
تِعداد
كان مُنبَطِحاً على الفرشه التي بجانب باب المضافه و من أمامه “الكانون” الذي تتربع عليه دلال القهوه النحاسيه التي يكاد بريقها يخطف البصر. طُرِقَ الباب.
المختار (لإبنه): قوم ياولد افتح باب الحوش، إجانا ضيف!
فَزَّ الولد مُسرعاً فرحاً ( فلم يزرهم ضيف منذ تم تعيين والده مُختاراً من قِبَل المُحافظ قبل حوالي سنتين، كما أن الولد أصابته قُرحه في المعده من كثر شرب القهوه التي “يَجبُرها” مع أبيه).
عاد الولد عابساً بعد دقيقه و معه مُغَلّف.
المختار: وين الضيف يا ولد؟
الولد: هاظ مِش ضيف يابه.
المختار: ميله على الحظ الغَثَى! لعاد مين؟
الولد: هاظ أبو اسماعين تبع البريد.
المختار: و شو بَدُّه أبو اسماعين؟
الولد: جابلك هاظ المغلف بقول إنه فيه مَرسوم من المحافظ.
المختار: يا هلا بمراسيم المحافظ! هات إقرا تانشوف شو بَدُّه المحافظ.
فتح الولد المغلف و أخرج المرسوم ثم بدأ يسترجع مهارات القراءه التي تعلمها عندما كان في المدرسه إلا ان قُدراته خانته. أخذ يتهجأ و يُتمتم.
المختار: خلص، إنطَّم و اسكت مش عارف تقرا!
الولد: المرسوم فيه كلمات صعبه مش عارف أقراها، و بعدين الحَّقْ عليك يابه، طلَّعتني من المدرسه و حطيتني قطروز عندك!
المختار: ولك أني بدي عشانك يا هبيله، عشان تختلط مع رجال الحكومه و تنعرف و تصير مُختار بعدي.
الولد: آآآه مهي طول نهارها الحكومه تْحِل و تُربط عباب المضافه!
المُختار: أي قوم تْخَّيَّبْ، قوم روح ناديلي عوض “أبو الجرايد”.
(عوض “أبو الجرايد” شاب جامعي في منتصف العمر، كان قد عَمِل لفتره في إحدى وزارات الدوله في العاصمه قبل أن يعود للقريه و يعمل في تربية الماعز بعد فَصله من عَمله بسبب توجهاته السياسيه).
ذهب الولد، و ما هي إلا فتره بسيطه حتى عاد بصحبة عوض.
عوض: شو بدك مني يا مختار؟
المختار: يارجل من الباب للطاقه! هيك! طيب اُقعد إشرب قهوه!
عوض: بديش أشرب قهوه. شو فيه؟ قول! بدي اروح اشتري جريده و أرجع عند العنزات، تركتهن يسرحن لحالهن.
المختار: بدي تشوفلي هالمَرسوم، اجاني من المحافظ و الولد مش عارف يقراه.
عوض: اعوذ بالله من هالطاري! هات جاي.
(يفتح المرسوم، و يبدأ بالقراءه)
المختار: هاه! شو بقول؟
عوض: فيه صَف سوالف كثير من تبعات الحكومه، و خُلاصته إنه بدهم تعمل تعداد ل “المواشي” اللي بالقريه.
المختار: هاه؟ و شو يعني ” تعداد مواشي”؟
عوض: مُختار و اضرب و اطرح و بتعرفش شو يعني تعداد مواشي!
المختار: تعداد بعرفها يعني “عد” بس “مواشي” هاي جديده، بعرفهاش! نَوّرنا!
عوض: “مواشي” يعني اللي “ماشيين” مع الحكومه على نفس الخط وبِسَّحْجْولهم شو ما قالوا.
المختار: آها هسا فهمت، طيب اقعد يا رجل!
عوض: لا بديش، مستعجل، سلام.
(يغادر عوض)
المختار: هات الختم و ورقه و قلم يا ولد.
(يحضر الولد الختم و ورقه و قلم)
المختار: بتعرف تكتب؟ وِلَّا مثل القرايه؟
الولد: لا يابه بكتب مثل الفُرِّيرَه!
المختار: طيَّب اكتب عندك:
من مختار القريه الى المحافظ،
نُعلمكم أن أهل القريه كلهم “مواشي” ما عَدا عوض “أبو الجرايد”. و السلام ختام.