لنا الموت البهي!

مقال الأحد 22-9-2019
لنا الموت البهي!
يستطيع صاحب دولة أو معالي أو “باشاوية” أن يقيم حفل زفاف مهيب لابنه بفندق سبع نجوم ،يوّزع قبله بطاقات الدعوة المزركشة،يستقبل الحضور المنتقين بأعدادهم المحصورة،ويجلسهم على طاولات مصنّفة مسبقاً ..لكنه في نفس الوقت لا يستطيع أن يجبر ألاف البسطاء الطيبين المخلصين الفقراء أن يمشوا في جنازته أو يذرفوا دمعة واحدة سقطت حزناً على رحيله الهادئ…
**
الموت لا يحتفي أبداً ببطاقات الدعوة ، ولا تعنيه كثيراً بروتوكولات الحضور ، ولا المناصب التي جلس عليها المشيّع ، ولا ربطات العنق التي ان وضعت في ميزان الرحيل لا تساوي طوبة مستعارة من قبر قريب وجالون ماء ، هي مرقد الراحل الجديد..الموت يُفشل كل الترتيبات المسبقة وينتصر للتراب..
**
الا تلاحظون حتى مشاعرنا صارت طبقية ؟! لهم الأفراح الباذخة ،ولنا الموت البهي..يستطيعون أن يصنعوا حفلاً أسطوريا يحيه كل نجوم العالم ، لكنّهم لن يستطيعوا أن يصنعوا موتاً شعبياَ تحمله أكف الأغلبية الكاسحة من الفقراء والمتعبين والكادحين والعاجزين ، لا يستطيعون أن يخرجوا عجوزاً واحداً على كرسيه المتحرّك ليودع جثمان من أحب إلى مثواه الأخير…الفقراء لا ينسون نصيرهم حتى في الموت ، وبعد أن ترك حقيبته وسماعته في مكتبه المغلق ،وبعد أن تجمّدت ابتسامته في النفس الأخير ،وترك عيّنات الدواء المجاني على طاولته ودفتر الوصفات وشابيك الغرفة القديمة ، لم يتركوه ،لقدّ زفّوا قلبه الذي طالما جبر قلوبهم المكسورة..
جنازة الدكتور “رضوان السعد” أول أمس الجمعة ، كانت خير دليل على أن الشعب ينتصر لرموزه الحقيقيين ،لأبنائه الأوفياء ، لتقاسيم الأرض التي تشبهنا، لا لسيارات “التيسلا” ولا للحرس المرافق ولا للهالة ولا للزغاريد المعلبّة التي تطلقها السنة معدّة مسبقاً، السلطة لا تصنع حباً في قلوب الناس ، الكلمة طيبة والموقف ألأصيل والخلق النبيل ونظافة اليد والسيرة ، هي من توحّد القلوب خلفها، من شيّع الدكتور رضوان السعد من ألاف الأردنيين الجمعة لا يرتجون منه منصباً ولا عطيّة ولا نظرة رضا ولا مجاملة أو نفاقاً ولا طمعاً..هم قالوا بصمتهم وحزنهم لقد وقفت معنا عندما كنت قوياً ونحن ضعفاء على سرير العيادة ..لن نخذلك اليوم ونحن أقوياء وأنت على تابوت الرحيل..
الفقراء لا ينسون من كان يعالجهم أبداً …فكيف لهم أن ينسوا من يوجعهم؟!
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. رحم الله الدكتور رضوان… وابدعت في وصفك أستاذ احمد
    وسلامك وصل لي من الرمثا وأشكرك عليه
    ابو فارس من السعوديه

  2. من أحب الله و أخلص في عمله أحبه الله وأحبه الناس وأحبته الملائكة
    اللهم أبدله دارا خيرا من داره و أهلا خيرا من أهله و أدخله الجنة و أعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار .
    اللهم أرحمه فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك اللهم قه عذابك يوم تبعث عبادك .
    اللهم أنزل نوراً من نورك عليه .
    اللهم نور له قبره و آنس وحشته ووسع مدخله.
    اللهم ارحم غربته وارحم شيبته .
    اللهم اجعل قبره روضه من رياض الجنة لا حفرة من حفر النار .
    اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وأكرم منزله .

    لا إله إلا أنت يا حنان يا منان يا بديع السموات والارض تغمد الدكتور رضوان السعد برحمتك يا أرحم الراحمين .

  3. وصفت ما في قلوبنا….و عجزنا عن التعبير عنه…ربما استاذ احمد لم تلتقي الدكتور رضوان…في كل صباح كان يدخل بسيارته إلى المخيم…يتناول الصحيفة…يدخل إلى العيادة…و ما ادراك….طوابير من البشر من اربد و قراها…يمشي ببطء..ووجهه سبحان اللة منذ أربعين عام ذاك الوجه الملائكي
    لمسات يديه الناعمة…و صوته الخفيض…كانت تدخل امي عليه…و نحن أربع او خمس أطفال…يعرف امي..و خالاتي التسع..و اخوالى…يسأل عن إحدى خالاتى و هل استفادت على دواء الضغط…و عن خالي و أحواله بعد الجلطة..يعرف ٩٠% من أهالي المخيم…يفتح الجريدة ..مع خروج مراجع و دخول آخر يختلس سطرين من الجريدة…مازحته مرة متى تنهي الجريدة…قال..مع خروج آخر مريض عند المساء.
    و اللة لو ترشح للنيابة و لبلدية ل حصد ١٢٠ ألف صوت
    لكن رحمه اللة قمة التواضع…و الأخلاق….و الله و اللة تلقيت خبر وفاة أحد اعمامي من شهور…لم أحزن عليه مثل الدكتور رضوان…مواقفه لا تعد ولا تحصى …اعتقد الخسارة الأكبر لنا نحن…

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى