لماذا يخفي الكيان الصهيوني وثائق النكبة؟

سواليف – أوصت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون الأرشيف، المخابرات العامة، ووزارة الحرب، ووزارة الخارجية، بتمديد فرض السرية التامة على جميع الوثائق المتعلقة بجريمة تهجير الفلسطينيين عام 1948، وما قبلها وما بعدها، والمجازر الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وهذه الوثائق محفوظة بـ»أرشيف الدولة»، ووفقاً للنظام الإسرائيلي المعمول به، يجري الكشف عن الوثائق الإسرائيلية السرية بعد (20) عاماً، باستثناء جرائم طرد الفلسطينيين من وطنهم، وتحويلهم إلى لاجئين في شتى أنحاء العالم، والمجازر ضد الفلسطينيين، فإن الكشف عن هذه الجرائم وفقاً للنظام الإسرائيلي يجري بعد (40) عاماً، وربما أكثر، كما أن هناك وثائق حول جرائم لا يتم الكشف عنها إطلاقاً، ولان مثل هذا الكشف والاعتراف بمسؤوليتها سيحملها المسؤولية المطلقة عن طرد الفلسطينيين، والمسؤولية عن تشتيتهم، كذلك عن المجازر المعروفة والمخفية.

بتاريخ (15) من شهر أيار 1948، والأشهر التي تلتها، طردت إسرائيل نحو (700) ألف فلسطيني، إلى خارج الوطن، وهدمت قراهم التي يبلغ عددها نحو (500) قرية، وحولتها إلى مستوطنات لإسكان المهاجرين اليهود الجدد فيها، وحسب جريدة «هآرتس 1-9-2016» فإن رئيس الحكومة «دافيد بن غوريون»، أمر بتاريخ 24-5-1948، أي بعد إقامة إسرائيل بعشرة أيام، بتدمير مدينتي اللد والرملة على الفور، ومع ذلك، تبقى في هاتين المدينتين أقلية من سكانها، ونفس الشيء في حيفا وعكا ويافا عجزت عن تهجيرهم، مع أنها فرضت الأحكام العسكرية، ونظام التصاريح للتنقل، إضافة إلى فرض سياسة التفرقة العنصرية.

لقد نشرت جريدة «هآرتس بتاريخ 3-2-1995»، ما أتيح لها من نشره، مستندة إلى محاضر الحكومة في أشهرها العشرة الأولى، بعد تشكيلها برئاسة «بن غوريون»، وهذه المحاضر تؤكد أن تهجير الفلسطينيين جاء وفقاً لمخطط صهيوني، وضعه آباء الحركة الصهيونية، ومن أجل تنفيذ هذه الخطة، كان من بين الأساليب لتحقيق الهدف، ترويع الفلسطينيين، والاعتقالات والتنكيل والمجازر والاغتصاب، كوسيلة لحمل الفلسطينيين على الهجرة، حتى أن «بن غوريون»، كان يأمر قياداته العسكرية باستعماله مصطلح «التنظيف»، أي تنظيف الأرض من الفلسطينيين، وكان «بن غوريون» يخطط لاحتلال الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ويرى أن هذا سيؤدي إلى تهجير أكثر من

(100) ألف فلسطيني من هذه المناطق، مما يؤكد مرة أخرى، المسؤولية الصهيونية عن خلق قضية اللاجئين الفلسطينيين مع سابق عمد وإصرار، وأن مجزرة دير ياسين، التي نفذت عشية إقامة إسرائيل وأدت إلى ترويع الفلسطينيين، تندرج ضمن خطة التهجير، ، كذلك مجزرة كفر قاسم، التي نفذت أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، فقد مر على هذه المجزرة (60) عاما،ً ويتم إحياء ذكراها كل عام، والذي أمر بتنفيذها رئيس الحكومة آنذك «بن غوريون»، والتي أدت إلى استشهاد (49) مواطناً، إضافة إلى عدد كبير من المصابين، وكان هدفها حمل سكان كفر قاسم وقرى المثلث على مغادرة وطنهم إلى خارج الخط الأخضر، فإن الهدف الإسرائيلي هو التخلص من الأكثرية الفلسطينية، وحاولت إسرائيل عدم الكشف عن هذه المجزرة بل إخفائها، غير أن باحثين تقدميين يهود، كشفوا عنها، بينهم الباحث «تيدي كاتس»، الذي أعد رسالة الماجستير عن مجزرة الطنطورة، وأشرف على رسالته، المؤرخ التقدمي المعروف «آيلان بابي» المهتم بالقضية الفلسطينية، وقضية اللاجئين، والشيء بالشيء يذكر، فإن أول من كشف عن مجزرة كفر قاسم، كان النائب العربي الذي ينتمي للحزب الشيوعي «توفيق طوبي»، حيث قامت جريدة الاتحاد الحيفاوية بإثارة وتغطية هذه المجزرة إعلامياً، وسرعان ما تناقلتها وسائل الإعلام العالمية، أما من أشرف على تنفيذ مجزرة كفر قاسم فهو الضابط في الجيش الإسرائيلي «شموئيل ملينيك» من لواء شدمي، فإسرائيل التي تدعي بأنها دولة الديمقراطية والقانون، حكمت على هذا القاتل بغرامة تساوي قرشاً واحداً، والحقيقة أن المجرم الحقيقي لهذه المجزرة والمجازر الأخرى، هو «بن غوريون» الذي أعطى الأوامر.

الكاتب الإسرائيلي «يارون لندن»، حاول من خلال مقال له في جريدة «يديعوت احرونوت 6-9-2016»، المقاربة بين المحرقة في بولندا ضد اليهود، مع النكبة الفلسطينية، ليقول أنه بدأ يشك في الرواية الصهيونية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وقضية اللاجئين الفلسطينيين، والتي أثرت في قلبه ووجدانه، ويقول أنه عندما كان على مقاعد الدراسة، «كذب علينا معلمونا، عندما قالوا لنا أن كل الفلسطينيين الذين تركوا بلداتهم عام 1948، أغرتهم وعود زعمائهم، أنهم سيعودون وسيرثون الممتلكات اليهودية.»

ويضيف: «عندما وصلت إلى سن الرشد، تبين لي أننا طردنا وهدمنا وقتلنا، وأن المؤسسة الحكومية عملت على منع عرب الداخل من التعبير عن فقدانهم لوطنهم، مما يدل على أننا غير واثقين بأنفسنا، وأن الأكاذيب التي نروجها بأنفسنا، هي بمثابة المورفين الذي ينبغي زيادة حقنه، لإسكات دودة الشك التي تفتعل في أحاسيسنا»، ليصل هذا الكاتب، بمحاسبة النفس، بأن محارق بولندا وغيرها، مساوية مع المحارق والنكبة الفلسطينية ، وفي كتاب يحمل عنوان «طرد الفلسطينيين وولادة مشكلة اللاجئين»، الذي ترجم إلى العربية، يؤكد كاتبه–المؤرخ الإسرائيلي «بني مورس»- عملية طرد الفلسطينيين، وخاصة طردهم من اللد والرملة.

أنا بنفسي شاهد عيان على عملية الطرد، فقد عمل الاحتلال على اعتقال معظم الرجال بعد احتلال فلسطين، وكانت قوات الاحتلال تجمعهم في معسكرات تابعة للجيش البريطاني في عتليت، جنوب مدينة حيفا، وكنت شخصياً مرشحاً لهذا الاعتقال لولا صغر سني في حينه، وكان الاحتلال يزج المعتقلين بالشاحنات ويقذف بهم داخل الحدود اللبنانية، كما شاهدت ما كان يطلق عليها بالزحافات -»سفن عسكرية بريطانية» -المتعاونة مع الحركة الصهيونية، تعمل على نقل المواطنين من ميناء حيفا وقضائها إلى ميناء عكا، ما بين اللجوء إلى أقربائهم في المدينة، أو إلى أقربائهم في قرى الجليل، ومن لا أقرباء أو معارف له، كان يتجه إلى رأس الناقورة الحدودية مع لبنان، ليبقى السؤال: لماذا تخفي إسرائيل وثائق النكبة الموجودة في أرشيفها؟ والجواب القاطع لأنها تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم، وتحاول إخفاءها.

الرأي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى