لنرجع للأرض والمونة
نعم لنرجع نزرع ونحصد ونعمل سليقة ونعتمد على الله ليرجع عرق الفلاح ينعش حبات السنابل لنرجع لعصر الأنتاج والمونة لنشمر عن السواعد وننسى توضيفات المكاتب هذا لسان من سبقونا أحفر في الأرض تجد ذهباً ولكن أحفرها بعرق الفلاح لنرجع لعصر المونة وكلمة حيانة لكواير القمح لنستقبل الشتاء بالمونة كما كنا نستقبلها سابقاً لنرجع مصطلح الكرم والحاكورة لنرجع لتراثنا الأردني في أقتناء المونة حينها تطرق المزاريب أبوابنا ويقبع الناس بمنازلهم ينتظرون الخير القادم يستهلكون من مونة أرضهم من برغل وكشك وفريكة ومجادل ثوم وبصل ومكدوس وزيت زيتون ، ففي الأيام السابقة كان الفلاح الأردني يعتمد على مأكولات
كالقمح والبرغل والعدس وحتى الجوز واللوز والزبيب والقطين وحتى الشعيرية كانت تصنعها جداتنا من قمحنا وزرعنا والألبان ه والجبنة والسمنة ومناحل العسل شتويتنا كانت مجدرة وهي (مسامير الركب) تعطي جسم الإنسان المناعة والقوة وكل الفيتامينات لتقيه من الأمراض والبرد معتبرا أن الناس في بلدات وقرى الريف الأردني هم أقل عرضة للمرض من أولئك القاطنين في المدن . فمونتهم خالية من الهرمونات والكيماويات ومن المواد الحافظة لنرجع لزمن اللبنة المدحبرة المغموسة بزيت الزيتون والتي لها حيل حسب قول جداتنا اللبنةوالجبنة بالزمانات كان ألهم حيل زي خبز القمح البلدي والذي يدوم طويلاً لنرجع للخميرة الطبيعية لنرجع لجرار الفخار وخوابي الزيت فالزيت والزيتون هو شيخ السفرة بلا منازع لنصع صابوننا ببقايا زيتنا لنرجع لرائحة خضار البعل وما تجود به أرضنا البكر من عكوب وعلت وخبيزة وشماليخ وجلاتون وحويرنة وحبق وكزبرة برية وبندورة ومقاثي والزعتر وهو من أهم الخيرات التي وهبتنا إياها الطبيعة، فهذا النوع من النبات البري يحمل في أوراقه ورائحته فوائد صحية للإنسان لا حصر لها وفي الزمانات كان أهالي القرى المناطق التي ينمو بها الزعتر البري بتنقية الزعتر من الجبال ومن أماكن بعيدة، ثم يجفف على سطوح المنازل، وبعدها يتم تنظيفه من الأغصان وتركه بعيداً عن الشمس حتى يأتي موسم السماق في أواخر الصيف، يحضر الزعتر للمونة بطريقة بدائية، فيوضع في أكياس مع السماق ويطرق بمدقة كبيرة من الخشب حتى يصبح ناعماً، هذا العمل الشاق يحتاج لجهد ووقت، ولكن طريقة تحضيره تجعله من أفخر أنواع الزعتر. كانت نصيحة الأمهات لأولادهن خاصة في وقت الامتحانات “كلوا زعتر يا ولادي حتى يفتح دماغكم”…لنرجع صور جداتنا وهن يفتلن المفتول وينشفن الزعتر ويهدبن الشمغ ويلضمن الأبرة ويخبزن التنور والطابون لترجع الجدولة والبساط والطبلية وحميض لنرجع لمرطبانات التطلي الكبيرة تزدان بها المطابخ من ثمار الأرض والتي تعطي لو أعطيناها تعبنا وجهدنا وخاصة تطلي المشمش وحبات لوزه الشهية وتطلي العنب والتين والسفرجل ، لنرجع لطبخات أمهاتنا وجداتنا ، كشكية ، وكعاكيل وفطاير وطبيخ طيانات وصواني الطابون لنزرع أفران الطابون بين جنبات بيوتنا وخمم الجاج ونعيد نسمع صوت الديك ينادي الفجر لنرجع نسمع صوت جرس التيس ” المرياع ” وهو يقود الغنم وكذلك صوت خوار البقر وصهيل حصان عربي أصيل ، لنرجع للبرغل البلدي مجده لترجع قدور السليقة تسلق
في كل عام، وترجع حركة ناشطة على سطوح المنازل وهم ينشرون القمح المسلوق ، لنرجع نشتم رائحة التفريك في سهول أربد والكرك والسلط ومادبا
حين يتم شوي السنابل الخضراء في الحقل وسط مهرجان قروي يشارك فيه الجميع لمد يد العون لبعضهم البعض في أبهى صورة للقرية الأردنية الملونة بالطيبة والنقاء، يفرك القمح المشوي من قشوره ويجفف، ثم يتم جرشه وحفظه.
نعم تغير الكثير والكثيرمن سنوات مضت ومع سنوات الضنك لنرجع لما تبقى من أرض زراعية رونقها وبريقها لنستيقظ قبل شروق الشمس كل يبدأ فالأرض لا تعطي بالراحة والخمول بل بالدعاء والعمل ، فالنفس الطاهر في الفلاح لا تخربه السنون ولا يستطيع أن يتلوث بدنيا الحاضر