لماذا تغير فصل الشتاء

لماذا تغير #فصل_الشتاء

#مصعب_البدور

لا جدال في تغيّر كلّ معطيات حياتنا، فصولها، وزهورها، نظرتنا إلى الأشياء، يكاد يطال هذا التغيير كلّ شيء انفعالاتنا، أفعالنا، وردّات أفعالنا، وما هذا التغيير ببعيد عن نكهة الأشياء وطعمها، فلا أكذبكم القول إن قلت لكم، إن لرأس العبد الآن نكهة مختلفة كثيرا عن تلك التي كنت آكلها في مطلع التسعينات، ولا تستغربوا إن تذوقتم شيئا الآن ولم تشعروا بتلك النكهة التي تعلقتم بها في صغركم، والتي لربما تشاجرتم مع بعض أخوتكم من أجلها، ولربما بكيتم حصّة من الزمن حتى رقت لكم أمهاتكم وأنعمت عليكم بها.

ولفصل الشتاء نصيب من هذا التغيير، فلقد تغيرت نكهته، وتحول مذاقه، لم يعد للثّلج نكهة دون أن يضع شقيقة حصاة صغيرة في كرة ثلج صغيرة ثم يقذفك بها، ولن تحس بطعم زخات المطر إن لم تكن عائدا من المدرسة ماشيا على الأقدام من أسفل الوادي في البلدة القديمة والمطر يرشقك حتى تظن أن عظمك تبلل، لقد سطر مذاق الشتاء في طفولتنا سطور امن ذاكرة مجتمع، ودفاتر من أحداث روايات نسجتها مخيلة الأطفال، أحداث أطفأت شعلتها الأيام، فتلك التجمعات والتقاربات الاستثنائية في ليالي الشتاء، وتلك الروح المبتكرة للألعاب في المساحات المحدودة، وتلك التحركات الحذرة في جو مشحون بالازدحام هكذا كانت حكاية الشتاء التي لم تعد موجودة الآن… ولم يعد الشتاء تلك الخطوط السوداء التي يتركها ضوء “رقم 4” على الجدار.

مقالات ذات صلة

ولم يعد الشتاء ذاكرة نكهة الزيت بالخبز المقرمش مقحمشعلى المدفأة الصوبة“.

نعم كان شتاء طفولتنا، أسرة ومجتمع، وفن مبدع خلاصته رسوم الظلال على الجدران، بأشكال المخلوقات (حمامة، وكلب، وقطة، وأرنب) وهو تلك المواهب المبدعة في لعبة من غير كلام.

وهو الفصل الذي يجتمع فيه الأبناء لينافسوا الآباء في قطار الستةأو قطار الثمانية

وهي صرخة الطفولة المتصارعة على لحسة آثار خلطة الكيك من الصحن أو عن ملعقة الخشب المخضبة بعجينة الكيك، وهي رائحة البطاطا الموضوعة في الصوبة، وهي صوت تنفس الماء في علبة السمن فوق صورة “الفوجيكا”، وهو “التعليلة” التي تجمع كل أنواع القرابات، والشتاء أزيز الريح وحركة الأشجار وراء زجاج النافذة الذي يشعرك أن جيشا من الأشباح يحتفل خارج جدار البيت، 

 وفصل الشتاء في طفولتنا معرض لوحات الفن التشكيلي التي نقشتها الرطوبة في دهان السقف، ولا غرابة إن قلت لكم أنني الآن إذا نظرت إلى ملمح رطوبة في الجدار أو سقف قرأت فيه منحنى البيانات الرقمية لجيبي التي بكل تأكيد ستتكبد آثار الشتاء وتجديد بعض الأشياء في البيت.

 لربما لو أقسمت لكم أن أكبر متعة مرت بنا في ليالي الشتاء، قصص الجن والماورائيات التي يرويها أحد أبناء العمومة، فيخاف أكثر منا ويبيت ليله معنا رغم أن الشارع الفاصل بين بيتنا وبيتهم عرضه أمتار ثلاثة.

تغير الشتاء كثيرا، لم نعد نسمع صخب العائلات المنبثق من النوافذ، ولا قرع المعالق على صينية المجدرة، ولا البخار المتصاعد من الشاي في “كاسة الجرس”، ربما كبرنا وسُرق منا كل شيء، تغيرت أحلامنا، وتغير شتاؤنا صرنا نغرق في الأنفاق، وتتلف ممتلكاتنا، لم تعد السقوف تظللنا وتحمينا، وصار الشتاء مغامرة العبور بدفء في ظل محروقات تحرق الجيوب، وفي ظل حياة غلب عليها المعابطةفي واقعنا الجديد، وما زلت أقرع باب السؤال لماذا تغيّر فصل الشتاء؟

 رجعوا لنا شتوية زمان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى