لقاءات الملك مع #المتقاعدين_العسكريين
قبل ما يزيد على أربعة عشر قرنا قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ” إتقِ الله يا أمير المؤمنين، فوالله ما الأمر كما قلت “. فأقبل عليه آخرون يؤنبونه على قوله، فقال لهم عمر: ” دعوه يقولها، فلا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها “. ومن هذا المنطلق، سأتحدث باختصار عن لقاءات جلالة الملك المتكررة بالمتقاعدين العسكريين، دون عرض نفسي للحضور.
لقد درج المسؤولون في الديوان الملكي منذ سنوات، على عقد لقاءات الملك مع عدد من المتقاعدين العسكريين. وأخذت هذه اللقاءات أسلوبين مختلفين، الأول زيارة لمنزل أحد كبار الضباط المتقاعدين بحضور 15 – 20 متقاعدا، كان بينها زيارتان إحداهما لمنزل رئيس أركان سابق، وأخرى لزيارة منزل مدير أمن عام سابق.
وجرت تغطية إعلامية لمختلف تلك الزيارات من قبل إعلام الديوان الملكي بعبارات عامة، لم نلمس لها أية نتائج عملية، تتعلق بقضايا المتقاعدين العسكريين أو بقضايا الوطن.
الأسلوب الثاني لمثل تلك اللقاءات، هو دعوة عدد من #المتقاعدين العسكريين أكبر منها في زيارات المنازل، يتراوح بين 120 – 150 شخصا إلى الخيمة الملكية، في منطقة #القصور_الملكية بعمان. وهؤلاء المدعوون يتم اختيارهم من قبل فرازة مجهولة الهوية، والتي مع الأسف تصنف المتقاعدين العسكريين إلى نوعين: مقرب صامت عن قول الحقيقة مرحب به، ومبعد غير مرحب به ولا بحديثة.
فالمقرب الصامت عن قول الحقيقة، يقتصر حديثه عادة على الذكريات السابقة، دون التطرق لقضايا زملائه المتقاعدين أو لقضايا الوطن. وأما المبعد، فعدم حضوره سيكفيهم عدم الاستماع إلى قضايا وطنية حقيقية تهم الوطن والمواطنين. وأن كنت لا أنتقص من قدرة الزملاء على طرح بعض القضايا أمام لولي الأمر، إلاّ أن طبيعة الإيحاء بعدم إزعاج جلالته بتلك القضايا، قد يكون سائدا في ذلك الاجتماع.
وهنا أتساءل: هل الغاية من تلك اللقاءات، التعرف على قضايا المتقاعدين العسكريين – #الجيش الرديف كما يُقال – إضافة للقضايا الوطنية التي يلمسها الحاضرون عن كثب، ولديهم تصور بسيط لمعالجتها؟ أم أنها مناسبات اجتماعية لاستعادة ذكريات الماضي، عندما كنا نُجري المناورات التدريبية، ونتناول طعامنا بعد العناء، بمكوناته من البلابيف وقلايات البندورة، الممزوجة بغبار الصحراء؟
الملك مرحّب به في أي منزل من منازل العسكريين أو المواطنين، وله الحق بالالتقاء والتحدث لمن يريد. ولكن نحن اليوم لسنا في ترف الوقت، لنعقد لقاءات منزلية أو جماعية، مع أشخاص ليس لديهم برنامج محدد للحديث، أو لطرح مواضيع وطنية هامة للنقاش، خاصة وأنهم جاءوا من أماكن مختلفة، ولم يلتقوا قبل حضور اللقاء.
اجتماع الملك في لقاء موسع مع المتقاعدين العسكريين له أهمية خاصة، ويحدث عادة إذا كان هناك توجيها في أمر هام، كوجود خطر يهدد البلاد، أو تغيير في سياسة الدولة، أو مهمة جديدة ستسند للقوات المسلحة. وتبعا لذلك، فبقية المتقاعدين الذين استثنتهم فرازة الديوان الملكي، إضافة لمعظم المواطنين، يعلّقون آمالا على مثل هذه اللقاءات، علّها تعالج بعضا من قضاياهم المعيشية والوطنية.
لقد ثبت عُقْمَ هذه الأساليب من الاجتماعات المصغّرة والموسّعة، وإذا كان المعنيون بالأمر، يرغبون بلقاءات منتجة تعود بالفائدة على المعنيين، فعليهم أن يقتصروا اللقاءات على عدد محدود من المتقاعدين العسكريين، الذين يحملون فكرا وخبرة في القضايا الوطنية العامة، ليصارحوا جلالته بحقائق ما يجري في الوطن، وسبُل التعامل معه حفاظا على أمنه واستقراره. وهذه أمور لا يمكن مناقشتها والخروج منها بدروس مفيدة في لقاء موسع أو لقاء مصغّر، رُتب على عجل دون تحديد القصد منه.
فالمتقاعدون العسكريون الذين لم يحضروا اللقاء الأخير ، إضافة إلى معظم #المواطنين، توقعوا سماع شيء عن النواحي التالية، والتي تهم وطنهم وحياتهم ومستقبل أبنائهم:
1. قضايا الفقر والبطالة واستمرار الحكومة بزيادة الضرائب، ورفع أسعار المحروقات بشكل كبير، وانعكاس ذلك على الأمن الوطني.
2. الاطلاع على سياسة الحكومة في كيفية تخفيض المديونية العامة التي تتزايد سنويا، وأصبحت تشكل خطرا على وجود الدولة، والذي يهمنا جميعا ولا يهم الحكومة وحدها.
3. سياسة مواجهة التهديدات المحتملة على الحدود الشمالية، بإجراءات عملية وخطط مدروسة.
4. معالجة قضايا المخدرات ومعرفة ومحاسبة مستقبليها من كبار التجار المستترين، والتي بدأنا نلمس شيئا منها هذه الأيام.
5. الاهتمام بفشل مشاريع الاستثمار وأسباب هروب المستثمرين من البلاد.
6. الإجراءات المقترحة للحد من ترهل أجهزة الدولة، وانتشار الرشوة في القطاع العام.
7. إعادة هيكلة الرواتب في القطاعين المدني والعسكري، ومراعاة تحقيق العدالة النسبية.
8. سياسة التقشف وترشيد الاستهلاك، التي يجب أن تتبعها الحكومة في مختلف مؤسسات الدولة، للحد من المصروفات والرواتب وأساطيل السيارات الحكومية، وإلغاء بعض المؤسسات غير الضرورية، لتتناسب مع الضائقة المالية التي نمر بها.
9. انتهاك المتطرفين اليهود لباحات المسجد الأقصى، تحت حماية رسمية تنفذها قوات الأمن الإسرائيلية، وتفعيل دور الوصاية الهاشمية عليها.
وعلى ضوء ما تقدم، فإنني أقترح أن تتم اللقاءات الملكية مع المتقاعدين العسكريين بصورة تليق بتلك المناسبات، لكي تؤدي الفائدة المرجوة منها ماديا ومعنويا، وكما يلي :
أ. اختيار مجموعة صغيرة من الضباط المتقاعدين ( 10 – 15 ) ممن يحملون ثقافة وفكرا في قضايا الوطن ( وأنا لست منهم )، بعيدا عن اختيارهم من قبل الفرازة المعهودة، وإبلاغهم بموعد اللقاء مع جلالته قبل أسبوع على الأقل.
ب. السماح للحضور بحديث مختصر وصريح، عن أي موضوع يهم الوطن والمواطنين لمدة 5 – 10 دقائق، والتي يحجم المستشارون عن مصارحة جلالته بها، مع بيان الحلول المقترحة لها.
ج. الإعلان من خلال وسائل الإعلام المختلفة، عما جرى بحثه لخدمة الوطن، وليس بعبارات عامة لا تعطي مدلولا لأي عمل نافع، مع مراعاة النواحي الأمنية.
وهكذا تكون اللقاءات الملكية منتجة، تصب في مصلحة #الوطن وجيشه الرديف، وتحافظ على الأمن الوطني الذي هو الهدف الذي نسعى إليه، وليست لسرد الذكريات السابقة ومضيعة الوقت، الذي نحن بأمس الحاجة لاستغلاله في هذه الظروف الحرجة، التي نمر بها ويمر بها العالم بشكل عام. فهل من مستجيب ؟ ؟
التاريخ : 20 / 10 / 2022