سواليف
لمرتين متتاليتين، داهم تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) بيت أحمد الآلوسي للقبض عليه، لكنه كان يعلم جيداً أن عناصر التنظيم يبحثون عنه لاعتقاله، وهو ما جعله يتخذ أماكن بديلة غير بيت عائلته؛ فهو إعلامي عُرف في الوسط الصحافي بالموصل، شمالي العراق، قبل سيطرة “داعش” عليها صيف 2014.
لذلك سعى المصور الصحافي الشاب أحمد الآلوسي، بحسب ما نشر موقع “العربي الجديد” إلى الهرب من مدينته، للنجاة بنفسه. وتمكن من ذلك، ليصل إلى بغداد، ثم يشد الرحال نحو تركيا، ومنها اتخذ طريق البحر، برفقة مهاجرين من بلدان مختلفة عبر زورق للتهريب للوصول إلى اليونان، وهدفه الأول الوصول إلى فنلندا.
بإصراره، بلغ الآلوسي هدفه الأول. وصل إلى فنلندا، حيث تحتم عليه البدء بالخطوة الثانية. في حديثه لصحيفة “العربي الجديد”، يؤكد الآلوسي أنه ركز على كيفية إقامة معرض فوتوغرافي. إنه بالواقع صعب جداً، بحسب قوله؛ فهو لا يملك مالاً، وليست لديه علاقات في الوسط الثقافي أو الفني أو الإعلامي أو غيرها من الأوساط في هذا البلد الأوروبي، لتدعمه في تنفيذ معرضه.
لكن ما فائدة هذا المعرض؟ وما الذي سيجنيه هذا الشاب الفنان المدفوع بالطموح؟ يقول الآلوسي إنه يحمل رسالة، وإنه هو من كلف نفسه بحمل الرسالة تلك، وفي مضمونها أنه يجب أن يوصل إلى العالم الصورة الحقيقية لمدينته الموصل، وبلده العراق بشكل عام.
بعد سؤال وبحث اكتشف المصور الشاب القادم من المدينة التي اتخذها “داعش” عاصمة لما أسماها “دولة الخلافة”، وجود شركة فنلندية تدعم الفنانين ممن يملكون فكرة جديدة.
فكرة أحمد الآلوسي لاقت استحسان الشركة، التي بدورها قدمت دعماً وصفه الآلوسي بالمجزي، ليبدأ خطوة مهمة، أوضح أنها فتحت له باباً واسعاً للعمل وإيصال ما يريد إيصاله.
نجح المعرض بشكل كبير، يقول الآلوسي، مشيراً إلى أن معرضه كان قد عرض فيه صوراً التقطها لمدينته الموصل قبل سيطرة “داعش عليها”.
الصور تلك تنقل جمال المدينة، طبيعتها وآثارها وشوارعها وناسها وأسواقها، مبيناً “كان لا بد من أن أنقل الصورة الحقيقية لمدينتي، التي لا يعلم الناس عنها سوى القتل والموت والخوف”.
“تلك هي رسالتي”، يقول المصور الشاب، موضحاً “إنها تحمل عدة محاور فأنا أردت من خلالها أن أوصل للمجتمع الأوروبي أن مجتمعنا متعدد الثقافات، ويحب الحياة، وأن بلدنا ليس فقط بلد حروب وفقر ودمار”.
لكي يوصل صورة أكثر وضوحاً للأوروبيين، لا سيما أن الكثيرين منهم لا يعلمون شيئاً عما يدور في العراق، بحسب قول الآلوسي، “جمعت صور الدمار التي تجسد ما حلّ بالموصل على هيئة صور صغيرة الحجم ووضعتها في لوحتين، وكانت جزءاً من المعرض، لم أفكر بتسليط الضوء عليها؛ لأن همي كان توضيح الصورة الحقيقية للموصل، فكان أن طبعت الصور التي تظهر جمال الموصل بأحجام كبيرة، لذلك يرى الزائر أن الدمار الذي حل بالموصل، لا يقارن مع الجمال الحقيقي الذي تتمتع به”.
تلك الفكرة كانت كفيلة بأن توضح لزوار المعرض من الفنلنديين ما فعله “داعش”، وفقاً للفنان الآلوسي، مبيناً أن زوار المعرض “أدركوا وجود تباين قبل وبعد داعش، الذي حوّل الحياة النابضة بالأمان والسلام والحب في المدينة إلى حرب ودمار، وهو أيضاً توضيح لقصص المهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا، بأنهم لم يهاجروا من بلدانهم التي احتلها داعش للاشيء بل من بعد التعرض للقتل ودمار مدنهم واضطهادهم”.
ويضيف: “تلك الحقائق لا يعلم الناس هنا عنها شيئاً، هم لا يدرون ما جرى في بلداننا من دمار. أو أنهم لا يعلمون الحقيقة، وحين نقلت لهم الواقع تأثروا كثيراً وصاروا يتعاطفون مع قضيتنا”.
يصف الآلوسي معرضه الأول بأنه كان مفتاح النجاح، الذي تسبب بفتح باب الأعمال الفنية الجديدة والمعارض المختلفة، التي تصب في خدمة هدفه وقضيته. ويوضح أنه ومن خلال معرضه الأول تعرف على عدة مصورين وبنى علاقات جيدة، في الوسط الفني والإعلامي. ويتابع “الآن أقيم معرضاً مشتركاً مع مصور فنلندي، وأقمت معه معارض مشتركة في عدة مدن، وأنا مستمر في العمل معه ولدينا عدة معارض قادمة منها معرض في مدينة بريمن الألمانية، قائلاً “أنا الآن أيضاً أعمل مع المتحف الفنلندي للتصوير الفوتوغرافي، وعملت مع الأمم المتحدة وجامعات وعدة مؤسسات فنلندية”.
التصوير لغة يفهمها الجميع، هي لا تحتاج إلى شرح وتبيان معان، فالصورة مفهومة وواضحة وتنقل الحقيقة، بحسب الآلوسي، مستطرداً بالقول “من بين المشاريع المهمة التي أرى أنني نجحت في إيصال رسالتي من خلالها، زياراتي إلى المدارس الثانوية وشرحي للطلاب عن بلدي ومدينتي وأعرض عليهم الصور التي أحملها معي، وتردني دعوات مختلفة لزيارة المدارس لإطلاع الطلاب على واقع بلدي، وهذا يعتبر نجاحاً كبيراً ودليلاً قاطعاً على أني نجحت في التأثير عليهم وبذلك نجحت في إيصال رسالتي”.
ويضيف: “كان التأثير واضحاً على الطلاب، لقد علموا أن هناك على هذا الكوكب من هم يعيشون في وضع كارثي، فيما هم يعيشون ظرفاً مغايراً ينالون فيه جميع حقوقهم وفقاً للقانون”.
أما وسائل الإعلام الفنلندية، فقد سلطت الضوء على المهاجر العراقي الشاب، الهارب من ملاحقة “داعش”، وهو يشرح عبر صوره قصة وطنه وشعبه، مبدية اهتماماً بالغاً بهذا الفنان، الذي أثر من خلال فنه في الجمهور الأوروبي مستغلاً خطابه الإنساني.
العربي الجديد