لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
كتب أحد المهندسين مقالة بعنوان (حلق كمثل الذباب) (Fly like a Fly) في مجلة الطيف الصادرة عن معهد المهندسين الكهربائيين والإلكترونيين (IEEE Spectrum) يستعرض فيها محاولته مع فريقه وفرق بحثية أخرى تصنيع طائرات ميكروية (micro air vehicles (MAVs)) بقدرات الذباب في طيرانه. وكان لزاما عليهم لكي يحققووا هدفهم هذا أن يدرسوا تركيب جسم الذبابة بشكل مفصل خصوصا الأجزاء المتعلقة بالطيران بعد الاستعانة بعلماء الأحياء وذلك للقيام بتقليدها بما يسمى بالهندسة العكسية (reverse engineering). ولقد تكشف لهم من هذه الدراسة أسرار عجيبة عن الطرق البديعة التي تستخدمها الذبابة لكي تطير بهذه القدرات المذهلة والتي سنبينها لاحقا مما دفعه للقول في نهاية المقالة (من كان يظن أن كائنا صغيرا ومكروها مثل الذبابة يمكنه أن يعلمنا الكثير جدا؟) (Who would have thought a small, unlovely creature like the fly could teach us so much?). أما النتيجة الأهم التي توصل إليها فهي تيقنه من صعوبة بل استحالة تصنيع الطائرات الميكروية المطلوبة بالتقنيات المتاحة بحجم الذبابة وقدراتها فقال (إن الطائرات ثابتة الجناح لا تناسب المهمة لعدم قدرتها على الحوم (hover) وكذلك ضرورة طيرانها بسرعة كافية لتوليد قوة الرفع أما الطائرات ذات الأجنحة الدوارة فيمكنها الحوم ولكنها تحتاج لقدرة عالية ولا يمكنها الطيران قريبا من الجدران).
لقد تحدى القرأن الكريم البشر قبل أربعة عشر قرنا لتصنيع هذا الكائن الصغير والمكروه وهي الذبابة وأكد على أنهم لن يستطيعوا فعل ذلك مهما تظافرت جهودهم فقال عز من قائل “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)” الأنبياء. لقد أكد القرآن الكريم في آيات كثيرة على عجز البشر في تصنيع أبسط الكائنات الحية تركيبا وهي النباتات كما في قوله تعالى “أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)” النمل. ولكن لماذا اختار الله عز وجل الذباب من بين كل الكائنات الحية ليتحدى به البشر وتكمن الإجابة في قوله تعالى في نفس الآية (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)). وسوف يتبين من الشرح التالي أن الذبابة تمتلك قدرات طيران مذهلة لا يمتلكها أي كائن حي طائر غيرها مما يجعل البشر عاجزين عن الإمساك بها إذا ما سلبتهم شيئا من طعامهم وشرابهم.
ونعود لعرض بعض الحقائق والأسرار التي أوردها الكاتب في مقالته حول القدرات المذهلة التي تمتلكها الذبابة في طيرانها. فالحقيقة الأولى هي أنه لا يوجد أي كائن حي طائر يضاهي قدرات الذبابة في طيرانها فقال (إن ذبابة المنزل الشائعة هي طائر غاية في المناورة وهي الأفضل في كل الأنواع حشرات كانت أو غيرها) (The common housefly is an extremely maneuverable flyer, the best of any species, insect or otherwise). أما الحقيقة الثانية فهي قدرة الذبابة على القيام بحركات طيران معقدة (complicated flight movements) لا يمكن لأي طائرة صناعية أن تقوم بها كالإقلاع السريع (instant liftoff) والهبوط الدقيق (precise landing) على حواف أواني الطعام والشراب والحركات اللولبية (spirals) والحركات المتعرجة (zigzags) والطيران للخلف (backward maneuvers). ومن أعجب حركاتها قدرتها على الهبوط على الأسقف حيث تقوم بقلب جسمها أي تتشقلب (somersault) بالكامل أثناء الطيران لتحط عليها بشكل مقلوب وقدرتها كذلك بالتحكم بسرعتها ابتداء من وضع الوقوف في الهواء أو ما يسمى بالحوم (hovering). ومن قدراتها المذهلة أنها بإمكانها عمل ست لفات أو دورات كاملة في الهواء في الثانية الواحدة (six full turns per second). بل الأعجب من كل كذلك أن الذبابة إذا ما اصطدمت بالنوافذ الزجاجية فإنه يختل توازنها لفترة قصيرة لا تتجاوز المللي ثانية ثم تعود للطيران في الاتجاه المعاكس وهذا ما لا يمكن تحقيقة في أي طائرات صناعية. أما الحقيقة الثالثة فهي استهلاكها المتدني للطاقة فذبابة بوزن مائة ميللي جرام تستهلك ما يقرب من ثلاثة جول في الثانية أثناء الطيران (A 100-milligram fly in motion consumes just 3 joules per second).
أما أهم الأسرار التي أوردها الباحثون عن طيران الذبابة والتي أصابتهم بالذهول فهي كما وردت على لسان كاتب المقالة (إن أوامر التحكم بالطيران فيها تصدر من عدة مئات من العصبونات في دماغها وهذا أقل بكثير من الحسابات التي تحتاجها حماصة خبزك ) (its flight control commands originate from only a few hundred neurons in its brain, far less computational might than you’d find in your toaster). ويقارن الباحث هذا الأمر مع ما تحتاجه الطائرات الصناعية من قدرات حسابية بقوله (ولكن القواعد التي تحكم طيران الإف-35 تحتاج 1.1 مليون سطر من البرمجة و4.5 مليون سطر لمهام كتصويب الأسلحة والاتصالات والتحكم بالمهمة. إن برمجيات الطيران تحتاج لثلاثة حواسيب بمعالجين اثنين لكل منها. ومن الواضح أن الطائرات الميكروية ليس فيها الحيز أو مراوح التبريد التي تتسع لمثل هذه الحواسيب ) (But the rules governing flight for the F-35 require about 1.1 million lines of code; it uses another 4.5 million lines for tasks like weapons targeting, communications, and mission control. The flight software runs on three shoebox-size computers, each with a pair of PowerPC processors. MAVs obviously don’t have the space, or the cooling fans, to accommodate such onboard computers.).
ولقد تمكن هؤلاء الباحثون من كشف السر في قدرة الذبابة على القيام بمهام الطيران المعقدة بهذا القدر القليل من الحسابات والعصبونات وذلك على العكس تماما من الطائرات الصناعية ولخص ذلك الباحث بقوله (ببساطة إن التحكم بالطيران التقليدي يستخدم قليل من القياسات وكثير من الحسابات وأعتقد أن الذبابة تفعل العكس تماما من ذلك وهو كثير من القياسات من عدد كبير من الحساسات وقليل من الحسابات أو ما أسميته منهجية تحكم التغذية الراجعة الغني بالحساسات) (Simply put, conventional flight control uses a little measurement and a lot of computation. I believe that the fly does exactly the opposite: a lot of measurement from many sensors and a little computation. I call it the sensor-rich feedback control paradigm.). ولقد وجد الباحثون أن دماغ الذبابة يستلم إشارات حسية من ثمانين ألف موقع موزعة على جسمها كعيونها المركبة وعيونها البسيطة وقرونها وشعرها وغير ذلك. ووجد الباحثون أن العيون المركبة للذبابة تلعب دورا كبيرا في عملية طيرانها وتقلص بشكل كبير الحسابات التي يجريها الدماغ لتنفيذ حركات الطيران المختلفة.
ووجدوا كذلك أن جناحين ضامرين يقعان خلف جناحي الذبابة تسمى المقاود (halteres) قد تحورا إلى بروزين لحميين يلعبان دورا بارزا في الطيران حيث يقومان بقياس معدل دوران جسم الذبابة ووضعية الجسم بالنسبة للمحاور الفضائية الثلاث وبدونهما لا يمكن للذبابة أن تطير (Without them, the fly can’t fly). وفي المقابل تستخدم الطائرات أجهزة الجايروسكوب(gyroscopes) الكبيرة الحجم والمستهلكة للطاقة لهذا الغرض مقابل هذه المقاود الصغيرة في الذبابة. ولقد بدأ الباحثون في مجال الطيران بمحاولات لتصنيع مثل هذه المقاود لاستخدامها بدلا من الجايروسكوبات لما تتمتع به من ميزات قال عنها الباحث (يبدو أن المقاود تمتلك عدة ميزات على الجايروسكوبات باستخدام الأنظمة الكهروميكانيكية الميكروية أولها استهلاكها الأقل للطاقة لغياب المحركات فيها وثانيها قدرتها على قياس السرعات الزاوية من عشرات الدرجات في الثانية إلى مئات الآلاف من الدرجات في الثانية وهو ما تقوم به الحشرات الطائرة عند الدوران الحاد ) (The haltere seems to have some advantages over gyroscopes based on MEMS technology. For one, it consumes far less power because it has no actuators. And it can detect angular velocities from as low as tens of degrees per second to as high as hundreds of thousands of degrees per second, which a flying insect making a sharp turn will often encounter.).
يعتبر الذباب المنزلي (Housefly) من أكثر الحشرات التي تعيش في رفقة البشر والحيوانات ومن أسرعها تكاثرا وغالبا ما تسبب لهم الإزعاج عند أكلهم وشربهم وقد تنقل لهم كثير من الأمراض حيث تحمل في أقدامها ملايين الميكروبات التي تجلبها من الأماكن القذرة. وعلى الرغم من ذلك فإن الذباب يعمل على تنظيف البيئة من المخلفات العضوية التي ينتجها الإنسان والحيوان من خلال تحليلها وأكلها ومن ثم يكون الذباب الناتج طعاما لكثير من دواب الأرض كالطيور والضفادع والسحالي والعناكب. ويعيش الذباب في جميع مناطق الكرة الأرضية بلا استثناء ابتداءا من المناطق الاستوائية وانتهاءا بالمناطق القطبية إلا أن معدل تكاثرها في المناطق الحاره أكبر بكثير منه في المناطق الباردة. وتبيض الذبابة في المرة الواحدة ما يقرب من مائة بيضة وتبيض خلال عمرها الذي لا يتجاوز الشهر ما يقرب من ألف بيضة. وتضع الذبابة بيضها ككومة واحدة في القمامة وبقايا الطعام ومخلفات الحيوانات وتفقس البيضة في أقل من يوم واحد لتمر في طور اليرقة (larvae) لمدة تتراوح بين خمسة أيام وأسبوعين وهي دودية الشكل بيضاء اللون ولها فم تتغذى من خلاله على القمامة. ثم تمر في طور الشرنقة أو العذراء (pupae) لمدة تتراوح بين ثلاثة وعشرة أيام وهي برميلية الشكل بنية اللون وتتوقف خلاله عن الأكل ثم ينشق غلافها ليخرج منه ذبابة بالغة. وتعتمد مدة مكوث الذبابة في أطوارها المختلفة على درجة الحرارة فكلما زادت درجة الحرارة قلت المدة وبذلك يزيد معدل تكاثرها حيث يبلغ طول دورة حياة الذبابة في المناطق الحارة تسعة أيام وفي المناطق الباردة خمسة وعشرين يوما.
وتتكون الذبابة من رأس وصدر وبطن ويتراوح طولها ما بين خمسة وسبعة ملليمترات ووزنها ما بين 12 و 17 ميللي غرام وهي ذات لون رمادي أو أسود مع مناطق صفراء عند بطنها. ويتكون الرأس من عينين مركبتين كبيرتين على جانبيه وثلاثة عيون بسيطة بينهما وفم خرطومي اسفنجي (sponge-like) يمتص السوائل والطعام المذاب وزوج من قرون الاستشعار (antennae) القصيرة كأجهزة للشم والتذوق. أما الصدر (thorax) فيرتبط بعضلاته ثلاثة أزواج من الأرجل وجناحان شفافان كبيران للطيران يقع خلفهما جناحان ثانويان ضامران على شكل زوائد لحمية تسمى المقاود (halteres). وأما البطن (abdomen) فيتكون من عشر حلقات ويحتوي على المعدة والقلب والأجزاء التناسلية. ويغطي جسم الذبابة شعر ناعم مزود بحساسات ترسل بإشاراتها إلى الدماغ ليستخدمها في قياس اتجاه حركة الريح أثناء الطيران. والجهاز الدوري في الذبابة من النوع المفتوح حيث يضخ القلب البسيط الموجود في منتصف البطن الدم إلى انحاء الجسم ثم يعود إليه إنسيابيا. وتتنفس الذبابة من خلال فتحات تسمى الثغور التنفسية (spiracles) موزعة على جسم الذبابة حيث يوجد ثمانية أزواج من الثغور في منطقة البطن وزوجان في منطقة الصدر وهي متصلة بأنابيب تنقل الهواء للدورة الدموية.
يعتبر الذباب من أبرع الكائنات الطائرة في مناورات الطيران كما شرحنا ذلك سابقا مما أعطته قدره فائقة على الهروب من محاولات قتلها من البشر رغم أنها في متناول أيديهم حيث تحط على وجوههم وأيديهم وأواني طعامهم وشرابهم. ويتكون جهاز الطيران عند الذباب من جناحين شفافين يتخللهما عدة شرايين لإيصال الدم إلى خلايا الأجنحة وتستخدم أيضا كدعائم للجناح البالغ الرقة. وتبلغ المسافة بين الجناحين وهي مفرودة (wing span) 14 مللم وهي ضعف طول الذبابة. ويقع خلف الجناحين جناحان ضامران تسمى المقاود (halteres) والذان قد تحورا إلى بروزين لحميين على شكل عصا مدببة (drumstick-shaped protrusions). وتلعب المقاود دورا بارزا في عملية الطيران حيث يوجد في قواعدها حساسات تقيس العزم الدوراني لجسم الذبابة وهما يخفقان بعكس اتجاه خفقان الأجنحة عند الطيران. وتبلغ السرعة القصوى لطيران الذبابة عشرة كيلومترات في الساعة بينما تبلغ سرعة خفقان أو رفرفة أجنحتها عشرين ألف مرة في الدقيقة الواحدة وهذا السرعة العالية استخدمت لتعويض المساحة الصغيرة لأجنحتها. وتقوم الذبابة بتنظيف أجنحتها بشكل مستمر مما يعلق به من الأوساخ حيث أن نقطة صغيرة من الوسخ على الجناح تفقدها توازنها أثناء الطيران بسبب السرعة العالية للرفرفة.
إن من أعقد أجزاء الذبابة هي عيونها المركبة (compound eyes) حيث تمتلك عينين كبيرتين بارزتين حمراء اللون وغير متحركة تقع على جانبي رأسها وتغطي معظمه. والعيون المركبة توجد في الحشرات والقشريات وهي تتكون من عدد ضخم من العدسات الدقيقة وذلك على العكس من العيون البسيطة المكونة من عدسة واحدة والتي توجد في الثدييات والطيور والأسماك. وتتكون العين الواحدة للذبابة من أربعة آلاف عدسة موزعة بانتظام على سطح مقوس على شكل نصف كرة مما يمكنها باستخدام االعيينين من رؤية الأشياء في جميع الاتجاهات أي مجال رؤيا (view angle) يبلغ 360 درجة مقارنة بمجال رؤيا أقل من 180 درجة عند الإنسان. وتتكون العين المركبة من عدد كبير من العيون البسيطة تسمى العوينات (ommatidia) والتي تتكون من عدسة دقيقة سداسية الشكل محدبة يقع تحتها مخروط بلوري (crystalline cones) يقوم بنقل الضوء المجمع إلى انبوبة طويلة نسبيا تحتوي الخلايا الحساسة للضوء (light-sensitive cells) والتي يبلغ عددها ثمانية في كل عوينة. ويرتبط بالخلايا الحساسة الثمانية ليف بصري واحد يخرج من قاعدة العوينة ويتجمع مع الألياف البصرية الخارجة من بقية العوينات مشكلة العصب البصري الي يذهب إلى دماغ الذبابة. ويتم رسم الصورة في الدماغ على شكل صورة فسيفسائية (The Mosaic image) مكونة من نقاط بعدد العوينات وتكون النقاط إما مضاءة أو مظلمة (light and dark dots). إن في هذه العين المركبة تحدي آخر من الله عز وجل للبشر فعملية تصنيع ثمانية آلاف عدسة محدبة سداسية الشكل بأبعاد لا تتجاوز العشرين ميكرومتر لكل منها وكذلك مثلها من المخاريط البلورية وثمانية أضعافها من الخلايا الضوئية عملية تكاد تكون مستحيلة.
وتمتلك الذبابة إلى جانب عينيها المركبتين ثلاثة عيون بسيطة تسمى (ocelli) تقع في مقدمة الرأس بين العينين المركبتين على شكل مثلث وتستخدمها كجهاز ملاحة أو بوصلة (navigational device or compass) وتحديد اتجاه حركتها متتبعة مصادر الضوء المختلفة. ويتميز النظام البصري للذبابة بميزيتين أولهما أن سرعة معالجة الصور الملتقطة تزيد بسبعة أضعاف عن تلك التي في الإنسان ويعود السبب في ذلك إلى أنها تلتقط الصور بمعدل 250 صورة في الثانية وهو ما يسمى بمعدل دمج الارتعاش (flicker fusion rate) بينما تبلغ في الإنسان 50 صورة في الثانية. إن هذه الميزة تمكن الذبابة من كشف أدنى حركة تحدث في محيطها ومن جميع الاتجاهات مما يمكنها من الهروب بسرعة عن مصادر الخطر ولذا فإنه من الصعوبة بمكان الإمساك أو قتل الذبابة. أما الميزة الثانية فهي قدرتها على تمييز استقطاب الضوء (light polarization) والذي يساعد الذبابة على تحديد الاتجاهات عند حركتها من خلال تحليل ضوء الشمس
ويوجد على كل رجل من أرجل الذبابة زوج من اللبادات اللزجة (adhesive pads) التي تمكنها من المشي على الأسطح الملساء والأسقف وزوج من المخالب (claws) التي تساعدها على تحرير أرجلها الملتصقة بسرعة عند الطيران. ويوجد كذلك على الجزء الأخير من أرجل الذبابة (tarsi) شعيرات تحمل في رؤوسها مستقبلات كيميائية (chemoreceptors) تعمل كأجهزة تذوق تتعرف فيه على نوع الطعام وخاصة السكريات وتقوم بامتصاصها بفمها الإسفنجي. وتقوم الذبابة بحك أرجلها ببعضها بعد الانتهاء من وجبتها لتنظيف واجهة المستقبلات الكيميائية مما علق عليها من الطعام وذلك لاستخدامها لكشف الوجبة التالية. وتتغذى الذبابة على الطعام السائل الغني بالسكريات من خلال فمها الشبيه بالأسفنجة والموجود على رأس خرطومها الذي يقوم بنقل الطعام السائل إلى المعدة من خلال الخاصية الشعرية (capillary action). ويمكن للذبابة أن تستمد غذاءها من الطعام الصلب وذلك من خلال إفراز لعاب مشبع بالإنزيمات من غدة في بطنها وتصبه بفمها على الطعام لتذيبه ومن ثم تقوم بإعادة امتصاص اللعاب المشبع بالمواد السكرية.