الاعتقال الاصعب / عبد الفتاح طوقان

الاعتقال الاصعب ..الاعتقال الحميد للواء مخابرات

أن “نيابة محكمة أمن الدولة الاردنية قررت نهاية الاسبوع الماضي توقيف كل من النائب السابق وصفي الرواشدة و هو مهندس سابق في الجيش الاردني ، واللواء المتقاعد الدكتور محمد العتوم والعميد المتقاعد الدكتور عمر العسوفي والدكتور حسام العبداللات وعبدالرحمن الدويري وفلاح الخلايلة”. و تناقلت صفحات التواصل الاجتماعي الخبر وخلعت عليهم لقب “ناشطيين سياسيين “ و التي اصبحت صفة من لا صفة له. كل من كتب كلمة علي الفيس بوك اصبح ناشط سياسي ، و كل من اعترض بسطر اصبح ناشط سياسي و كل من فتح فمه اصبح ناشط سياسي و كل من ظهر علي شاشة فضائية وهو في سوق خضار اصبح ناشط سياسي و غيرها من التقليعات .

و حيث ان الاعلام غائب وغير شفاف و دور وزارة الثقافة الاردنية في خانة ترضية من لا وزارة له ، فقد قام العديد من المغيبين اعلاميا بنشر بيانات الشجب و الاستنكار دون معرفة الحقائق ، و اكتفي رئيس الحكومة الاردنية بالرد علي استفسار من رئيس مجلس النواب حول اسباب الاعتقال بالرد :” الموضوع في يد القضاء”.

و الادهي عندما سئل احد الوزراء في الحكومة نفسها اجاب :” من هم هؤلاء الرجال “ و هذا يعني ان بعض اعضاء الحكومة غائبين عن السياسة اصلا و الاحداث اليومية فكيف بالمواطن العادي .

مقالات ذات صلة

و تلقي الجميع معلومات خاطئة و من مصادر غير صحيحة ، فبادروا باصدار بيانات أعربوا فيها عن رفضهم وشجبهم لاعتقال لواء مخابرات و رفاقه بمن فيهم احد النواب السابقين ، معتبرين أن الاعتقال رسالة إلى كل المتقاعدين العسكريين والناشطين الوطنيين تحد من حرية تعبيرهم.

و طبعا هذا ليس صحيحا لان ما بني علي خطاء هو خطاء. لو كانت القضية قضية راى عام و انتقاد بناء من اعماق المجتمع و قلبه لكان الحال الدفاع عن الحريات و رفض الاعتقال الاصعب لتقييد الحريات و تكميم الافواه ، اما و ان الحالة ليست كذلك فأن الاعتقال دليل قوي علي الدور الامني و الاجراءات الوقائية التي تقوم بها دائرة المخابرات لحماية الوطن و الدفاع عن امنه و شرعية الحياة السياسية النظيفة الخالية من الشوائب.

و اقصد اولا أن الحريات كفلها الدستور بصراحة و الملك يحميها و يطالب بسقف اعلي لتمكين الرأى الوطني الحر المستقل غير الموجه عن بعد ، و البعيد عن الاجندات الخارجية الملوثة ، و يشدد علي عدم المساس بمن يكتب و ينتقد لاجل بناء الوطن لا هدمه بمعول الافساد للحياة السياسية ، و يتدخل الملك احيانا ضد رغبات و توجيهات روؤساء حكومات مطالبه باعتقال كاتب، او منتقد ، او صاحب رآي ، علي الرغم ان بعض الحكومات تحد من الحريات دفاعا عن مصلحة الحكومة ذاتها في مواقف ذاتيه لا علاقة لها بالقصر الملكي.

ما حدث من افعال و ردود افعال من اللواء المتقاعد و المتشيع فكرا الدكتور محمد العتوم و رفاقه مرجعيتها الي غياب وزارة الثقافة ، و عدم وجود مناهج دراسية لتوعية الطلاب ان الاردن مملكة هاشمية لا ساحة جهوية شيعية او دولة اشتراكية او شيوعية ، و تعود الي حالة التيه السياسي و الانغماس في سراب السفارات و اجهزتها من بعض المعتقلين.

و القصة في بدايتها ، ان اللواء عمل في دائرة المخابرات بعيدا عن المراكز الحساسة و الوظآئف العملياتية ، و لم يكن له دور مهم في دائرة المخابرات الاردنية ، و لم يستلم مواقع ذات بال، هو موظف ترقي ووصل الي رتبة عميد مثل كثيرين ممن حملهم لوطن و اغدق عليهم لاسباب عدة ، و احيل علي التقاعد في حدود عام ٢٠٠٧ ، و لكن لانه من انسباء مدير المخابرات الاسبق الفريق محمد الذهبي فقد تم التوصية بترفيعه الي رتبة لواء حتي يحصل علي راتب تقاعدي افضل لا يحتاج بعدها للعمل و البحث عن وظيفة.

و لقدحصل علي الدكتوراه من السودان في التقريب بين المذاهب ، في الوقت كانت السودان قد تجرأت في طرح المذهب الشيعي على أرضها بعد انتصار الثورة الخمينية في 1979، وما عكسته كثورة تم تصديرها لتتلقفها الحركة الإسلامية السودانية في ذلك الوقت، ومهّدت وجود الشيعة و التشيع العلني في نهاية الثمانينيات علي ارضها.

لقد كان ضابط المخابرات حينها تحت تأثير سحابة علماء السلطان علي ما يبدو ، مركزا علي الاحاديث التي يؤمن بها الشيعة ، و بلا شك اهتم بقراءة و عرج علي كتاب الكافي الذي يعتبر من اهم اربع مراجع في كتب الشيعة ، و يشتهر في أوساط الشيعة الإثني عشريَّة بلقب ثقة الإسلام الكليني للشيخ محمد بن يعقوب الكليني (ت. 329 هـ). و منذ ان خرج الي التقاعد وهو مهتم بالنقد السلبي ، و محاولات الاتصال بشخصيات اعتبارية لكسب ودها و خلق تيار قوي ( في نظره هو للامور مستغلا عضويته في مؤسسة المتقاعدين العسكريين ) لرفع سقف النقد باحتراف الادعاء غير الصحيح ، و التركيز علي سلبيات و تضخيمها و تفخيهما و تسويقها بين المتقاعدين العسكريين و غيرهم ، و اصبح يدور في شلة من المناكفين لهم علاقة مع السفير الايراني و بعض منهم زاروا ايران و سوريا بدون لواء المخابرات ، و تلقوا تعليمات بما يتوافق مع الاجندات الخارجية في الخفاء ، و لكن اعين المخابرات الاردنية و فرسانها اذانهم لم تكن غافلة ، و تستحق الثناء علي ما قامت به من جهد لمحاربة دس الفتن والمؤامرات السياسية التي تروج لها دولا لخدمة مصالحها السياسية والاستراتيجية علي حساب الاردن و ترابه.

المتقاعدون العسكريون هم الاكثر حرصا علي الوطن و الحريات و هم الاكثر استبسالا في الذود عن ترابه و حمايته من الاجندات الخارجية ، و قضية الاعتقال التي حدثت لرجل المخابرات و شله معه او هو معها ، لا فرق ، هي ليست اعتقال سياسي او قضية حريات كما يظن البعض و لا تشكل العقدة الأصعب في المعالجة القانونية ، بل هي قضية “ اعتقال حميد” لحركة تبدو انها شبه تخابرية خارجية في بعض من اجزائها و في اخري تحريضية ضد الوطن ، تحتاج الي منشار بتر تحت مظلة القانون لكل من يتلاعب بمقدارت و مشاعر الوطن ، بحق او بغير حق ، ويعتدي علي استقلاله الفكري لدس الفتن و اثارة البلبة.

الاعتقال الاصعب عندما يكون الاعتقال لصاحب رآي او قلم حر تحاول الحكومة ان تكسره و تمنعه ، و ليس في مثل تلك الحالة الحميدة التي تحمي المخابرات و القضاء معا الوطن من التشقق و الانقسام.

الحكومة الاردنية مطالبة باعادة برمجة اعلامها و ثقافتها و بث معلومات بشفافية للاحداث و مكاشفة توعوية حتي يقف المواطن معها ،و تزيل الغشاوه عن اعين ممن يدعون انهم نشطاء سياسيين و ممن زيفت لهم الحقائق فغردوا خارج السرب ، و لمن يمتهنون اللعب مع الخارج ضد الوطن ، و في نفس الوقت علي وزارة الخارجية الاردنية تفعيل القانون الدبلوماسي كأحد مجالات القانون الدولي التي تتحكم في عمل البعثات الدبلوماسية بحيث لا تتدخل اي من الدول في الشآن الداخلي الاردني .

حلوة يا بلدي ،،حماك الله و حمي فرسان حقك.

aftoukan@hotmail.com.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى