لمن ستكون الغلَبة في ليبيا.. لحفتر أم لخصمِه السراج؟ وهل تدعم روسيا الأوّل فِعلًا؟ وما مدى صحّة التّقارير التي تتحدّث عن قاعدةٍ تركيّةٍ في طرابلس؟ وكيف سيكون الرّد المِصري في حال إرسال قوّات تركيّة؟
عبد الباري عطوان
بعد لقائِه مع السيّد فايز السراج، رئيس حُكومة الوفاق الليبيّة المُعتَرف بها من الأُمم المتحدة في إسطنبول قبل أسبوع، قال الرئيس رجب طيّب أردوغان في ردّه على سُؤالٍ لأحد الصّحافيين الأتراك عن أسبابِ تدخّل تركيا في ليبيا “أنّ تدخّلنا يأتي للحِفاظ على الشرعيّة، خليفة حفتر ليس قائدًا شَرعيًّا لليبيا، ويُمثّل كيانًا غير شرعيّ على عكس حُكومة الوفاق التي تتمتّع بشرعيّةٍ دوليّة”.
تصريح الرئيس أردوغان هذا ربّما يُذكِّر الكثيرين بتصريحاتٍ سعوديّةٍ مُماثلةٍ أطلقها الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد السعوديّ، لتبرير إطلاق “عاصفة الحزم” في اليمن، وتَكوين تحالفٍ عربيّ من عشر دول يضُم قطر والإمارات وباكستان وماليزيا والكويت ومِصر ودول أُخرى إلى جانب السعوديّة، قبل أن ينكمِش إلى دولتين فقط، هُما السعوديّة والإمارات بعد انسِحاب الآخرين، وبقيّة القصّة معروفة.
لا نعتقد أن هذا “التّبرير” أو “الغِطاء” للتدخّل العسكريّ التركيّ في الصّراع الليبيّ سيُقنِع الكثيرين، لأنّ الثّمن الذي من المُمكن أن تدفعه تركيا من جرّاء إرسال قوّات ومعدّات عسكريّة إلى ليبيا لدعم حُكومة الوفاق “الشرعيّة” في طرابلس، ومنع قوّات المشير حفتر من السّيطرة على العاصِمة سيكون باهِظًا جِدًّا، أيًّا كانت النّتائج.
***
الرئيس أردوغان لم يكشِف حتّى الآن عن الدّوافع الحقيقيّة خلف أيّ تدخّل عسكريّ مُباشر، ولكن هُناك عدّة تقارير استخباريّة غربيّة، تقول إنّ أبرزها السّعي لإقامة قاعدة عسكريّة في طرابلس، على غِرار تلك الموجودة في الدوحة ومقديشو، تخدِم الاستراتيجيّة التي يتّبعها الرئيس التركيّ في السّيطرة على البحر المتوسّط، وفي إطار تنافسه مع الدّول الأوروبيّة المُطلّة عليه.
مُضافًا إلى الدّوافع العسكريّة الاستراتيجيّة، تُشكِّل ليبيا في نظر الرئيس أردوغان وخُبرائه الاقتصاديين فرصة اقتصاديّة وتجاريّة ضخمة للشّركات التركيّة، فليبيا دولة فاشِلة، بُناها التحتيّة مُدمّرة بالكامل، من جرّاء الحرب المُستمرّة مُنذ عشر سنوات، وتحتاج إلى ورشة إعادة إعمار شامِلة في مُختلف القِطاعات الكهربائيّة، والمياه، والتقنية، والإسكان، والصحّة، مُضافًا إلى ذلك يُمكن أن تكون سُوقًا خصبةً لمبيعات الصّناعة العسكريّة التركيّة المُتقدّمة في مجالاتٍ عديدة، ولا يُمكن استِبعاد الجانب الأيديولوجي أيضًا، فحُكومة الوفاق يغلب عليها الطّابع الإسلاميّ “الإخواني”، والرئيس أردوغان المعروف بدعمه للإخوان المسلمين لا يُريد أن يخسر حُكومتهم في ليبيا بعد أن خَسِر نظيرتها في مِصر.
يُخطِئ من يعتقد أن الحرب المُستَعِرة حاليًّا في ليبيا هي بين السراج وحفتر وقوّاتهما، إنّه صراع بين قِوى دوليّة وإقليميّة، والحسم لا يُمكن أن يأتي إلا من خِلال توافق دولي، وربّما هذا ما يُفسّر دعوة السيّدة أنجيلا ميركل، المُستشارة الألمانيّة، إلى اجتماعٍ حول ليبيا في برلين في الأيّام المقبلة دعت فيه الدّول العُظمى إلى جانب مِصر وأمريكا والجزائر وتونس وقطر والإمارات وإيطاليا، وتركيا، وفرنسا، واليونان، وقبرص، للحُضور للبحث عن حُلولٍ وتَسوياتٍ لهذه الأزَمَة.
الرئيس أردوغان يتّهم روسيا بدعم المشير حفتر والوقوف في خندقه جَنبًا إلى جنب مع مِصر والإمارات والسعوديّة، وقال إنّ شركة أمنيّة روسيّة اسمها “فاغنر” تقوم بإرسال مُقاتلين مُرتزقة للقِتال إلى جانب حفتر، ويُخطّط لإرسال وفد إلى موسكو للتّباحث مع المسؤولين الروس حول هذه المَسألة إلى جانب مسائل أُخرى في هذا المِلف، وشركة “فاغنر” هذه شبيهة بشركة “بلاك ووتر” الأمريكيّة إذا صحّت هذه الاتّهامات.
تفعيل تركيا لمُذكّرتي التّفاهم التي وقّعها الرئيس أردوغان مع نظيره السراج، حيث تَنُص الأُولى على إعادة ترسيم الحُدود البحريّة في المتوسّط وبما يُعطي تركيا حصّةً كبيرةً في احتِياطات الغاز، والثانية أمنيّة عسكريّة أبرز بُنودها التّعاون الاستخباريّ وإرسال تركيا معدّات عسكريّة وجُنودًا إذا تقدّمت حُكومة الوفاق بطَلبٍ في هذا الخُصوص، هذا التّفعيل قد يُشعِل فتيل حرب ضَروس في ليبيا قد تتطابق مع نظيرتها السوريّة، إن لم يَكُن أخطر.
المُقرّبون من حُكومة الوفاق يقولون إنّ قوّات مصراتة (إسبارطة ليبيا) أقوى بكثير من نظيرتها التي تُقاتل تحت راية المشير حفتر، وأنّها تأتمر بإمرَة الرّجل القويّ فتحي باش آغا الذي يتولّى وزارة الداخليّة في حُكومة السراج، ولكنّهم يعترفون في الوقتِ نفسه أنّ المشير حفتر يتفوّق في المجال الجويّ، حيثُ يملك طائِرات مُقاتلة حديثة ربّما حصل عليها من مِصر والإمارات.
لا نعتقد أن مِصر ستَقِف مكتوفة الأيدي في حال إرسال الرئيس أردوغان قوّات ومعدّات بريّة وبحريّة إلى ليبيا، والرئيس عبد الفتاح السيسي قال صراحةً إنّ ليبيا رُكنٌ أساسيٌّ من أركان الأمن القومي المِصري، لكن مصادر مِصريّة عليمة استبعدت كُلِّيًّا إرسال قوّات مِصريّة لدعم حفتر، وإذا حدث تدخّلٌ مِصريّ فسيقتصر على ضرَبات جويّة وربّما إرسال بعض السّفن الحربيّة، والدبّابات والمُدرّعات لدعم الجيش الوطنيّ الذي يتَزعّمه حفتر.
***
من يَحسِم الحرب في طرابلس سيكون له اليَد العُليا في ليبيا، فالمِنطقة الغربيّة تضُم حواليّ 60 بالمِئة من عدد سُكّان البِلاد، ومُعظَم مُقاتلي حفتر من جُنود نظام القذافي والقبائل الحَليفة له، مثل ورفلة، والمقارحة، والعبيدات، وترهونة، وورشافة وغيرها، ومُعظم هؤلاء من هذه المِنطقة، ويُريدون الثّأر من مصراتة وقوّاتها التي أطاحت بنِظام العقيد القذافي وأعدمته ومَثّلت بجُثّته.
بعد إعطاء المُتحدّث باسم قوّات الجيش الوطنيّ التّابع للمشير حفتر مُهلة ثلاثة أيّام لقوّات مصراتة للانسِحاب من طرابلس وسِرت، من المُتوقّع أن تشهد الأيّام المُقبلة تَصعيدًا في المُواجهات العسكريّة، ولكنّ مُراقبين يُحذّرون من التّعويل كثيرًا على هذه التّهديدات، فالمشير أعلن الهُجوم الشّامل، وأعلن ساعة الصّفر لاستعادة طرابلس في نيسان (إبريل) الماضي.
يَصعُب علينا التكهّن بِما يُمكن أن تتطوّر إليه الأوضاع على الأرض الليبيّة، فالأنباء مُتضاربة، ولكن إذا صحّت التّقارير التي تُؤكّد أنّ روسيا تدعم المشير حفتر، وأمريكا على الحِياد، فإنّ هذا ليس فألًا جيّدًا للسيّد فايز السراج وداعِميه، بالنّظر إلى الدّور الذي لَعِبه الرئيس بوتين في تغيير مُعادلات القوّة على الأرض السوريّة بعد تدخّل قوّاته وإلقاء كُل ثُقله إلى جانب الجيش العربي السوري والرئيس بشار الأسد، ومِن المُفارقة أنّ تركيا كانت، وما زالت، المُتدخّل الأكبر سِياسيًّا وعَسكريًّا في الأزَمَة السوريّة أيضًا.. واللُه أعلم.