لا تمت قاعداً / جروان المعاني

لا تمت قاعداً

ان تتقاعد معتقدا انك ستبدأ من جديد هو أملٌ يكاد يكون حُلماً يقترب من الاستحالة، ولا اعتقد (والاعتقاد هنا يفيد الجزم) أني السباق للكتابة عن حال المتقاعدين .
التقاعد يكاد يكون انسحاب من الحياة فيصبح الأمر كأننا نقول (مُت قاعداً) فتنتابك مشاعر مستفيضة من الهزيمة وتبدأ فعلا الشعور بأنك هرمت وبأنك واحد من (285الف انسان متقاعد) مخذول.
الانسان عموما في الوطن العربي هو أهون من ذبابة أو نملة حتى باتت غاية الولادة هي القتل والموت اما على يد عساكر السلاطين او تحت بساطير المحتلين وانا كإنسان عربي متقاعد من التعليم اكاد اشعر بالتهميش لولا اني قادر على النفاذ نحو التمرد والرفض المسبق للاستسلام.
مع الأسف الشديد الفاقة والفقر تطاردان الانسان الاردني عموما والمتقاعد خصوصا، فالفجوة تزداد من انخفاض الراتب وغلاء المعيشة وعند سن التقاعد يكون الابناء قد كبروا وزادت احتياجاتهم وخارت قواك فتضطرب الأسرة وتتضاعف المعاناة .
من الواضح انك كمتقاعد لا تستطيع اعادة انتاج الحياة لتتلاءم مع اهداف التقاعد وهي الراحة حيث تبدأ الاسرة بالارتباك لتواجدك المستمر بينهم خاصة اذا كنت ممن يتدخلون بكل شاردة وواردة في المنزل، وتبدأ معايير الاحترام تتخلخل ليحل محلها مشاعر من عدم الاقتناع بكل ما يجري وربما تصل الامور الى حدود الصراع وتصل الامور عند غالبية المتقاعدين الى الانعزال عن الحياة الاجتماعية، وبعضهم قد يصاب بالكآبة لأنه يفقد الكثير من الامتيازات التي كان يمتلكها كتسهيل معاملاته، فنحن في بلاد تحترم المنصب والباس اكثر من احترام الانسان نفسه فيُصاب المتقاعد بالأرق ويجافيه النوم فيدمن السهر ويكثر في حياته الضجر.
لعل من اصعب المهن ان تكون معلماً حيث تمضي السنوات تصارع اشكالا متنوعة من الطلبة فيهم الذكي والبليد، وفيهم الطيب والشرس، وبنفس الوقت تصارع الحياة لتتكيف مع الراتب الضئيل التي تمنحك اياه الحكومة فاذا ما بلغت سن التقاعد تكون قد فقدت قدراتك الجسدية واكاد اقول العقلية حيث تنخفض قدرتك على التعامل مع معطيات الحياة، لأنك وصلت لحالة الافلاس الجسدي والمادي، وهنا ابدي استغرابي والعجب الشديد ممن يعارضون مطالب المعلمين، لو كنت معلماً لرأيت كم هم على حق.
في المحصلة انت حين تتقاعد عليك الرفض ان تموت قاعدا، وعليك النفاذ باتجاه الحياة من خلال عمل يتلاءم وقدراتك، بالرغم من صغر سوق العمل والقوانين التي تمنع بعض الفئات عن العمل بعد التقاعد خوفا على راتب الضمان، ومع اقتناعي اننا للأسف شعوب كسولة وبطبيعتنا اتكاليين وغير مثقفين عمالياً وحياتياَ فإن على الحكومات ان تجد الوسائل لتجعل من التقاعد حالة من العطاء والانتاج المثمر، وان على الدولة ان تستثمر طاقات المتقاعدين من كافة الاجهزة الحكومية لتقلل من النزف والهدر في مُقدرات البلد .
اخيرا ان التقاعد لا يعني ان تتوقف عن التمني والحلم، بل عليك ان تجعل منه حياة جديدة فانت ما زلت تتنفس ويمكنك ان تصنع احلاماً تدفع بك لمزيد من الانجاز والعطاء فانت لم تمت بعد وبإمكانك فعل الكثير كي تبقى رقماً وطنياً صالحاً للاستعمال .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. حقيقة مقال يختصر معاناة المتقاعد في اوطاننا احيك من المغرب واتمنى ان تزيدنا كتابة في هطا الموضوع حتى نستفيد و نتمكن من التعامل مع مرحلة مابعد التقاعد.
    اخوكم من المغرب

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى