لماذا أحرق وصفي التل «الأرشيف»؟

#سواليف

#لماذا أحرق #وصفي_التل «الأرشيف»؟

كتب بسام البدارين

لماذا نخشى البلل في موسم المطر؟
واحدة من الحكايات الوطنية المهمة في مسيرة #شهيد_الأردن وصفي التل المنقولة لنا وبكثافة في ذكرى رحيله هي تلك التي تتحدث عن قراره يوما بـ«تصفير عداد #الخصومات_السياسية» والتصرف تحت عنوان فتح صفحة جديدة أو المضي قدما الى الأمام.
الراحل الكبير في التراثية المنقولة أول من كسر البيض لإعداد طبق العجة الوطني وفي موقف مشهود ومنقول أحرق في باحة الملفات والقيود أمنية الطابع. القرار لا يظهر هامش التسامح والمرونة عند الحكم والنظام والدولة فقط، ولكن يفتح صفحة جديدة ويمضي الى الأمام.
لا أعرف ولا أبناء جيلي خلفية ودوافع ونقاشات تلك القصة عن تصفير العدادات. في الحالة اليوم أردنيا ثمة مشروع وطني أفقي لتحديث الدولة بانتظار مئويتها الثانية.
وثمة مسارات لتحديث المنظومات الحزبية والتمكين الاقتصادي والإصلاح الإداري.
لماذا لا نلجأ معا الى تصفير العدادات؟
ما الذي تعنيه مقولة المضي قدما الى الأمام والتحديث إذا لم تشمل تحديث كل أجزاء ومفاصل الماكينة والبراغي والمسطحات المعدنية وتلك المساحات الفارغة وأحيانا الصلبة؟
تحدث يوما الراحل الكبير أيضا عدنان أبو عودة عن سفينة تغرق وتحدث الدكتور عمر الرزاز عن طائرة فيها عطل لا بد من إصلاحها أثناء التحليق، وقبلهما تحدث رئيس وزراء سابق علنا عن حافلة مهترئة وقيادة شابة وتتعامل بمهنية مع المطبات والمنحنيات.
الحاجة ملحة اليوم مادامت وثائق التحديث حظيت بالتوافق وبالغطاء المرجعي، وينتظر الناس جميعا نتائجها، ويراقبون ميكانيزماتها إلى مقاربة رسمية مقنعة أكثر، وإحياء ما افتقدناه دوما كأردنيين في العقدين الأخيرين بعنوان الانسجام الجماعي رسميا وبيروقراطيا مع الرؤية.
نفتقد حقا تلك الأيام التي تعمل فيها جميع مفاصل الماكينة مع بعضها البعض بالتناسق والتلازم.
نفتقد للعمل الجماعي على مستوى النخبة ولتحقيق استراتيجية تنفيذية يعمل فيها ومعها جميع القادة والوزراء والجنرالات والموظفين تحت نفس السقف، وبنفس الوتيرة والثقة والإيمان مادام التراب واحدا والوطن نفسه والقيادة في الكونترول بحكمة واتخذت قرارها.

ما الذي تعنيه مقولة المضي قدما الى الأمام والتحديث إذا لم تشمل تحديث كل أجزاء ومفاصل الماكينة والبراغي والمسطحات المعدنية وتلك المساحات الفارغة وأحيانا الصلبة؟

قد لا يقف الأمر عن حدود الحنين والشوق الشعبي لعمل كبار المسؤولين مع بعضهم البعض أو لإطلاق صافرة حقيقية فيها قوة قرار تمنع مراكز القوى والشلل والمجموعات من الاحتكاك ببعضها البعض، كما تمنع التجاذب والصراعات والانقسامات بحيث تذوب الأجندات الشخصانية والمصالح الفردية لصالح الرؤية المرجعية.
رؤية تحديث الدولة ينقصها اليوم إظهار إشارات التزام حقيقي بالنص على الأقل مادام مرجعيا وتوافقيا ومن كل الأطراف والخلايا الفاعلة لدوائر صنع القرار.
والقول بذلك لا يمكنه أن يصنف باعتباره تشكيكا بقدر ما هو تنبيه الى أن قوى الأمر الواقع في المستويات التنفيذية لاتزال تعمل بالقطعة والتقسيط، وأحيانا بصورة مركزية معزولة عن بعضها البعض حتى أن النص المرجعي أحيانا يقرأ بعدة لهجات ويفسر بعدة لغات، وهو آخر ما نحتاجه إذا كنا جادين في مسألة تحديث الدولة حقا.
لا يتعلق الأمر اليوم بإنشاء ملاذ إداري لتشخيص مصلحة الرؤية والدولة والنظام، وكل ما قد نحتاجه قرارات جريئة أكثر في الالتزام بمسارات التحديث والتمكين، وإيصال رسائل للناس قوامها أن الدولة لهم جميعا وأنه لا اجتهاد في نص مرجعي وأن حفلة التحديث للجميع ومن أجل الجميع.
وبنفس المسطرة وفي إطار القانون والدستور وبدون كيديات أو إقصاء أو نوايا مسبقة وحتى بدون «الأرشيف بتاع زمان».
نتصور أن الوصول إلى منطق إدارة عامة من هذا الصنف يحتاج إلى تدرج لكنه غير ممكن بدون استلهام القيمة النبيلة للحكاية المنقولة عن الشهيد وصفي التل حيث تحديث القيود الأمنية بكل أصنافها خطوة على الأرجح باتت مطلوبة ليس للإفراج قليلا عن الناس والمكونات السياسية والحزبية الناشطة في المجتمع ولكن لأغراض خدمة الرؤية الجديدة.
يحدثني أحد كبار أعضاء البرلمان عن مفارقة اصطدم فيها شخصيا، فالقيود والأرشيفات الشخصية تثبت حالة واحدة قبل سنوات طويلة كان فيها غاضبا ومحتقنا، فقال كلمات غاضبة لا تمثل حقيقته وموقفه، لكنها بقيت تطارده حتى اللحظة، فيما الأرشيف الاستشعاري لم يسجل كل تفاعلاته الإيجابية أو حتى المنافقة أحيانا أو التسحيجية ولعشرات المرات.
صاحبنا يثير جزئية إدارية في غاية الأهمية قوامها التذكير بأن قيود الواجب الأمنية التي تسجل أو تؤرشف عن الأفراد قد تحتاج في زمن التحديث والتمكين والمسارات الجديدة لنظرة متسامحة أو علمية أكثر بعد الآن، فمن قام بواجبه في تثبيت سلبية ما، عليه أن يقوم اليوم بواجبه في تحديث السجلات والأرشيف والقيود والمعلومات بصورة منصفة أكثر، تذكر السلبي والإيجابي معا على أقل تعديل، أو تغلق قيدا دون أن تحرقه كما فعل وصفي التل ثم تفتح قيدا جديدا يناسب تفكير المئوية الثانية، ويبدأ بالعد من جديد وبطريقة علمية ومتطورة أكثر.
الرؤية المرجعية وليس المواطنين تستحق هذه الخطوة التحديثية.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

القدس العربي – لندن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى