لننتبه..النقابي والسياسي والمغامرة عبرهما- ازمة المعلمين انموذجا.
ا.د حسين محادين
1- استنادا لأطروحات علم الاجتماع السياسي وتحديا المرتبط بالحركات الاجتماعية؛ يمكن التذكير هنا ولغايات التحليل العلمي القول ما هو آتِ ؛
– في دولنا النامية والمجتمع الأردني واحد منها بالتأكيد، وبحكم تجارب وصِدامات حزبية واقليمية مُرة عاشها الاردنيون تاريخيا؛ ومنبها هنا؛ بأن ثمة تداخلات وتخوفات شعبية آخذة في الصعود على سطح الراي العام الاردني يجب الوقوف معها وتحليلها دون استسهال ؛ ربما جاءت هذه التخوفات المشروعة؛ استنادا الى تجارب خطرة حصلت ومررنا بها في عقود سابقة؛ ومع بقيت قابعة في العقل الجمعي الاردني الشكاك غالبا؛ وتظهر الآن ربما خشية منه عقلنا الجمعي من إنزلاق او تطور واقع ومآلات اعتصام المعلمين الحالي بكل مهنيته المعلنة للآن الى مجهول ما غير محمود او غير مضمون العواقب؛ ترابطا مع حجم مساحات تاثيره وضرره المحتمل استمراره ايضا على انقطاع تدريس الطلبة في مدارسهم ؛ وصعوبة ظروف وتبرم اسرهم جراء تغير اولوياتهم في الاسرة وعلى انتظام اعمال الوالدين وخشيتهم على مستقبل ابنائهم وبناتهم حُكما نتيجة استمرار هذا الاضراب؛ ويبدو بذات الوقت ان الاهل لم يلتقطوا تنويه النقابة بتعهدها في تعويض دروس الطلبة لاحقا؛ ويجيب بعض الأهل بتشكك ايضا يا للوجع والخوف معا ؛:-
..متى؛ وما هي الضمانات لتنفيذ هذا التعهد النقابي اذا ما طالت مدة هذا الاضراب وفقد ابناؤنا من الجنسين لاسيما طلبة التوجيهي حقهم القانوني والنظامي الملزم للجميع في التعليم المنتظم وبالتالي الاستعداد الممرحل للنجاح في المستقبل؟.
– اقول ؛ آخذ اهلنا في الخشية من ان ينتقل الحال النقابي السلمي لآن في الالتحام مع الحكومة من حدود ما هو مطلبي سلمي في الحياة العامة؛ الى ما هو صراعي حزبي وسياسي بين النقابة والحكومة كاحتمال ؛ وهذه نتيجة منطقية وعالمية في تاريخ كل الاضربات في دولنا النامية اذا ما اصر الطرفان على عنادهما ولو على حساب طلبتنا والعملية التعلمية والتنموية برمتها؛ خصوصا ان هذا العِناد المتنام للاسف يُضفي نوعا من الضبابية الزائدة على الراهن والآفاق المطلبية والحزبية السياسية القادمة كذلك.لذا اخذ التشكيك نسبا عالية التمثل احيانا لدى الشرائح الاخرى من غير المتنورة بالوعي النقابي والحزبي الآخذا سلوكيا في التداخل منذ اسبوع تقريبا مع مرحلة سياسية واقتصادية لافته اردنيا ؛ وبالتالي يبقى السؤال المفتوح على التوالد هو
..اي من الطرفين النقابة والحكومة بوسعه ان يُجيب، ويقنع، ويُهدِيّ احساسنا كمواطنيين من هذا اللاستقرار المجتمعي الراهن والواخز لشجرة حواسنا معلمين،حزبين،
وطلبة متضررين؛لابل وفي هذه البيئة النفسية المتوترة عموما؛ ومن يُخرجنا من غموض الاجابات على القادم؟
لذا ما زالت تتوالد الارتباكات الجمعية اردنينا ؛ ثم السؤال الثاقب الذي يتقافز على السنة الاهل؛ من قادنا لهذا القلق عبر الاضراب ومصاحباته الموجعة لنا نقابيا او حزبيا وسياسيا بالمجمل ؛ولماذا لم يتم التوافق بين النقابة والحكومة للآن؛ فهل سبق وان كانت الدولة الاردنية وذراعها التنفيذي الحكومة عادة وكمثال غير مرن في التفاوض؛ والنجاح في خلق التوافقات السِلمية على الدوام؛ ولماذا مع هذا الاضراب تحديدا؛ فالواقع الراهن يشي بغير ما الفناه توافقيا ومن علاقات متبادلة بين الحكومات والنقابات وحتى الاحزاب ؛ رغم ان الواقع والتاريخ الاردني نفسه؛ يُذكرنا في منظومة “الامن الناعم” وطنينا و طوال سنوات الربيع العربي؛ ولماذا غاب عن هذه المحطة الاردنية المفتوحة على الاحتمالات وطنيا واقليما ؛ وهل ثمة تدخلات محلية وحزبية او قوى اقليمية تُغذي نسغ اضراب المعلمين كما يزعم البعض من القلقين والمشككين ؛ وهل على الحكومة ام نقابة المعلمين طمأنة المواطنيين الواقفين على حافة الانقلاب عليهما معا؛ اذا لم يتوافقا قريبا.
اخيرا؛ ثمة احساس جمعي اخر مفاده ان الاردنيين يخشون من طغيان او انفلات الحزبي”الضيق” على النقابي”الأشمل” اثناء هذا الاضرب وبعيدا عن جوانبه المادية المجردة الظاهرة اي”50%- ومرة 52%” نتيجة تقلب المطالب وغموضها لدى اغلبية اهلنا من حيث؛ واقع هذا الاضراب؛ نهاياته، واثره كتحدِ وطني جمعي امامنا يمكن ان يؤثر على امننا الكلي في حال استمرت حالة الاستعصاء السياسي/والتفاوضي بين نقابة المعلمين بكل فئات مكوناتها (المستقلون،
الحزبيون، والطامحون للسلطة والمناصب مستقبلا في الحكومات المقبلة؛ والاخير حق لكل من هذه المكونات) وبين الحكومة كذراع للدولة الاردنية كوجدان شعبي اشمل من النقابات والاحزاب معاً.
فالعمل النقابي رؤية فكرية وفعل مطلبي سِلمي منظم، يهدف -كما يفترض- الى تحقيق مصالح، تأهيلية واقتصادية،ومهنية
لأعضاء النقابة كشريحة المعلمين الاردنيين مثلا؛ وهذه المهام حقوق كفلها الدستور والقانون الاردني ما دامت سلمية وواضحة المحتوى والممارسات في الظل والعلن معا. بينما العمل السياسي/الحزبي هو عمل منظم ؛ وله اهداف ظاهرة وباطنة معا تسعى للضغط والاستقواء على الحكومة الاردنية ومؤسساتها اولا؛ ليتطور ويعم مثل هذا الضغط والاستقواء الحزبي ربما؛ وان كانوا قِلة في العدد ان وجودوا ضمن الاضراب الى سعيهم نحو تعديل تغيير هوية الدولة التعددية الى طرح سياسي واحدي وفقا لاطروحاتهم الايدلوجية؛وهذا ما يبث بعضا من مكونات الراي العام الاردني .
أخيرا ؛ هذه قراءة تحليلية تسعى لاطلاق سؤال الحوار الوطني الحر وغير الاسترضائي لاي طرف؛ وتبديدا لحالة اللاستقرار الوجداني والنقابي المطلبي والسياسي التى نعيشها هذه الايام الحبلى بالكثير؛ والتي مازالت ماثلة ومرشحة لكل الاحتمالات ايضا؛ جراء اضراب المعلمين وانقطاع طلبتنا عن الدراسة واصرار المتفاوضين الحكومة والنقابة؛ على عدم الوصول لحل توافقي.. وهذا الحال هو ما يجعلنا واقفين جميعا على رمأل متحركة من الاسئلة ؛والاحتمالات؛ والخشية من قادم مجهول؛ متمنيا الا تتحول هذه الخشية الى عاصفة سياسية اقوى يصعُب التنبوء في مرارتها ونهاياتها ان أصر الطرفان المتنافسان على إقلاقنا كمواطنين هادئين وواعين لهما ومنهما في آن.
* اكاديمي وعضو مجلس محافظة الكرك “اللامركزية”.