لماذا هرب بيل غيتس من الأردن؟ / بسام البدارين

أزمة الاستثمار… لماذا هرب بيل غيتس من الأردن؟

ترتسم معالم الدهشة والاستغراب على ملامح ووجه رجل اعمال عراقي كبير قرر وضع جزء من استثماراته في الاردن عندما يستمع لأحد الموظفين في وزارة الصناعة والتجارة يعالجه بالسؤال الاستنكاري على النحو التالي: هل حقا.. تريد وضع هذه الملايين في الاردن؟.
لم يتردد المستثمر المفترض بعد السؤال وخلال ساعات كان يغادر مع اوراقه وملايينه العاصمة عمان.
حادثة اخرى تحدث عنها خبير اقتصادي بارز يدير استثمارات في مجال الاتصالات وهو محمد صقر الذي كشف للرأي العام حادثة طريفة حصلت مع امبراطور صناعة الاتصالات العالمي بيل غيتس.
الاخير ـ نقصد العم بيل غيتس ـ طرح سؤالا على أحد المسؤولين الحكوميين حول خطة البلاد في مجال البنية التحتية للاتصالات العصرية فاكتشف الضيف الأمريكي الشهير بأن المسؤول الاردني يرغب بكل شيء دفعة واحدة ولا يحدد ما الذي يريده.
ساعات قليلة غادر بيل غيتس الاردن بدون حتى وداع.
القصص لا تنتهي ولازالت حديث المجالس في الاردن.. مستثمر كبير حاضرت به عن الوطنية موظفة في البنك المركزي عن عدم حاجة المملكة للاستثمارات على حساب ما قالت انه الكرامة الوطنية التي يتحدث عنها الجميع خصوصا في طبقة البيروقراط دون حتى تعريفها.
احدهم اقترح على وزارة الزراعة تمكينه من الاستثمار في منطقة جبلية فيها معادن نفيسة وفكرته كانت منحه حق الاستثمار لاستخراج المعادن لعدة سنوات بالشراكة مع الحكومة ثم التزامه الخطي والقانوني بتسليم الجبل الذي سيستثمر فيه على شكل غابة ومرافق سياحية تملكها الدولة.
طبعا تجاهلت وزارة الصناعة الاقتراح الذي كان سيرفد الخزينة بملايين الدولارات فيما تبين لاحقا بان مسؤولا بارزا في الوزارة له شقيق يريد الاستثمار في نفس المنطقة الجبلية لكن ليس على اساس استخراج المعادن بل تقطيع وبيع الصخور والأحجار.
بكل الاحوال ثمة عشرات من القصص المماثلة التي لا تناقش ولا يتحدث عنها القوم بمسؤولية وصراحة رغم ان الجميع يتحدث عن اهمية جذب الاستثمار في الوقت الذي يعترف فيه كبار الخبراء بان جذب الاستثمار يتحطم دوما على صخرة موظفين بيروقراطيين تشاء أمزجتهم اعاقة كل شيء أحيانا او لديهم خطط وطموحات فردية وشخصية تتطلب طرد المستثمرين واقصائهم.
حتى الآن يتحدث الجميع في الاردن عن نافذة موحدة عن تشجيع الاستثمار لكن هذه النافذة لازالت مغلقة ولم تفتح بعد والسبب مجهول وسرعان ما يتورط اي مستثمر خصوصا إذا كان اردنيا بسلسلة لا نهائية من المراجعات والوثائق البيروقراطية التي تجعله هدفا دوما لمصائد الموظفين ونكاياتهم بدون مراجعة حقيقية من اصحاب القرار السياسي.
لا احد حتى الآن يضع وصفة لمعالجة مثل هذا الاستعصاء في بلد كالاردن تخفق ادارته الحكومية حتى في استثمار حالة الأمن والاستقرار التي توفرها دوما الأجهزة الأمنية وتنوع فرصها القيادة العليا فيما تسقط الافكار والمشاريع والمقترحات الكبيرة عند اول اختبار له علاقة في حلقات الادارة الدنيا حيث موظفون بائسون يزاودون على الجميع مرة باسم الولاء والانتماء ومرة باسم الوطنية وثالثة باسم تجوع الحرة ولا تأكل ثدييها رغم ان الحرة جائعة وأصيبت بالجفاف فعلا وفقدت ثديها.
المعضلة يتحدث عنها الجميع عندما يتعلق الأمر باعاقة الاستثمار أو الضغط على القطاع الخاص دون ان يكفل هذا الحديث تقدم أي محاولة حقيقية للمعالجة والاستدراك خصوصا في ظل وجود عشرات الأجهزة الرقابية والجهات التي ينبغي مراجعتها عند اي ترخيص.
لا افهم كثيرا بمثل هذه القضايا ولا حتى قليلا لكني خضت تجربة شخصية صغيرة فالحصول على ورقة تسمى رخصة مهن من البلدية يعني على الاقل مراجعة اكثر من «ست» مؤسسات كل واحدة منها تحتاج لـ»ست» مؤسسات اخرى وهو امر من الواضح بان الرواد في مجال الاعمال والصناعة والتجارة يواجهونه بصفة يومية.
صديق لي فكر بافتتاح محطة وقود فطلبت منه موافقات تخص اربع عشرة مؤسسة رسمية ست منها مؤسسات امنية حيث لا يوجد مكتب موحد للتراخيص الاستثمارية وحيث يمكن لتوقيع أو ختم اداري ارجاء وتأجيل مشروع ضخم بعشرات الملايين.
صديق آخر دفع مليون دولار ثمنا لخطأ لم يرتكبه بسبب طول اجراءات التقاضي التي تتعلق بالقضايا المالية وثالث كاد يخرج من السوق وقضيته منظورة لأربع سنوات لم يشتغل خلالها بشلن واحد وعندما نفذ المطلوب منه ظلما لكي يحصل على الخلاص الذي يسمح له بالعمل بدأت العاب المحامين في تعطيل مصالحه لأربع سنوات اخرى.
نتائج مثل هذه الاشكالات ملموسة للجميع في الأردن فالاوساط الخبيرة تتحدث عن اغلاق او انسحاب نحو اربعة آلاف منشأة تجارية أو صناعية بسبب الضرائب والرسوم وكلفة فاتورة الطاقة والتعطيلات البيروقراطية واهم اشارة بالنسبة لرئيس وزراء سابق سمعته يتحدث توحي بعدم الاستقرار تتمثل في تعديل قانون الضريبة ثلاث مرات على الأقل في الأعوام الأربعة الماضية وهو أمر سمعت رجل اعمال يقول بانه منفر جدا لأي استثمار من أي نوع.
استمعت لعشرات من رجال المال والأعمال يتحدثون بحسرة وألم عن تلك النظرات الكيدية او الانتقامية أو الثأرية التي يرمقهم بها موظفون من كل الاصناف عند المراجعة في معاملات رسمية.
القطاع الخاص بالاردن يئن ويتألم والحكومة تتعامل معه بعداء شديد وبخصومة غير مبررة ورجال الاعمال المتوسطون يخرجون من السوق الواحد تلو الآخر وبعضهم يتمنى ان تبتلعه الأرض بعدما استثمر ما لديه دون عوائد في الوقت الذي استنفدت فيه طاقته تلك النظرات البائسة.

٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

بسام البدارين

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى