لماذا تقاتل الولايات المتحدة في فيتنام!؟

لماذا تقاتل الولايات المتحدة في فيتنام!؟

د. #سفيان_التل

تقديم

يدور الحديث هذه الأيام بشكل موسع عن  اعتصامات الطلبة    في الجامعات الأمريكية ويتم مقارنتها  بالاعتصامات الطلابية التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية خلال حربها على فيتنام .

وللمقارنة وللعودة   أكثر من نصف قرن إلى الحرب الفيتنامية تجدر  الإشارة إلى مقال موسع نشره الطالب في جامعة آخن الألمانية في  ستينيات القرن الماضي بعنوان لماذا تقاتل الولايات المتحدة في فيتنام وقد تم إعادة نشر هذا المقال عام 1972 في صحيفة الدستور موقعا باسم الدكتور المهندس سفيان التل، والأصح أن يكون المقال موقعا باسم الطالب في جامعة أخن سفيان التل لذلك ترى #سواليف أن من المفيد إعادة نشر هذا المقال للربط بين #الحرب على #فيتنام التي أدت إلى #الاعتصامات_الطلابية الكبرى وبين الاعتصامات الطلابية هذه الأيام.

ما يزال القتال في فيتنام يشكل منذ زمن بعيد نقطة الاحتراق في ميدان السياسة الدولية، والسؤال الذي احتاج وما يزال يحتاج إلى تحليل علمي هو: لماذا تقاتل الولايات المتحدة في فيتنام؟ والذي آمله من القارىء ألا يتوقع أن اعطية جوابًا مجددًا على طريقة عرف وعدد ولكني أريده هو أن يجيب على هذا السؤال في ختام هذا المقال.

لقد أخذ المهتمون بالشؤون الدولية يطرحون السؤال على أنفسهم ويترددون في الإجابة عليه وهم لا يدرون من يصدقون، هل يصدقون أقوى رجل في الولايات المتحدة الرئيس نكسون وهو يدلي ببياناته حول الحرب في فيتنام، أم يصدقون مراسلي الصحافة العالمية ووكالات الأنباء وبشكل خاص أولئك الذين رافقوا الانسحاب الفوضوي الذي اضطرت إليه قوات فيتنام الجنوبية عند هجومها الأخير على لاوس، جيش كبير من مراسلي الصحافة العالمية يقول دائمًا شيئًا ما عن الحرب هناك، ووزارة الدفاع الأمريكية تقول دائمًا شيئًا مغايرًا لذلك.

 ماذا يقول نكسون؟

فريتشارد نكسون هو الذي قال قبل الهجوم المشهور على لاوس:

إذا لم تتمكن قوات فيتنام الجنوبية بكل ما تحت تصرفها من مدفعية وطيران أمريكي أن تكسب المعركة في لاوس الآن فإنها لن تكسبها أبدًا، ومن الجدير بنا أن نعرف هذه الحقيقة الآن قبل أن نعرفها متأخرين.

ولكن ريتشارد نكسون نفسه هو الذي قال بعد الهزيمة المشهورة في لاوس:

إن نتائج المعركة في لاوس لا يمكن وصفها باصطلاحات الحرب الكلاسيكية: النصر أو الهزيمة. فلقد عادت قوات فيتنام الجنوبية أو عاد معظمها من لاوس بروح معنوية عالية وثقة بالنفس، ورغم حقيقة الخسائر التي لحقت بها فهي تعرف أنها ألحقت بالعدو خسائر أكبر.

ولقد قوبل هذا التصريح من الرئيس نكسون بسخرية عجيبة حتى في فيتنام الجنوبية نفسها.

فهويس مندل المراسل الألماني قال إن الرئيس نكسون متفائل أو أنه يتظاهر بالتفاؤل والحقيقة أن قوات فيتنام الشمالية قادرة على الانتصار على القوات الجنوبية وحلفائها لو لم تكن مضطرة أن تأخذ بحسابها الخسائر الكبيرة التي تلحق بها نتيجة الطيران الأمريكي.

وبما أننا في عصر نقضت فيه معظم الحتميات فسوف يفاجئ المستقبل المخططين الأمريكيين الذين يؤمنون بحتمية تفوق حرب الطائرات المروحية إذا ما علموا أن هذه الطائرات مع ما تتعرض له من دفاع محكم ومضاد للطائرات فإن نجاحها مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأحوال الحربية هناك، وهي أحوال يكون أهل البلاد أقدر على الحركة فيها من غيرهم، وبالتالي لن تستطيع هذه الطائرات أن تحسم معركة.

ولقد تعرضت مخططات الرئيس نكسون والهادفة إلى فتنمة الحرب هناك – أي حصرها بالفيتناميين إلى محنة قاسية عندما أثبت جيش فيتنام الجنوبية عدم قدرته على الصمود في الهجوم على لاوس. ولكن نكسون برر الهزيمة عندما قال: إن عملية لاوس لم تكن حربًا بالمعنى المعروف عن الحرب والسلام كما أنه لم يكن من أهدافها احتلال أرض جديدة، ولكن هدفها كان قطع خطوط التموين على العدو والدفاع عن فيتنام الجنوبية فقط.

أما المعلق السياسي الأوروبي المشهور بواخيم شفيلين والذي يعيش في واشنطن فقد قرر: أن الولايات المتحدة مدعوة لإعادة النظر بسياساتها في فيتنام بصورة جذرية لأن الأحداث اليومية والبديهيات الأساسية تغرينا بالدعوة إلى قطع كافة العقد العسكرية والسياسية من أجل إنهاء المشكلة كما أن التفكير الجذري العميق يفرض على القيادة الأمريكية أن تعترف بأن تقديرات المواقف في كافة المراحل كانت تقديرات خاطئة.

بداية المشكلة وتقدير الموقف:

 لقد ابتدأ ارتباط الولايات المتحدة بالحرب في فيتنام بدون أية ضجة وبعيدًا عن مسامع الرأي العام قبيل حوالي 20 عامًا عندما دخلت في محالفات مع فرنسا وحليفاتها الثلاث: فيتنام، لاوس، وكمبوديا. وتحت تأثير الحرب الكورية وكردة فعل لاستلام ماوتسي تونغ للسلطة في الصين.

وكانت الولايات المتحدة قد قدرت آنذاك الموقف في فيتنام على أنه لا يتعدى تهديد صيني منتظر لمعظم دول جنوب شرق آسيا، كما قدرت موقف الحركة الشيوعية في فيتنام بقيادة هوتشي منه على أنها لا تتعدى امتداد ذراع للتوسعات الثورية الشيوعية، وهكذا فإن الشيوعية الفيتنامية لم تقدر من قبل الولايات المتحدة كما كان يجب لها أن تقدر لأنه لو حدث هذا لكانت إمكانية الحل في ذلك الوقت سهلة جدًا، ومهما يكن التقدير الأمريكي فإن الشيوعية الفيتنامية كانت عبارة عن مزيج من الطموح القومي والشعور المعادي للاستعمار والرغبة في إصلاح الأنظمة الزراعية بعد القضاء على الإقطاع، يضاف إلى ذلك إيمان بعض المتطرفين الشيوعيين بحتمية حرب الطبقات. وعلى أي حال فقد كانت الشيوعية الفيتنامية شيوعية قومية محلية أكسبتها سياسة الولايات المتحدة الخاطئة قوى تمثيل كافة الطامحين للتحرر وبالتالي تجنيدهم لخدمة الأهداف الشيوعية، وبذلك أدت سياسة الولايات المتحدة إلى عكس ما كانت تهدف إليه. ولقد كان بإمكان الولايات المتحدة آنذاك كدولة عظمى لو أحسنت تقدير الموقف أن تنسحب من الحرب في فيتنام بقواتها التي لم تزد على 30 ألف جندي، ولكن هذا لم يعد ممكنًا بعد أن أصبح نصف مليون أمريكي يقاتلون هناك ولا يظهر لهم في الأفق أية بادرة للنصر أو حتى لحل يضمن انسحاب أميركا ويحفظ سمعتها من التردي، وهكذا شهد العالم بأسره كيف عجزت الولايات المتحدة بكل قوتها وبالرغم من عدم دخول الصين والاتحاد السوفياتي الحرب، أن ترغم دولة زراعية صغيرة قوتها العسكرية من الدرجة الثالثة على الاستسلام أو حتى قبول إنهاء الحرب.

أي الشرين؟ الاقتصاد أم السياسة؟

هل الحرب في فيتنام ضرورة اقتصادية أم ضرورة سياسية؟ إن الدراسات والأبحاث التي تجري بلا هوادة في الولايات المتحدة عن الحرب الفيتنامية تفيد أن أحد الشيوخ الأمريكيين قد قال: إن على الولايات المتحدة في هذا القرن أن تختار بين أحد الشرين. أن تدخل دائما في حروب تحت قيادة الرؤساء الديمقراطيين أو أن تعاني أزمات اقتصادية تحت قيادة الرؤساء الجمهوريين ولعل الشيخ الأمريكي قد أجاد التعبير إجادة قل نظيرها في هذا القول، فقد دخلت الولايات المتحدة تحت رئاسة الديمقراطي روزفلت دخلت الحرب العالمية الثانية، وتحت رئاسة الديمقراطي ترومان دخلت الحرب في كوريا وتحت رئاسة الديمقراطي كندي والديمقراطي جونسون دخلت حرب فيتنام.

أما على الطرف الآخر فقد ورط الجمهوري هوبر الولايات المتحدة في أكبر أزمة اقتصادية في العشرينيات وتحت قيادة الجمهوري ايزنهاور حدث تقهقر اقتصادي توجه الجمهوري نيكسون بالأزمة الاقتصادية الراهنة التي زعزعت أركان الاقتصاد الحالي، وانتهت إلى القرارات المشهورة للدول الغنية العشرة في العالم والتي تضمنت تخفيض قيمة الدولار كمحاولة لحل الأزمة.

ونحن إذا ما أردنا أن نقيس بالمقاييس الماركسية التي تؤكد وجود الترابط بين الحرب والانتعاش الاقتصادي وبين السلام والركود في الاقتصاد نأتي بالنتيجة إلى أن الحرب في فيتنام تخدم الاقتصاد الأمريكي وهي لهذا السبب تدور هناك.

ولكن رأي آخر يقول إن الولايات المتحدة لم تبدأ أي من الحروب التي خاضتها في هذا القرن، بل إنها ترددت كثيرًا قبل الدخول في أي من الحروب التي دخلتها، فقد دخلت الحرب العالمية الأولى فقط عام 1917، ودخلت الحرب العالمية الثانية بعد الهجوم الياباني على بول هاربر كذلك فقد بدأت كوريا الشمالية الحرب في الحرب الكورية المعروفة وحتى في حرب فيتنام لم تكن فيتنام الجنوبية هي البادية في الحرب، بل الشيوعيون الشماليون هم الذين بدأوا بالهجوم.

كذلك فإن الرأي الآخر القائل أن الحروب قد ساعدت المرشحين للرئاسة الأمريكية يجد له من ينقضه: فقد اضطر ولسون عام 1916 لقطع الانتخابات قبل دخوله الحرب، أما روزفلت فقد نجح عام 1941 في انتخابات الرئاسة، ولكن الهجوم الياباني على بول هاربر حدث عام 1941 كذلك فقد دخل ترومان الحرب الكورية بعد نجاحه في الانتخابات على كندي وجونسون، فقد لمع نجم جونسون عام 1964 ولكنه لم يورط القوات الأمريكية في فيتنام إلا عام 1965، وهكذا يبدو أن التهمة الموجهة للولايات المتحدة على أنها تخوض الحروب لتحسين اقتصادها أو التهم الموجهة للرؤساء الأمريكيين أنهم يدخلون الحروب لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية لهم تهمة يمكن نقضها.

ويقول بعض المراقبين الساسيين في الولايات المتحدة أن الرؤساء الديمقراطيين كانوا يفكرون على مستوى دوليًا أوسع من زملائهم الجمهوريين وأنهم يسرون للارتباطات الدولية ويحبون أن يروا الولايات المتحدة قوة عالمية كبيرة كنتيجة لذلك كان رد فعل لديهم على أي هجوم خارجي ردًا سريعًا، فعلى سبيل المثال طلبت فرنسا عام 1953 من الرئيس الجمهوري ايزنهاور مساعدتها في المعركة على ديان بيان فو  كان بإمكان عشر الطائرات المروحية التي تعمل الآن في فيتنام أن تحول دون هزيمة الفرنسيين، ولكن ايزنهاور الجمهوري رفض طلب فرنسا. ويقال إنه لو كان أي رئيس ديمقراطي مكانه لسارع لنجدة فرنسا وقد أثبت خلفاء ايزنهاور ذلك، فلقد سارع الديمقراطيين كندي وجونسون لنجدة حلفائهما في فيتنام.

 الاقتصاد والحرب:

ورغم كل هذا يبقى السؤال مطروحًا: ألا تخدم حرب فيتنام الاقتصاد الأمريكي وتعطيه نبضات قوية ومستمرة ولهذا السبب تدور هناك حتى الآن، ويجيب البعض أن الحقيقة على العكس تمامًا فقد ساهمت هذه الحرب في إضرام النار في الاقتصاد الأمريكي، وزادت في سيلان احتياطي الذهب والدولار الأمريكي إلى الخارج، ودفعت بالتضخم المالي الأمريكي في خط صعوده دفعًا قويًا إلى فوق الحد الذي يمكن تحمله كذلك حالت دون المساهمة في كثير من المشاريع الضرورية، وقسمت الشعب الأمريكي ووضعت الاقتصاد بشكل عام في حالة فوضى واضطراب كبير كذلك فقد كانت أسواق البورصة الأمريكية خلال السنوات الخمس الأخيرة تسجل ارتفاعًا ملحوظًا عند كل بادرة سلام كما كانت تسجل انخفاضا واضحا عند كل قتال جديد.

وهكذا نرى أن الفكرة القديمة التي تقول إن الدول الرأسمالية بحاجة إلى حروب لدعم وتعزيز اقتصادها فكرة تنقضها حرب فيتنام الحالية. ولعلها تكون تطلعات سياسية بحتة هي التي ألزمت الرئيسين جونسون ونكسون رغم أن الأخير جمهوري أن يستمرا في حرب فيتنام، ولأن كانت الأسباب سياسية فهي لم تكن بالدرجة الأولى سياسة داخلية. فلو أن الولايات المتحدة رضيت بالانسحاب أو الهزيمة من فيتنام فإنها تكون قد قبلت ولأول مرة بعد الحرب الثانية بالتوسع الشيوعي وتكون قد تخلت عن أصدقائها وتنكرت لاتفاقاتها الدولية والأهم من هذا كله تكون قد خسرت حربًا ولأول مرة في تاريخيها.

وهكذا يبدو الخيار واضحًا أمام الولايات المتحدة بين أحد النارين: استمرار الحرب في فيتنام يحطم الاقتصاد الأمريكي ويدمر الروح المعنوية والخلق في الولايات المتحدة نفسها… الانسحاب دون تحقيق سلام يعرض سياسة الولايات المتحدة الدولية ونظام أحلافها القائم وبالتالي أمنها وسلامها إلى خطر مرعب كذلك يضع كافة أنظمتها القائمة موضع شك وسؤال.

أما بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية فإن أحد أساتذة جامعة هارفرد يقول: إن نظرة إلى ماضي السياسة الخارجية للولايات المتحدة يرينا سلسلة من الكوارث:

  • فضيحة خليج الخنازير وما رافقها من ملابسات.
  • غزو جمهورية الدومنيكان ثم التبرير المتأخر للغزو بخلق ثورة شيوعية هناك.
  • السياسة المتبعة بالنسبة لأميركا اللاتينية.
  • نوافذ محطمة ومكاتب أمريكية محروقة وشعارات معادية لأميركا في أنحاء مختلفة من العالم.
  • التورط الدموي ذو النفقات غير المحدودة والمرفوض من الجميع في فيتنام.

أما إذا أردنا أن نأخذ سياسة الولايات المتحدة على المستوى الآخر، مستوى السياسة الداخلية فماذا كانت نتائجها، اضطرابات دموية بسبب التمييز العنصري، احتجاجات ومعارك في الشوارع، اتجاه إجرامي مخيف لدى الأحداث، عنف وإرهاب. أما على المستوى الاقتصادي فقد قرع ناقوس الخطر منذ زمن بعيد فما هي النتيجة إذا؟ ألا يمكن إيجاد حل معقول لهذا الوضع، أم أن الولايات المتحدة بحاجة فعلًا لحرب فيتنام لتتمكن من الاستمرار في الحياة كدولة عظمى.

يقول السياسي الكبير رودلف شتلدبر: إن الذي يسترق السمع في الأوساط الاقتصادية الأمريكية يجد أن الجواب على هذا السؤال ليس إيجابيًا بالصراحة والوضوح الذي يقرره الساسه، كذلك يقول بعض خبراء الاقتصاد الأمريكي أن الذين يعتقدون أن وقف الانتاج لأجهزة الدفاع وسحب الاتفاقات الموقعة بهذا الخصوص مع الصناعة الأمريكية لن يؤدي إلى توجيه ضربة إلى الاقتصاد الأمريكي قوم ساذجون.

ورغم أن معظم المصانع الأمريكية تقوم الآن بالإنتاج لوزارة الدفاع إلا أن أكبر مشكلة ستعانيها الولايات المتحدة لو أنها أنهت الحرب هي مشكلة العائدين من فيتنام، فالاقتصاد الأمريكي ليس على استعداد لأن يستوعبهم جميعا، فنسبة الباحثين عن عمل بين العائدين من فيتنام بلغت 13،14 بالمئة بينما تبلغ النسبة العامة للباحثين عن عمل في الولايات المتحدة 5،8 بالمائة وهناك 220 ألف عائدون من فيتنام يبحثون عن عمل ونسبة الزنوج بينهم تزيد ب 25 بالمائة عن نسبة البيض من المشتركين في الحرب وعدا عن هذا فإن الحرب في فيتنام تكلف الولايات المتحدة سنويًا 30 مليار دولار والرئيس نكسون يتحدث عن ضغط الحرب ونفقاتها إلى أسفل أملا أن يوفر أكبر رقم ممكن من مبلغ ال30 مليار دولار التي تنفق سنويًا هناك.

ولكن الرئيس نكسون نفسه قال في خطبة له أمام الضباط أنه لن يخفض من ميزانية وزارة الدفاع، وبذلك يقول المعلقون أن ما سيوفره الرئيس من حرب فيتنام سيتحول بالتالي إلى ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية.

وعلى السؤال الذي يطرح على الاقتصاد الأمريكي فيما إذا كان بإمكانه أن يحول إنتاجه العسكري إلى إنتاج مدني يجيب الصحفي الأمريكي المهتم بشؤون الاقتصاد لويس ديمن فيقول: أن الاقتصاد مبني أساسًا على الانتاج السلمي وأظن أن بإمكانه أن يتحمل المزيد من الانتاج السلمي ولكنه سيواجه بعض الصعوبات، فنسبة البطالة في الولايات المتحدة تقارب 6 بالمائة وهي نسبة عالية جدًا بالنسبة لنا وتتضاعف هذه النسبة بين العائدين من فيتنام، لقد قطع الاقتصاد الأمريكي ثلث الطريق في سبيل قلب انتاجه العسكري إلى انتاج مدني، فقد تمكن أن يحول 500 ألف عامل من الصناعات العسكرية إلى الصناعات المدنية وكانت هذه الخطوة هي المسؤولة عن ارتفاع نسبة البطالة، وإذا ما أوقفنا الحرب نهائيًا فإن نسبة البطالة سترتفع بمعدل 0،5 بالمائة بشكل عام.

العائدون من فيتنام:

لقد بلغ عدد العائدين من فيتنام حتى الآن حوالي مليونين أمريكي وهذا العدد عدا عن أنه يشكل معضلة اقتصادية فإنه يشكل أيضًا معضلة اجتماعية بدأت تلفت الأنظار إليها بشكل ملموس نتيجة سيل من الافتتاحيات التي أخذت تعالج هذه المشكلة، ففي مقال افتتاحي في النيويورك تايمز كتبه جيمس وستدن قال: هناك قضية ثابتة هي أن العائدين من فيتنام لم يعودوا إلينا أولادا، إنهم رجال تدربوا على استعمال القوة وحرب العصابات ويفوقون كثيرًا على أولئك الذين بقوا في البلاد، ولقد تعلموا نتيجة المعارك التي خاضوها وكثيرا منهم فسدوا نتيجة استعمالهم للمخدرات، وكثيرا منهم يعانون من حالات عصبية ونفسية وغيرهم يعتبرون أسرى حرب في وطنهم، ومعظم هؤلاء فاقدي الطمأنينة غير راضين.

ورغم المجهودات الكبيرة التي تبذل لجمع العائدين تبقى المشكلة التي تشكل برميل الديناميت الاجتماعي، ولا عجب في ذلك إذا عرفنا أن القسم الأكبر من العائدين هم من الأقليات المضطهدة في أميركا، زنوج، يور توريكانا وشكانوتر، ورغم أن هؤلاء كانوا يرغبون من أعماقهم عند عودتهم الانخراط في الحياة المدنية بسرعة وبدون أية ضجة إلّا أنهم فوجئوا بالإهمال والنبذ وأحسوا أن لا أحد يريد أن يتفهمهم، وحتى الشكر من أهل البلاد التي ضحوا من أجلها لم يلقوه هذا عدا عن خيبة الأمل الكبيرة التي عانوا منها لأنهم لم يعاملوا، كما تجري العادة معاملة الأبطال العائدين من الحرب، وكأن النتيجة أن الشعور بالخجل الذي يعاني منه الشعب الأمريكي قد انتقل إلى هؤلاء ولم يعودوا يرغبون أن يذكرهم أحد بالحرب.

ونعود في ختام هذا المقال لنطرح من جديد سؤالنا على القارئ، لماذا إذًا تقاتل الولايات المتحدة في فيتنام.

(نشرت في صحيفة الدستور، يوم الجمعة الموافق 26/ 5/ 1972م)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى