لعنة نيوتن / وائل أحمد مكاحلة

لعنة نيوتن
في اليوم السابق لعطلتي الأسبوعية راجعت شريط حياتي السابق.. كم أنا مقصر في حق نفسي !!.. عمل ونوم يتبعه تسكع ثم لهو على الهاتف فعودة للعمل من جديد.. يتخلل هذا كتابة مقال وقصة قصيرة أضيفها إلى رصيدي الفيسبوكي.. ثم لا شئ..

ما كل هذه العشوائية؟.. أنا أعيش بالضبط تلك الحياة التي فرّ منها الفلاسفة والعلماء والعظماء إلى قمم الجبال ليتأملوا الطبيعة بعيدا عن صخب الحياة في الأسفل، لا أنكر أن نيوتن ذاته أصبح عالما أثناء استرخائه تحت شجرة تفاح تبصق منتجاتها على من يبحثون عن الراحة لديها، لكن من قال أنني أريد أن أصبح نيوتن آخر؟.. حياة هذا الوغد المليئة بالألغاز الفيزيائية التي عذبت طفولتنا وأحالت شبابنا جحيما لا تغريني أبدا، أريد أن أصبح شيئا لم يرد في كتب الكبار أبدا، أريد أن يذكر اسمي في كل المراجع التي تتكلم عن أمثالي من ال…. ال…… لحد الآن لم أحدد ما أريد أن أكونه حتى أعرف مراجعه، لكنني أتوق إلى هذا بشدة…!!

جلبت قلم رصاص وأجندة قديمة وبدأت فعلا في تخطيط حياتي القادمة من جديد..

حسنا.. أنا نسيت القراءة منذ زمن، حتى الكتب الكثيرة التي اشتريتها مؤخرا استنزفت كل مدخراتي في حصالة ابنتي “بسمله” ولم أمسسها بعد !!.. أيضا هناك كتب أهدانيها أصدقائي الكتّاب العظام منذ عامين ونيّف.. أعتقد أن وقتها قد حان إذا !!.. سأحدد ساعات القراءة من الصباح إلى ظهر يوم العطلة الأول، هناك “بعض” الكيلوجرامات الزائدة طرأت على وزني في الفترة الأخيرة لتكتمل صورة الأب الكسول كما وردت في الكتب.. حسنا بعض الرياضة من الظهر للعصر ستكون كافية جدا، بعد العصر سأستحم مهيئا نفسي للتنزه مع أسرتي الصغيرة، وبعد المغرب سأفرغ نفسي للقلم وكتاباتي التي أهملتها كثيرا في الفترة الأخيرة.. أخيرا سأبدأ في كتابة روايتي الثالثة…!!

نسيت أن أقول أن يوم العطلة الثاني سيكون نسخة كربون عن اليوم الأول.. أحتاج الروتين كثيرا في عالمي المتجدد بالمشاكل دوما، ختمت الورقة التي رسمت عليها خطتي الصغيرة بأصابعي العشر، ومهرتها بتوقيعي السامي، ولم أنس أن أنسخ عنها نسخة طبق الأصل سلمتها من نفسي إلى نفسي في احتفال رسمي ضم العائلة والأحبة، كي أثبّت على نفسي قانوني المبرمج الجديد الذي سيصنع مني ظاهرة لا تتكرر في عالم الأدب… كم أنا رائع !!

هيأت نفسي للنوم وهممت بإطفاء التلفاز كي أنام باكرا لأجعل ليومي معنى، ثمة فيلم سينمائي يعرض على الشاشة الفضية لأول مرة، تابعت التترات لأجد أنه الفيلم الأخير لممثلي المفضل، جلست لأتابع الفيلم الممتع طالبا من زوجتي أن تعد لي دلوا من الفيشار الساخن..

– وماذا عن البرنامج؟.. كدت تقتلني عندما طلبت منك أن تمدد الوقت المخصص للنزهة…!!

– أي برنامج؟.. آه البرنامج !.. البرنامج في أمان.. لا تقلقي.. فقط ثقي بي وانفحيني بعض الفيشار وكثيرا من الصمت لأتابع…

تقول زوجتي أنها تفقدتني بعد ساعة فوجدتني على ما تركتني عليه، ممددا على الأريكة أمام التلفاز الذي يعرض فيلما لممثلي المفضل، غارقا في بحيرة من الفيشار إثر سقوط الدلو الصغير من يدي ليغرقني في لجاجه الأبيض المالح……… كنت أشخر !!

وحين استيقظت من نومي عصر اليوم التالي أدركت حقيقة هامة، نيوتن الذي كنت أظنه وغدا.. غدا عالما بسبب تفاحة سقطت على أم رأسه، أما أنا فدلو كامل من الفيشار لم ينجح في إخراجي من دائرة يوميات العربي الذي لا ينتظم يومه أبدا مهما حاول…..!!!

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى