لماذا تزداد أعداد جرائم القتل ونِسب التوتر في مجتمعنا….رؤية تحليلية..؟

#سواليف

لماذا تزداد أعداد #جرائم_القتل ونِسب #التوتر في مجتمعنا….رؤية تحليلية..؟
ا.د #حسين_طه_محادين*
(1)
ابتداءً ؛ لسنا مجتمعا مثاليا للآن ، ولكن حري ّ بنا تذكير بعضنا البعض في هذا الرصد والتحليل العلمي والحياتي معا بما هو آتِ :-
أ- انه من أسهل ما يُمكن عمل مشكلة ما مع أخر ،فردا كان ام جماعة وبغض النظر عن وزنها او مبررات حدوثها اصلا.
ب- حجم الصعوبة والتعقيد ، عند سعينا لحل هذه المشكلة أو تلك لاحقا، بسبب تداخل العوامل المستجدة الاتية نتيجة لحدوث اي مشكلة غالبا ومنها :-

كُثرة المتدخلين والوسطاء لايجاد الحلول السلمية /التوافقية لهذه المشكلة او تلك من غير الاخيار/وأقصد الرجال الموسمين او الطارئين على مثل هذه الاعمال تحديدا “المستشيخون الكُثر هذه الايام للأسف – مقابل قِلة من الاخيار او الشيوخ الحقيقيون واصحاب المكانة المؤثرة وبالخير من اصحاب؛ النية الحسنة، المعرفة والخبرة في التقاليد العشائرية ، واقصد هنا المتخصصون فعلا في إصلاح ذات البيّن بين الخصوم لوجه الله؛ دون أن ننسى بذات الوقت عِظم الكُلف المادية والمعنوية والقانوية المترتبة على خلق او افتعال اي مشكلة، او ارتكاب جريمة قتل ما، اذ ان الطريق طويل ومعقد ومكلف لحل ايّ من تلك المشكلات في مجتمعنا الاردني العربي المسلم ؛ خصوصا وانه وكما أصفه علميا؛ مجتمع متحول من قيم البداوة والريف الى اطراف التمدن اي اننا للآن غير خاضعين او ممتثلين بالكامل، فكرا وممارسات لاحكام القضاء المدني واحكامه القانونية بعد كما يُفترض، إذ تتجلى صعوبة حل جُل المشكلات، او حتى اتمام الصُلحات او التنازل عن الحق الشخصي في بعضها مثلا بكل من :-
-كُثرة مصاريف الجاهات الساعية للصلح بين اطراف المشكلة، مُدد العطوات الزمنية المتتابعة والطويلة بين الاطراف المتخاصمة غالبا، الجلوات الموجعة لذوي القاتل او القاتلين معاً، وبعضهم أحيانا لا ذنب له سوى انه من خمسة القاتل-رابطة الدم- الذي لم يراه منذ مدة طويلة او حتى انه/هم على خلاف معه ، اضافة لحجم التعويضات المادية المترتبة على ايّ ضرر ألحقه الجاني على المجني عليه راهنا وفي المستقبل ، تجدد الثارات بعد اكتشاف القاتل في الجرائم الغامضة عند وقوعها، اعتداء ذوي المجني عليه على ممتلكات الجاني او حتى اقربائه بحجة – فورة الدم – رغم ان هناك قرارا لمحكمة التميز الاردنية يُجرّم مثل هذا الفعل .
(2)
لعل التساؤل الواقعي هنا، وبعيدا عن مفاهيم وثقافة الخاوة او حتى الاستقواء على الاخرين من قِبل اي منا، متعلمين احيانا او غير متعلمين؛ التساؤل هنا هو ؛أي الطريقين اسلم وأقل كلفا -ارتكاب اي مشكلة؛ ام السعي الواعي من قِبل اي منا لتجنب حدوثها اصلا، وأيهما هو الأنضج او الأكثر خُلقا دينيا وتربية، السعي للحيلولة دون قيام اي مشكلة عبر الحوار والتفهم والمسامحة بالحسنى كقيمة دينية عليا، بما في ذلك القبول الطوعي احيانا في التنازل المعقول عن بعض من حقوقك المعنوية او المادية البسيطة قبيل او اثناء نشوب خلافات مع المقابل اي كان نوعها تجنبا واعيا منك للحيلولة دون حدوث المشكلة اصلا؛ ام التشدد مع الاخرين او إستقواء البعض منا على غيره في لحظات غضب عبر اصراره على النرفزة او المكاسرة او المجاكرة للمقابل ليس اكثر وهنا ستقع المشكلة بينهما حتما.
(3)
من خلال الملاحظة ومعايشة الباحث كاتب هذا المقال لكثير من المشاكل يمكنه القول هنا ،إن إحداث او حدوث اي مشكلة، او اعتداء على الاخرين لن تقف غالبا بحدود شخصيهما في مجتمعنا الاردني الاقرب الى المجتمع القبلي/المناطقي للآن، بل انها اي المشكلة التي تبدأ بسيطة بين اثنين مثلا ستتسع وتطول مدد اصلاحها، وبالتالي ستغدو مرتفعة كُلفها المختلفة رغم ارتفاع نِسب التعليم والمتعلمين عندنا، ورغم وجود القوانيين والمحاكم المدنية الرسمية فيه.
( 4)
يقول العلم ، وتؤكد الخبرات الحياتية اليومية وهذا ما يجب ان ننتبه اه اباء ومدرسين وقادة محليين ؛ أن ما نتعلمه؛ او نُنشأ عليه من حيث نوعية تربيتنا اثناء طفولتنا في الاسرة ابتداءً اي ما يُعرّف علميا – بخبرات او ثقافة الطفولة – هو ما يبقى فاعلا في وعينا وسمات شخصياتنا، وحاضرا في كيفية ادارتنا لحياتنا
وبطبيعة مواقفنا لاحقا من انفسنا ومع الاخرين معا سواء – بالحوار معهم او العدوان عليهم- حتى وان كبرنا، إذ تبقى تؤثر انماط تنشئتنا الهادئة والعقلانية أم الشرسة بكل العناوين والمواقف في سلوكياتنا خصوصا عندما ننفعل اثناء موقف ما حتى عندما نُكبر كما تؤكد نتائج الدراسات في علم الاجتماعي ؛سواءً عبر تمثلنا -بنين وبنات- لقيم الحوار والتسامح في الاسر المتوازنة التربية اثناء طفولتنا، او تمثلنا وعلى النقيض مما سبق، لقيم الشِدة والعدوان، او حتى التنمر والصراخ على الاخرين في اغلب الاسر عبر قدوة الابوين للابناء، التي تؤمن باستخدام القوة فقط في تعامل الابناء مع الاخرين وكأنهم غير بشر اعداء لهم.
(5)
اخيرا..
ندرك باحثين ومهتمون في الرصد وتحليل لبنية ومآلات الجريمة بما فيها الجذور النفس اجتماعية والاقتصادية لمبررات ارتفاع منسوب التطرف العنيف في مجتمعنا وذروته جرائم القتل وباشكال مستجدة قد أخذت بالازدياد البطيء كما لاحظت كباحث في الآونة الاخيرة .
أقول.. ان تراجع الكثافة الدينية والاخلاقية وارتفاع نسب البِطالة وفجوات التنمية بين محافظات الوطن ،وبالتالي تفشي القيم الفردية والمادية البحته ترابطا تراجع قيم التكافل الجماعي على الصعيد الداخلي لابناء مجتمعنا، اما على الصعيد الخارجي فأن المجتمع الاردني نفسه يمر بحالة انتقالية تتأرجح قيما وقوانين بين قيم العلاقات الوجاهية او القرابية المناطقية الجمعية المحافظة عادات وتقاليد من جهة؛ وبين ارتفاع منسوب القيم المالية والسعي للثراء السريع بغض النظر عن شرعية الوسيلة، وارتفاع منسوب الفكر الاقصائي العنيف وصولا الى حد القتل لدى البعض للأسف ترابطا مع ماسبق تشخيصه وجراء تأثر حياتنا اليومية المتسارعة التغير مع مصاحبات العولمة واذرعها التكنولوجية باستخداماتنا الخاطئة لها وضعف الضبط الاجتماعي الداخلي لدى معظمنا مثل ،الضمير، التربية، القبول والتكافل مع المحيطين وبشكل لافت منذ منتصف تسعنيات القرن الماضي كجزء من نتائج الخصخصة و سيادة حريات السوق عرضا وطلب كجزء من سطوة العولمة على مختلف المجتمعات الهامشية/النامية سابقا في العالم ، ما ادى الى حدوث تمزقات مؤلمة في البناء الاخلاقي والثقافي لمجتمعنا الاردني الحالي ،منها ظهور انماط جديدة من الجرائم، فكرة واليات تنفيذ، وحتى وضوح بالغ الحرفية في اخفاء ضحاياها، وهي سلوكيات غريبة على ثقافتنا العربية الاسلامية في مجتمع يوصف بانه شاب سكانيا وهنا يجب التنبه استباقيا الى الخطورة الابرز من حيث نوعية هذه الجرائم وطبيعية تنفيذها وارتفاع نسبها مثل تنامي اعداد جرائم القتل في داخلة الاسرة وبين الاقارب وفي المناطق الجغرافية التي كنا نصنفها بأنها متضامنة ومحافظة من قبل.
وبناء على ماسبق ، علينا العمل المنظم حكومة واصحاب رؤوس اموال ومؤسسات دينية مسيحية واسلامية واسرية واعلامية وحزبية ومؤسسات مجتمع مدني على التعاون المشترك على اعادة توزيع مكتسبات التنمية في توفير واقامة مشاريع تنموية وتوعوية في مختلف محافظات والوية للحد من نسب البِطالة والعمل بالتالي على الحيولولة دون توسع مساحات وعناوين التمزق في النسيج القيمي والحياتي المؤلم في مجتمعنا حفاظا على أمن راسمالنا الاقتصادي والاجتماعي وهو نحن جميعا وبأقل نسبة من العنف والجرائم ، وفي زيادة التوعية الحِرفية للوقاية من كل اشكال العنف بما فيها ارتكاب جرائم قتل النفس التي حرم الله عز وجل قتلها الا بالحق في ظل الظروف المقلقة التي يعيشها هذا الاقليم المتوتر الذي يضغط علينا جميعا كجزء من شرق اوسطي جديد ما زال غامضا وعنيفا ومرشح على كل الاحتمالات..فهل نحن فاعلون..؟.
حمى الله اردننا الحبيب واهله الطيبون فيه.
قسم علم الاجتماع -جامعة مؤتة -الأردن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى