لماذا صفق الكونغرس الأمريكي واقفا لنتنياهو؟

#سواليف

لماذا صفق #الكونغرس #الأمريكي واقفا لنتنياهو؟
د. #عبدالله_عدوي- أكاديمي فلسطيني
ما زال سؤال الاستفهام المتعلق بسرّ الدعم الغربي اللامحدود لدولة #الاحتلال الإسرائيلي لا سيما الأمريكي منه، يتجدد مع كل مواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين وغيرهم، وتارة ما يرد ذلك للبعد الديني الذي تشترك فيه #الصهيونية والصهيونية الدينية في بعض المنطلقات والمنتظرات، فضلا عن المصالح الاقتصادية والسياسية لهذه الأطراف، إلى جانب ضغط اللوبي الصهيوني المتغلغل في البنية الغربية والأمريكية على وجه الخصوص.
إن فهم التطورات السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي مجردة من السياق التاريخي لنشأة كيان الاحتلال، يبقى قاصرا ولن يحقق فهما شافيا ومفسرا بصورة واضحة لطبيعة العلاقة بين القوى الغربية وهذا الكيان، والتي لم تزد المبررات ومساعي التفسير فيه إلا محاولة عكس للواقع ضمن المعطيات السياسية المعاصرة ومتغيراتها فحسب.
إن تأسيس التحليل على قاعدة ” أن من أنشأ دولة الاحتلال هي قوى الاستعمار التي كانت تسيطر على العالم العربي”، وما يعنيه ذلك من دور وظيفي لهذه الأداة المسماة “إسرائيل” لتحقيق الأهداف الغربية والتحكم والسيطرة وضمانهما في الدول العربية، ويعطي صورة واضحة لما قامت به إسرائيل طوال السنوات التي تلت الانسحاب العسكري لقوى الاستعمار وإحلالها مكانها وقيامها بدورها.
إن هذه القاعدة تكشف منطق السخاء الغربي في الدعم الكبير الذي يغدق على دولة الاحتلال، فضلا عن الدفاع المستميت من إعلامها وحكوماتها عن إسرائيل، بل إن الحرية المتسعة في الغرب تضييق ولا تغلق عندما يصل الأمر إلى إسرائيل، وعلى ذلك تم إنشاء النخب والإعلام ووضعهم في إطار هذه المسلمة.
اعتدنا على سردية بأن الغرب أنشأ هذا الكيان عطفا على اليهود المشتتين في مختلف دول العالم وتخييرهم بين ثلاثة مناطق إحداها فلسطين، غير أن الغرب الذي ضاق ذرعا بعامة اليهود، أراد أن يتخلص منهم بتجميعهم بطريقة يحولهم إلى نافعين له يحققون مصالحه، وفي إطار من إيهام عامة اليهود بمنحهم وطنا يتوافق مع ما لديهم من توجهات ونبوءات دينية، بالتوافق مع حيتان الاقتصاد العالمي الذين يتربعون على عرش الاقتصاد وهم بالأساس من اليهود.
لم تكن الشخصية اليهودية مرغوبة في الغرب، وهذا معطى آخر يدعم الفرضية التي انطلق منها المقال، غير أنه تم الاحتيال على كره الشخصية اليهودية بإنشاء ما يعرف بالصهيونية المسيحية، وانتشارها لا سيما في أمريكا بالرغم من التناقض الواضح مع المسيحية، إلا أن المزج الذي تمت هندسته بصورة تستثمر المسيحيين في تنفيذ الخطط الصهيونية، وتضمن تبنيهم للمشروع الصهيوني، وهذا ما تم وجعل من الولايات المتحدة الأمريكية الحاضن الفعلي للمشروع الصهيوني.
عشرات السنوات وإسرائيل تقوم بدورها كاستعمار بديل، وصلت مرحلة متقدمة من السيطرة على العقل العربي من خلال القوى الناعمة والدعاية الإسرائيلية التي خلقت لها صورة إيجابية، أوهمت الكثيرين في هذا المحيط المتسع بإمكانية التعايش والسلام، حتى جاءت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، والتي بدأت تبدد الكثير من الغموض الذي عشناه على مدى عشرات السنوات، فما إن حدثت الهزة التي حملت رسائل مفادها أن مشروع الغرب الاستعماري في خطر وجودي، حتى حج وكلاء الدول الاستعمارية إلى الكيان، ليس بصورة تضامن، بقدر ما جاؤا بقرار حاسم يطلب من قادة الكيان أن ينهوا أمر المقاومة الفلسطينية والوجود الفلسطيني في غزة إن استطاعوا، في سلوك مزدوج ناظرناه لزعماء هذه الدول ومازال يمارس حتى اللحظة، بحيث فتحوا أبواب الدعم المادي والأسلحة والبشري المتمثل بالمقاتلين من جهة، ومارسوا دورا تضليليا بالدعوة إلى ضبط النفس وإيقاف الحرب وقبول صفقة تبادل، في عرض مسرحي بات مفضوحا لأصحاب هذا المشروع.
إذا، قرار من أنشأ “إسرائيل الأداة كما يمكن تسميته” هو الضوء الأخضر لإنهاء المقاومة وبأي ثمن، لذا فإسرائيل لا تتصرف من ذاتها ولا انطلاقا من سيطرة اليمين فيها، وإن كان لذلك أثره المعلن، بل إن التضليل الإعلامي الذي مارسه الغرب لا سيما أمريكا باتت مكشوفة الأهداف وبعيدة عن الحقيقة، إذ إن محاولات بايدن خلال أزمته الداخلية تصوير نتنياهو بأنه العقبة ليست إلا مجرد محاولة لتحسين صورته أمام الرأي العام الأمريكي قبيل انتخابات خسرها واستسلم لخسارتها لاحقا، حيث عاش حرجا بين قرار الدولة العميقة باستمرار الحرب وبين الرأي العام الأمريكي لا سيما من داخل حزبه، لذا فإن محاولات فهم سياق التهدئة والحرب بالارتكاز على تحليل البنية الإسرائيلية ليست بتلك الأهمية المتصورة، بل إن الصورة الأوسع لمكونات المشهد وفواعله التي ليس لرئيس وزراء الاحتلال وحكومته إلا التنفيذ كونهم ليسوا إلا أداة.
كانت إسرائيل على مدار عشرات السنوات هي مفتاح العلاقة الإيجابية للحكام العرب مع الغرب، ومفتاح من أراد من الساسة تولي المسؤولية ليرضي الغرب الذي ما زال مسيطرا ومحكما السيطرة على دولنا العربية منذ الاستعمار مطلع القرن الماضي، بل إنها مفتاح الاستقرار السياسي في أي بلد في المنطقة برمتها، حيث انعكست علاقات بعض الدول المتوترة مع الاحتلال على الاستقرار الداخلي والخارجي والاقتصادي.
أعاد خطاب نتنياهو في الكونغرس الأمريكي إلى الأذهان التفكير بطيعة العلاقة التي تحكم إسرائيل بالغرب، وبالرغم أن الخطاب حاول تجميل صورة إسرائيل المحطمة في الرأي العام مستغلا أجواء الانتخابات الأمريكية والاستقطاب الذي يعتمد على مغازلة الصهاينة، وسط مشهد غير مألوف في البيت الأمريكي التشريعي الذي ساد فيه التصفيق المبالغ فيه، في مشهد يؤكد أن المشروع الإسرائيلي هو غربي بامتياز وتتطلب من مهده الوفاء بالتزاماتها في التعبير عن وفائها له.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى