لماذا ينكص الثوار على عقبيهم؟
د. فايز أبو شمالة
يطيب الحديث في شهر رمضان عن الماضي، وعن تجربة الشعب الفلسطيني الطويلة في مواجهة أعدائه، وما هي الملابسات والظروف التي نقلت بعض الرجال من مواقع المواجهة مع العدو المشترك، إلى مواقع التصالح والتصافح والتسامح مع العدو، ومعاداة الأخ والجار والصديق، وهل كانت تصفية بعض القادة العملاء حلا ًلتكاثرهم وتوالدهم فيما بعد، أم أن هناك زوايا أخرى للمشهد، يمكن النظر منها، وقراءة التجربة بشكل آخر.
كان فخري النشاشيبي أحد القادة البارزين المنظمين للإضراب في المدن الفلسطينية عام 1936، أي أن الرجل بدأ حياته ثورياً، رافضاً للاحتلال البريطاني والاستيطان اليهودي على أرض فلسطين، وكان زميله فخري عبد الهادي ثائراً مثله، ورافضاً للانتداب البريطاني، بل كان فخري عبد الهادي نائباً لفوزي القاوقجي في بداية الثورة، وكان قائد الفصيل الفلسطيني في قوات المتطوعين، فكيف تحول الرجلان من قادة لثورة 36 إلى أعداء للثورة، ولماذا تحالفا مع الاستعمار البريطاني والعصابات اليهودية؟
وهل كان الصراع بين ثوار 36عائلياً كما تقول كتب التاريخ؟ أم كانت هناك أطماع شخصية، وأحقاد دفينة جرفت البعض باتجاه العدو؟ أو ربما تضاربت المصالح بين قادة الثورة، فنجح البريطانيون واليهود في استمالة البعض، وتوظيف روح التنافس لخلق زعامات بديلة تحارب الزعامة التقليدية؟ ولماذا لم تنجح قيادة ثورة 36 بتفادي الانقسام، وتجنب غضب بعض العائلات والزعامات الفلسطينية، والحيلولة دون انضمامها لصفوف المتمردين على الثورة؟
وهل كانت أخطاء قيادة ثورة 36 سبباً لتنفض عنها بعض العائلات، وتحاربها بكل خيانة؟ أم كأن للمال اليهودي والسلاح البريطاني الدور الأبرز في التآمر على الثورة، حيث انفقوا بسخاء على فصائل السلام الفلسطينية، لتسهم في اجتثاث الثورة، وملاحقة قادتها، وتصفيتهم وإعدامهم.
تقول لنا الذاكرة الفلسطينية: بعد فشل الانجليز في تصفية ثورة 36، لجأوا إلى تجنيد عدة زعامات وشخصيات للعمل ضد الثورة، في البداية كان الخروج من صفوف الثورة وجلاً وخجلاً، ومتردداً، ومع الأيام، زاد صخب التمرد على الثورة، وقد وصل الأمر إلى حد الخروج العلني ضد الثورة والثوار، حين نجح فخري النشاشيبي بعقد اجتماع شعبي ضد الثورة في بيته شهر 9/1938، وكان هدف الاجتماع دعم فصائل السلام، ومناوأة الثورة، ومطاردة فلول قواتها، ونجح فخري في تنظيم اجتماع آخر في قرية “يطا” قضاء الخليل في شهر ديسمبر 1938، وحضر الاجتماع الجنرال البريطاني أوكونور القائد العسكري العام لمنطقة المركز.
هذه الاجتماعات التي أشرف عليها البريطانيون، وتم خلالها توزيع السلاح على الفلسطينيين المنسقين أمنياً، وتم صرف 6 جنية فلسطيني لكل مجند، هؤلاء تمكنوا بعد ثلاثة أشهر من تصفية قائد الثورة عبد الرحيم الحاج محمد، بعد أن أرشدوا الجيش البريطاني على مكمنه في شهر 3/1939، فقاتل الرجل أعداء الأمة ببسالة حتى ارتقى شهيداً.
فهل أغلق تاريخ فلسطين صفحاته بتصفية قادة ثورة 36، أم للحكاية بقية؟
تقول لنا التجربة: بعد ثلاثة أشهر من تصفية قادة الثورة، أي في منتصف عام 1939، طالبت بريطانيا من فخري النشاشيبي وفخري عبد الهادي بتسليم السلاح، فقد انتهت المهمة، ولم يعد لكما حاجة إلى السلاح، وتقرر وقف صرف المال لهم.
لقد ألقى البريطانيون وعصابات الصهاينة بمن تعاون معهم إلى مقصلة الشعب، فتمت تصفية فخري عبد الهادي شمال الضفة الغربية سنة 1943، وتمت تصفية فخري النشاشيبي في شوارع بغداد بالعراق سنة 1941، فهل أشفى القتل غليل الشعب؟ وهل أوقف القتل المؤامرة؟
لقد ضاعت ثورة 36، وضاعت التضحيات الجسيمة، وضاعت بعد ذلك أرض فلسطين، وضاع الشعب الفلسطيني، وخسر من نسق مع الاحتلال حياته ومستقبل أبنائه، بعد أن خسر شرفه وأضاع وطنه.