لماذا وصفي ؟ / د. صالح سالم الخوالدة

لماذا وصفي ؟
وصفي: وُلِد وعاش ونام عظيماً…! له يوم ميلاد، وليس له يوم وفاة، فلا أظن أن هناك أردنيّ عاصرة أو لم يعاصرة، يعلم أم لا يعلم؛ إلّا ووصفي جزء أصيل من وجدانه…!
في وقتنا الذي خلت فيه الأردن من السياسيين ورجالها، وتحوّل أغلبهم إلى موظف تابع مأمور؛ كان وصفي ذكيّاً كرجل سياسة، وأهدافه واضحة ومستقيمة ولو أنّه كان يُخطئ أو يصيب كغيرة من البشر، إلّا أنّ هدفه الأسمى كان حماية الأردن وهويّته، وعمل ليكون الأردنيّ منافساً لا مشاركاً فقط في هذا العالم…!
وصفي لم يستأذن إلّا الدستور القائم، فلا اتصل بمدير جهة أمنية متوسّلاً أو بوزارة أو مؤسسة حكومية متسوّلاً، لقد كان مستقلّاً ومعتدّاً بذاته وبرمزيّته ودوره، فكان رأيه من رؤيته، وكان دولة داخل دولة لقيمته وأهميّته وإخلاصة واحترامة، لا لأنه مُخبراً أو يعمل لدى جهات أمنية (بالألوه) فتدعمه وتفرضه ظلماً وعلوّ، وبذلك حاز على احترام منتقديه قبل حبّ مؤيّديه…!
وفي وقتنا الذي يرتدي فيه الكثيرون منّا ملابس الكيان الصّهيوني، ويتلذّون بسحت فاكهته، ويصدرون أو يستوردون الغاز منه؛ كان وصفي مسلماً عربيّاً يكره اسرائيل بعنصريتها وطائفيّتها واحتلالها لأرض عربية مقدسة، فمات وهو يهفو إلى القدس ويتحدّث بها، فكانت هاجسه الأقوى، ولم يرضَ أو يقبل خيانتها رغم إغراءات العرض أو قوّة الطلب، فهو الذي كان يعتبر الخيانة والخطأ سيّان إذا كانا يتعلّقان بالأوطان، فما بالك إذا كانا يتعلّقان بمقدّساتها الإسلامية؟!
وفي الوقت الذي يجهل فيه ساستنا ونوّابنا ورجال الدولة ومنظّرونا الإعلاميّيون لغة البلاغة ويتقنون لغة الرّكاكة والرّطانة، فينصبون الفاعل ويرفعون المفعول، يذكّرون المثنى ويؤنثون المذكر، فلغتهم كسياستهم، ونحوهم ككذبهم، وصرفهم كفسادهم؛ كان وصفي يختار تعبيراته السّياسية المستندة للاستعارات الأدبية الموحية والضّاربة والمؤثرة، فيَفهَم ويُفهِم…!
نزف الرّمز وصفي دمه الساطع اللذيذ العطر من أجل شعب بأكمله؛ في حين نرى اليوم شعوباً كاملة تنزف دماؤها من أجل شبح أو عدة أشباح مصنوعة لا لون لهم ولا طعم، فقط لهم رائحة وليتها لم تكن عفنة، فيهرب منها الأفطس قبل ذي الأنف!!!
والإجابات بـــــــ (لأنّه) على (لماذا) وصفي كثيرة ولا تنتهي، لكن زبدتها هي: أنّ وصفي شريك حياتنا اتفقنا أو إختلفنا…!
ورغم مرارتها؛ فالحقيقة هي: أنّنا ودّعنّا وصفي، وودعنّا معه كذلك مرحلة وجزءاً كبيراً من أعمارنا، فلا وصفي سيعود، ولا أعمارنا ستعود، فلنعمل ولندعو الله أن تعود الأردنّ إذن…!!!
هذه هي الحقيقة، ولن نبطل مرارتها؛ إلّا إن عرفنا بأنّ وصفي لا يعود أبداً؛ وفهمنا بالتّالي أنّه فقط يمكن أن يُعاد…!
نعم؛ وصفي لا يعوووووود، وصفي يُعاااااااد…!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى