسية هو ثانوي، ونادرا ما يلتفت إليه إلا للترجيع إن كان هنالك تعادل بين خيارين لهما ذات القوة الضاغطة، لذلك لم يندهش أحد عند اختيار ابن أحد الشيوخ وزيرا للصحة فور تخرجه من كلية الطب، كما أنه في كل حكومة، وحتى الوزارة السابقة والحالية من اتضحت النية لتوزيرهم مسبقا، من تسليمهم المواقع الإدارية العليا منذ نيلهم الشهادة الجامعية الأولى، وترقيتهم قفزا الى المناصب الرفيعة لكي يدخلوا مبكرا في لعبة الكراسي الموسيقية.
فهل بعد كل ذلك يمكن أن يكون هنالك تفاؤل بأن تغيير الوزارة سيغير الأحوال!؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى