لعبة الرواتب والارقام / د. خالد حسنين

لعبة الرواتب والارقام

وصلني عبر مجموعات الواتساب خلال الأيام القليلة الماضية تعريض بأحد مدراء الشركات الخاصة بسبب تعيينه براتبه عال 13000 دينار (ثلاثة عشر ألف دينار)، مع بكائية طويلة عن أحوال الأردنيين، ومن يأكلون من الحاويات، وأوضاع الناس الصعبة… إلخ.

وأود هنا التأكيد على أن أوضاع كثير من الأردنيين، في القرى المنسية، وفي المخيمات والبوادي، مأساوية بدرجة مزرية، وهذا صحيح لا ينكره عاقل، ولكن ما علاقة ذلك براتب مدير الشركة الخاصة، وهل تشغيلة براتب أقل سينعكس على أوضاع الناس بشكل أفضل؟

الرواتب والمكافآت لا تقاس رقميا بشكل مجرد، ولا يتم مقارنتها مع راتبي أنا أو راتبك أنت، ولا نستطيع القول أن راتب 20 ألف دينار كثير، وراتب 500 دينار قليل، لأن الراتب مرتبط أساسا بالعائد الذي تجنيه المؤسسة من وراء تعيين ذلك الشخص في هذا الموقع أو ذاك.

ولتوضيح ذلك: لو كنت صاحب شركة، وعندي موظف يعمل في المبيعات، ويستطيع شهريا إدخال 100 ألف دينار للشركة (كصافي أرباح بعد الضريبة) فكم يستحق راتبا؟ هل أكون مخطئا لو أنني منحته 20 ألف دينار راتب شهري؟ هل تجد ذلك منطقيا؟ بالتأكيد نعم، لأن هذا الموظف يعطيني مكسب بمقدار 80 ألف دينار شهري (كصافي دخل)، وليس لذلك أي علاقة بأحوال الناس الصعبة.
وعلى الجانب الآخر لو كان لدي في الشركة نفسها موظف آخر راتبه 500 دينار، ولكنه يقوم بأعمال روتينية لا يترتب عليها أي قيمة مضافة للشركة، بل يمكن لموظف حديث التخرج القيام بها، وفوق ذلك يقضي ذلك الموظف يومه بين المكاتب ساعيا بالنميمة ونقل الاشاعات، فهذا الشخص لا يحق له التعليق على راتب الموظف الاول بالرغم من الفارق الهائل بين القيمتين.

الخلاصة أن الراتب يمثل قيمة سوقية للجهد الذي يبذله الانسان في موقع عمله، ولو أخضعنا الناس جميعا لميزان واحد فلربما كانت الامور أكثر عدالة من إلقاء التهم جزافا، وتداولها لأسباب غريزية وغير موضوعية.

وأختم بقصة سمعتها بعد الثورة المصرية مباشرة، على قناة التحرير المصرية، المذيع يسأل مدير بنك عن مظاهر الفساد في البنك أيام عهد مبارك، ويضرب مثالا على ذلك براتب الخبير (الأجنبي) الذي كان يحصل على 200 ألف دولار كراتب شهري، كيف يمكن ذلك؟ فأجاب مدير البنك مبتسما: هذا الخبير كان متخصصا بالبورصات، وكان حصيلة أرباح البنك نتيجة استشارته تزيد عن خمسة ملايين دولار شهريا، وبالتالي يعتقد المدير أن راتبه كان أقل مما يستحق!!!

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى