سواليف
التأمل بأسماء النواب، الذين غردوا بخشونة أمس الأحد خارج سرب الحكومة والسلطة في ملف الطاقة تحديداً، يوحي ضمنياً بحالة تنمر غير مسبوقة وبدورة أخيرة صعبة ومناكفة للبرلمان قد تفتح المجال أمام سيناريوهات لم تكن محسوبة.
ذهب أعضاء في مجلس نواب الأردن إلى مساحات ومسافات غير مسبوقة وغير مألوفة في طرح أسئلة حرجة جداً بعنوان «لغز الطاقة في الأردن».
صحيح أن النقاشات تزامنت مع نقاشات اللجنة المالية في مشروع الميزانية المالية، وكانت تطال تعديلاً تشريعياً له علاقة بإلغاء اتفاقية مقررة سابقاً مع شركة يفترض أنها عالمية للتنقيب عن النفط، لكن الصحيح أيضاً أن التدقيق بهوية النواب الذين فتحوا ملف عش الدبابير هنا أكثر إثارة، حيث وزراء سابقون ورؤساء لجان محسوبون طوال الوقت على مساحة قريبة جداً من دوائر القرار وتعتمد عليها بالعادة مؤسستا الأمن والحكومة.
جميع أقطاب مجلس النواب ورؤساء اللجان هاجموا الحكومة الحالية والحكومات السابقة في ملف الطاقة بصورة غير مسبوقة. وبدا لافتاً جداً للنظر أن نواب الصف الرسمي، وليس المعارضة الذين يهندسون مع السلطة بالعادة كل التمريرات والتبريرات، هم الذين بالغوا في استخدام مايكروفون المناكفة والمعارضة الكبير أمس خلال نقاشات كان ينبغي أن تنحصر في بند قانوني محدد وهو إلغاء اتفاقية سابقة مع شركة ما للتنقيب عن النفط .
الصراخ في سياق مخاطبة الرأي العام وغرائز المجتمع تمهيداً للانتخابات المقبلة مارسه أعضاء في البرلمان يهاجمهم وينتقدهم أصلاً الشارع.
الكلام كان كبيراً للغاية أمس، فالنائب يحيى السعود، وهو ليس معارضاً في كل حال، قالها باختصار مشيراً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تمنع الأردن من الاستثمار في النفط، وملمحاً إلى أن عملية التنقيب عن النفط بصورة جدية قد لا تحصل قبل أن يسمح الراعي الأمريكي بذلك.
في الأثناء كانت النائب وفاء بني مصطفى تقول شيئاً آخر باختصار أيضاً بعنوان أن ملف الطاقة في الأردن أكبر من الوزيرة الحالية ومن حكومتها، دون تقديم إيضاحات. وحتى رئيس اللجنة القانونية المتوازن في طرحه في العادة، عبد المنعم العودات، ركب الموجة نفسها وتحدث عن إلغاء الحكومة لنحو عشر اتفاقيات في مجال التنقيب والطاقة، وقال باختصار بأن الحديث عن شركات وهمية.
موقف الحكومة في مقاربة النائب الإسلامي أحمد الرقب هزيل، والشركات التي تم توقيع عدة اتفاقيات معها مشبوهة. أما النائب نبيل غيشان فسأل عن الشروط الجزائية وتحدث عن «سمسرة»، بدون الكشف عن تفاصيل أيضاً.
رئيس لجنة الطاقة النائب حسين القيسي، تحدث عن شركات وقعت معها اتفاقيات ولم تعمل، والهجوم النيابي المنسق توافق على توقيع اتفاقيات متعددة مع شركات وهمية. وساند الهجوم نفسه رئيس لجنة الشؤون الخارجية النائب رائد خزاعلة عندما اعتبر وزيرة الطاقة الحالي هالة زواتي ليست أهلاً لموقعها، وسأل عن مكاسب الخزينة من مثل هذه الاتفاقيات. وقرر رئيس اللجنة المالية أيضاً خالد البكار، خلافاً للعادة والمتوقع، إضفاء مزيد من الإثارة وهو يتحدث عن غرابة لغز الطاقة في بلاده.
وفي الأثناء، فتح المتشرع المحنك ووزير العدل الأسبق النائب عبد الكريم الدغمي، الباب على مصراعيه أمام مزيد من الإثارة مستقبلاً وهو يطالب بتحويل ملف تلك الشركة إلى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وهو رأي سانده رؤساء لجان متعددة وأعضاء من كل التيارات رغم أن وزير العدل الحالي بسام التلهوني تحدث عن قدرة الحكومة على ملاحقة أي شركة تم الاتفاق معها وخالفت الشروط لاحقاً.
جلسة البرلمان الأردني أمس تستوجب التعمق في بعض التفاصيل، ليس لأن ملف الطاقة أصبح فعلاً من الألغاز الكبيرة التي تخفق الحكومة في شرحها للرأي العام والبرلمان، ولكن لأن النائب القيسي قال بأن المسألة معقدة جداً، ولأنه أصبح لافتاً للنظر أن حلفاء الحكومة من النواب يشاركون في حلقة المناكفة والمعارضة والاستفزاز عبر الاسترسال في فتح ملفات من الصعب إغلاقها عندما تفتح فعلاً. هذا النشاط ولأول مرة تقريباً تشارك به نخبة من أعضاء البرلمان محسوبة طوال الوقت على خيارات وبوصلة السلطة.
وتشارك به خلية من رؤساء اللجان في حراك ميكرفوني واضح الملامح لا يخاطب الوقائع التشريعية والقانونية فقط بقدر ما يخاطب بوصلة الانتخابات المقبلة في ظل دورة عادية أخيرة معقدة جداً. قبل ذلك، كانت الحكومة والسلطات قد أخفقت في مناورتين أيضاً: الأولى عندما تعلق الأمر بتوصية رفع الحصانة عن نائبين في البرلمان، والثانية عندما أخفقت في إيصال أحد النواب إلى موقع نائب رئيس المجلس.
مجلس نواب الأردن، باختصار، بدأ يغرد خارج السرب ويجازف بسيناريو حل البرلمان ويخاطب الجمهور والشارع ولا يتصرف انطلاقاً من حسابات الدولة، ويختار ملفاً معقداً أصلاً هو لغز الطاقة لانتفاضته وحراكه الجديد.