لغتنا الجميلة

#لغتنا_الجميلة

د. #هاشم_غرايبه

هنالك ميل عند الأجيال الجديدة لكتابة #الكلمات #العربية بأحرف لاتينية، اعتقادا أنها اسهل في التعبير، لكن ما جعلها كذلك أن من صنعوا أجهزة الهاتف والحاسوب لا يعرفون العربية، ولو كانوا يعرفونها لعرفوا أنها أكثر اللغات دقة في إيصال المعنى بلا أي لبس، وهذه مهمة اللغة الأساسية.
رغم أن هنالك العديد من الميزات للغة العربية عن سائر اللغات الأخرى، إلا أن أميزها هي أنها لغة معربة، فيما جميع اللغات مبنية، فهي الوحيدة التي تحدد الحركة على آخر الكلمة وظيفتها، فالمعرب صفة الحيوية، وهي ما أعطاها سعة البيان والبلاغة، وبحسب موقعها تكون هذه الحركة، سواء كانت مرفوعة أومنصوبة أو مجرورة أو ساكنة.
كما أنه مع ثبات اللفظة، فإن تبديل الحركات على كل حرف نحصل على معنى مغاير، مثلا من الحروف الثلاثة (ق د ر)، بإمكاننا من هذا الجذر الواحد صنع ستة ألفاظ مستقلة متباينة في المعنى: فالقَدَرَ هو الأمر المكتوب من الله، والقَدْرُ هو المكانة والقيمة، والقِدْرُ هي وعاء الطهي، وقدَّرَ بمعنى حسَبَ، وقَدِرَ بمعنى تمكن، وقدَرَ بمعنى منع أو أنقص.
والميزة الأخرى التي أعطت قيمة مضافة للعربية، هي أن هذه الحركات جاءت مكملة لحروف الحركة (حروف العلة) وهي الألف والواو والياء، فالفتحة هي عبارة عن نصف المَدّةِ في حرف الألف، والضمة هي كذلك نصف واو، والكسرة هي نصف الياء، أما السكون فهي اللا حركة.
فائدة هذه الحركات أنها ضاعفت فاعلية الحروف من غير أن تزيد في عددها، ويمكن كتابة كلمات ذات حروف كثيرة من غير فصل هذه الحروف بحروف علة كما في اللغات الأخرى، والتي لا يمكن فيها لفظ الكلمة إلا إن كان الحرف متبوعاً بحرف علة، ولو أخذنا مثلا للتوضيح كلمة: (مُسْتَنْبَت) والتي تلفظ من غير مشقة رغم أنها من ستة حروف ليس بينها حرف علة واحد، فلو لفظناها بحروف اللغة الإنجليزية (mostanbat) فإننا نحتاج للزيادة على الحروف الستة الأصلية ثلاثة حروف علة.
هذه الحركات لا تقتصر دلالاتها على النفع اللغوي، بل تأتي في سياق منطقي مع الحياة، فتفسر سماتها، وتتوافق مع معطياتها الواقعية، وكل حركة تعطي المعنى المراد بلا لبس ولا غموض.
فالضمة شكلا جاءت من الواو لفظا، لكن الرفع معنى يأتي من السمو والعلو مقاما وتأثيرا.
فالرفع سمة الفاعل لأنه هو المؤثر صاحب الفعل والإرادة، فحق له أن يكون مرفوع القامة، وهو منطق الحضارة الإنسانية أيضاً.
والمبتدأ يجب أن يكون معرّفا لا نكرة وبادئا في الإخبار متبوعا لا تابعاً، والخبر الذي يترافق معه دوما لا يغادره ولا ينفصل عنه، لأنه حكم، والحكم لا يكون على نكرة، بل يحكم على ما هو معرف، وهذا هو منطق العدل، لذلك استوجب رفع المبتدأ والخبر، لأن المبتدأ عنوان والخبر تبيان.
والفعل المضارع هو فعل قائم وأداء حاضر مستمر، لم ينتهي فعله بعد، فهو حركة مؤثرة في غيره، فاعلة في إحداث التغيير، فجاء مرفوعا في الأصل، إلا ان تسبقة أداة نصب أو جزم فتشكمه، فعندها لا يحق له أن يبقى مرفوعا.
أما النصب فجاء بالفتح، وهي مَدّةٌ قصيرة، فترسم على شكل ألف صغيرة مائلة الى شكل أقرب الى الإستواء، لذلك فالنصب ميلٌ الى الإستواء أي استقبال الفعل وتقبل نتيجته، وهذه سمة المفعول به الراضخ لما يحل به.
وأما الجر فعلامته الكسرة، أي الإنكسار والخضوع، فمهما كان الإسم عظيما، إن جَرّهُ حرفُ جرٍّ كسرَ عَظَمته، وإن أُضيف الى نكرةٍ زادَهُ ذلك انكساراً وذلةً، وإن كان نعتا لمجرور ماثله في الكسر، لذلك جاءت الكسرة تحت الكلمة دلالة على التبعية وتعبيراً عن الدونية.
ويبقى السكون وعلامته دائرة مغلقة صغيرة تمثّل فما مطبقا، دلالة الصمت وغياب التأثير، فشتّان بين رفع الفعل المضارع: (يقولُ) وبين (لم يقلْ) فجزمه أفقده حرف الحركة (و) فجعله ساكنا بعد أن كان يضج بالفعل والتأثير.
هكذا نستنتج أن العربية لغة الحياة، لأنها تعبير مطابق للسليقة البشرية، ولا يمكن أن تدانيها لغة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى