لا توظّفوا الدوني الرخيص!
د. علي المستريحي
إذا كنت تمتلك أو تدير #مؤسسة تدّعي أنها “محترمة”، ولديها #أهداف عليا وكبيرة بالنمو والتوسع والازدهار والتميز والإبداع، فلا توظّف أشخاصاً من ذوي #الشخصية_الدونية الوضيعة، ولو كانت كلفتهم الآنية المادية عليك منخفضة .. فحقيقة الأمر، هذا الصنف من #العاملين هو دمارٌ للمؤسسة، وهم مكلفون للغاية خاصة على المديين المتوسط والبعيد ..
تعكس شخصية الموظف الدوني “الرخيص” توقعاته المنخفضة، وافتقاره للكرامة الإنسانية وعزة النفس، ولنظرته الدونية للأشياء وللناس من حوله، ولذوقه المنحطّ، وبخياراته الوضيعة عند اتخاذ قراراته .. وصاحب هذه الشخصية يمتاز بتوقعاته الدونية، ويفتقد القدرة على تمييز وتقدير الأشياء ذات القيمة المعنوية الثمينة، فتكون خياراته كلها وضيعة مثله، فيختار الغثّ الضريع اليابس، ويترك السمين المفيد الجزل .. فإذا كان موظفَ مشتريات، فإنه يتجنب البضاعة ذات الجودة العالية والقيمة المكنونة ولو كانت تكلفتها منخفضة، ثم يختار وسيلة النقل الرخيصة وأشخاصا يفتقرون للمهارة لنقلها، فتصل المواد وقد أصابها بعض التلف، وعند الاستخدام لا تدوم طويلاً، فتضعف جودة العمل وينخفض الأداء .. بيد أن الأكثر دماراً للمؤسسة هو أن يكون صاحب هذه الشخصية مسؤولاً عن التوظيف فيها، فيميل بفطرته لكل مَنْ هو دوني مثله، فتعجّ المؤسسة بمرور الوقت بهذا الصنف من الموظفين. لا عجب، فالذباب الأزرق لا يهوي إلا على الجيفة!
في غابر الزمان كانت لي مديرة إنجليزية، وكانت تحرص بعد كل محطة إنجاز يقوم به فريقها (وكنت أحدهم) دعوة الفريق لغداء أو عشاء بمكان راقٍ احتفاءً بالإنجاز .. فقد كان الربح وفيراً، وتكلفة الغداء أو العشاء لا تساوي شيئا مذكوراً قياساً بالربح الوفير المتحقق للشركة نتيجة الإنجاز الذي حققه الفريق .. وعندما رحلت وحل محلها مديراً “وضيعا” ألغى فكرة الغداء (من بين أشياء أخرى شبيهة) ظناً منه أنه يوفّر بالتكاليف لصالح المؤسسة، فهبط مستوى الأداء وضعفت معنويات الفريق وتضاءل الإنتاج ..
وليس الأمر صعباً أو ملتبساً كي نميّز بين الموظف صاحب الشخصية الدونية من الموظف النبيل عزيز النفس، صاحب الكرامة. فالمواقف والمحكّات الإدارية الحرجة بوسعها كشف الشخصيتين بسهولة. وهنا أتذكر قصة المعلّمة الأردنية التي كانت تعمل بمدرسة دولية بإحدى الدول المجاورة عندما استدعت مديرة المدرسة كل المعلمات ومن متعدد الجنسيات إلى مكتبها لتعبر لهنّ عن امتعاضها لأخطاءٍ بدفاتر تحضيرهن المسندة فوق مكتبها، وقيام المديرة -بعد توجيه اللوم اللاذع لهنّ- بإلقاء دفاتر التحضير على الأرض بطريقة مهينة! المفارقة أن كل معلمة من الجنسيات “الأخرى” تقدمت لالتقاط دفتر تحضيرها من على الأرض، إلا تلك المعلمة الأردنية! غادرت المكان على عجل وكلها غيظ لتعود بعد برهة لتلقي استقالتها بين يدي المديرة ثأراً لكرامتها! فما كان من المديرة إلا أن رفضت استقالتها مع اعتذار كبير، فكانت الوحيدة التي تم الاعتذار لها وبقيت تحظى باحترام كبير!
الوضيع سيبقى وضيعا بكل اختياراته ..